IMLebanon

التفاوض أم قتل العسكريّين يهزّ الهيبة؟ المزايدات والانقسامات تُضعف الجيش والحكومة

ما الذي يحافظ اكثر على هيبة الدولة، هل هو عدم التفاوض مع التنظيمين الارهابيين اللذين يحتجزان الجنود اللبنانيين من اجل اطلاق هؤلاء ام انتظار ان تذبح العناصر الارهابية الجنود كما فعلت مع احدهم الرقيب الشهيد علي السيد؟ افلا تكون مست هيبة الدولة بترك الجنود لمصيرهم عندئذ وتكون مست كذلك كرامة لبنان واللبنانيين وهزت ايمانهم وثقتهم بالدولة والوطن ككل؟ وماذا يمكن ان يكون رد الفعل الشعبي وحتى المذهبي في حال طاول الاعدام جنودا من غير طائفة علي السيد؟ هل يمكن تجنب فتنة مذهبية وطائفية محتملة قد يكون نجح التنظيم الارهابي في دفع لبنان اليها؟

مجموع هذه الاسئلة فرضته المزايدات السياسية والآراء المتضاربة على هذا الصعيد او المنتقدة منها في شكل خاص للتفاوض الذي بدأ عبر قنوات محلية ولا يزال. ولم يبد واضحا لكثر علام المزايدات والاعتراضات. فاذا كان على مبدأ التفاوض فلم يكن هناك اعتراضات تذكر حين لم توفر الدولة اللبنانية جهدا ولم تترك بابا الا وطرقته من تركيا الى الدوحة فدمشق من اجل الافراج عن مخطوفي اعزاز الذين بقوا 17 شهرا في الاسر وعاش لبنان على وقع هذا الخطف اضطرابا كبيرا على كل المستويات بقطع طرق شبه يومي وبخطف مضاد لمواطنين اتراك. بل ان الدولة اللبنانية كانت تنتقد بقوة اذا بدت المساعي مجمدة او هادئة او متعثرة. وفيما بدأت الامم المتحدة مسارا للتفاوض مع جبهة النصرة من اجل اطلاق جنود القوة الدولية المحتجزين في الجولان في الايام الاخيرة، تحركت الولايات المتحدة في اتجاه مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا بعد بث مشاهد قتل او اعدام الصحافي الاميركي جيمس فولي بعدما هزت صوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي الولايات المتحدة على كل المستويات. وذلك في الوقت الذي كان قرار الرئيس باراك اوباما قاطعا في عدم الانخراط عسكريا في الشرق الاوسط من جديد. وكان سبق لواشنطن ان فاوضت تنظيم طالبان من اجل جندي اميركي كان محتجزا لديها ومبادلته بسجناء في غوانتانامو. واذ كان ينبغي العودة الى الوراء قليلا فان افرقاء لبنانيين كانوا يبادلون مع اسرائيل اطلاق آلاف السجناء الفلسطينيين واللبنانيين في السجون الاسرائيلية لقاء جندي اسرائيلي مثلا. والتاريخ الحديث والقديم الاقليمي والعالمي يحفل بتجارب او بوقائع مماثلة مما يجعل انتقاد مبدأ التفاوض في غير محله.

يبرز إذاً انتقاد التفاوض مع تنظيم ارهابي او تنظيمين كما هي الحال بالنسبة الى احتجاز الجنود اللبنانيين من تنظيم داعش وجبهة النصرة. كما يبرز انتقاد ما يتم التفاوض عليه في مقابل اطلاق الجنود الاسرى ما لم يكن هناك اعتقاد بانه لا يجوز ان ينسحب على المخطوفين العسكريين ما يسري على المخطوفين المدنيين. وفيما ان انتقاد التفاوض مع تنظيم ارهابي يسقط كما يسقط انتقاد مبدأ التفاوض في حد ذاته نظرا الى ان الدولة اللبنانية لم تختر خصمها في هذه الحال بل هو فرض نفسه قسرا عليها وعلى الواقع اللبناني، يبقى الاكثر قابلية للانتقاد المادة التي يتم التفاوض عليها في حد ذاتها. وهنا تطل اشكالية معقدة تتصل بالموقوفين الاسلاميين في سجن رومية علما ان المعلومات تفيد عن مطالب عدة لا تنحصر بهؤلاء وهي اقل اهمية من هذا المطلب. والاشكالية المتصلة بعدد كبير من هؤلاء انهم لم يخضعوا للمحاكمة فعلا فتنقسم الآراء في هذا الشأن بين من يرى ان لا مشكلة كبيرة فعلا تقضي بتسليم احد من غير المحكومين فعلا علما ان ثمة خطأ كبيرا يقع على الدولة اللبنانية على هذا الصعيد من خلال تأخير محاكمة هؤلاء فيما تعتبر آراء اخرى ان الدولة قد تقدم على خطأ جسيم في حال لبّت مطالب من هذا النوع باعتبار انه قد يعرضها للابتزاز وربما تشجيع عمليات مقايضة من هذا النوع.

الواقع ان ليس سهلا على الحكومة اللبنانية ان تتفاوض على الافراج عن الجنود وهي ليست في موقع قوة فعلا للقيام بذلك. ويزيدها ضعفا انقسامات سياسية تعبر عنها مواقف منتقدة للجيش من جهة باتت تثقل عليه من باب تصفية حسابات سياسية او رئاسية او سواها وتساهم في اضعافه لغايات واهداف عدة او انقسامات تغطي على مواقف واخطاء سياسية نتيجة واقع معين من خلال إلقاء التبعة على كاهل الحكومة من جهة اخرى. ولا يبدو ان الحكومة تملك ترف الاستعانة بأطراف خارجيين كما في السابق من اجل التدخل والمساعدة علما انها سعت الى ذلك، ولا في توظيف وقت طويل لذلك فيما الضغوط في الشارع تثقل اكثر من اي وقت مضى لاعتبارات عدة. هناك اخطاء كثيرة ارتكبت ولا تزال ترتكب في ملف عرسال وكل ما يحيط به وكثر من المسؤولين يعرضونها في مجالسهم الخاصة. لكن لا يبدو الوقت مناسبا للمحاسبة. ثمة مخاطر في ان تترك الحكومة اللبنانية الجيش معرضا للاستهداف كما ثمة مخاطرة بان تترك الجنود بين ايدي التنظيمين الارهابيين لأشهر طويلة مع اقتراب فصل الشتاء.

أفضل ما يمكن وفق ما تقول مصادر سياسية معنية هو التفاوض باعتباره كسبا للوقت بحيث يمنع اتخاذ التنظيمين الارهابيين من القيام بخطوات درامية كما يتيح تسوية بعض الامور التي يجب تسويتها وان يدعم الافرقاء السياسيون الحكومة ويبدون واحدا في مواجهة الارهاب.