IMLebanon

التفاوض و«عدم الاتفاق» بين عون والحريري

قصّة عدم الاتفاق بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» في ملفّ الرئاسة قديمة وتعود إلى أيام قبيلَ انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان. ليس في الإعلان أنّ التيارَين لم يتوصّلا في مفاوضاتهما إلى اتّفاق حول رئاسة الجمهورية ما هو جديد.

المسافة الفاصلة بين ذلك التاريخ، ولحظة إعلان النائب ميشال عون رغبته في «تعديل» الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية مباشرةً من الشعب، يمكن اعتبارها مرحلة اختبار «اليقين الرئاسي» وتحديد الخيارات والبحث عن إمكانية التعاون في ملفّات أخرى غير ملفّ رئاسة الجمهورية.

يروي رئيس حكومة سابق متابع لمسار المفاوضات بين الرئيس سعد الحريري، وعون، أنّ الأوّل اقترحَ على الثاني السير في التمديد للرئيس ميشال سليمان لسنةٍ أو ستّة أشهر، مقابل تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش، وإعطاء وعد «ملكي» سعودي لعون بأن يتمّ انتخابه رئيساً فور انتهاء ولاية سليمان الممدّدة مع السير في القانون الانتخابي الأقرب إلى مطالبه أي «قانون الستين».

تلقّف عون هذا الاقتراح وطالب، بحسب المعلومات عينِها، بضمان أوروبّي له لا بضمان سعودي. ومن ثمّ تشاوَر مع الحلفاء وبعثَ برسالة إلى الحريري مفادُها، أنّ هذه مناورة غير جدّية ومن «سينتخبني بعد سنة في وسعه انتخابي الآن»، ليأتيَه الردّ من باريس على لسان الحريري أنّ «الجنرال رفضَ هذا الاقتراح تحت ضغط حزب الله، الأمر الذي أزعجَ الرابية وجعل العلاقة تفتُر، ثم لتبدأ التحوّل نحو السوء. وتشير المصادر هنا إلى ما قاله الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في خطاب 25 أيار، عن أنّ «البعض لم يكن يريد انتخاب رئيس للجمهورية بل كان يسعى للتمديد».

لم تنقطع العلاقة كلّياً، وخلال شهر ونصف شهر تقريباً مارسَ الطرفان أقصى أنواع «الميكيافيلية» السياسية، وظلّا منفتحين على التعاون الحكومي ومناقشة إجراء الانتخابات النيابية والقانون الذي يمكن أن تجرى على أساسه. ولكنّ مؤشّرات عدم الاتّفاق ظهرت في كلام عون في مقابلة تلفزيونية، وقد حاولَ أن يقدّم ضمانات سياسية انطلاقاً من موقعه السياسي، فأستغلّ تيار «المستقبل» هذا الكلام للتنصّل من أيّ اتّفاق رئاسي، وأعلن « الحريري رفضَه كلام عون من دون أن يقطع معه.

عند زيارة عون لرئيس مجلس النواب نبيه برّي منذ أسبوعين تقريباً، رشحت معلومات عن نيّة «الجنرال» إطلاق مبادرة ما، وثمّة مَن قال إنّه فاتحَ برّي بهذا الاقتراح وناقشَه فيه. وفي الأجواء التي رشحت عن هذا الاجتماع يومَها أنّ رئيس المجلس أبلغَ إلى عون موقفاً إيجابياً من ترشّحه للرئاسة، وقال له إنّ «كتلة التنمية والتحرير» تقف خلفَه إلى النهاية في ملف الرئاسة، فبادر عون إلى الطلب منه وضعَ مشروعَي قانونين موجودين في المجلس، أحدُهما متعلق بـ»القانون الأرثوذكسي»، والآخر بتقسيم لبنان إلى ثلاث عشرة دائرة انتخابية. ما يعني أنّ عون كان يحضّر لمبادرته سياسياً ومؤسّساتياً، بحيث يفاوض في هذين القانونين، حتى إذا وصلَ الأمر إلى إجراء الانتخابات النيابية يمرّ «قانون الستّين» الذي يناسبه حاليّاً.

بعد أن قطع عون الشكّ باليقين، تقدّم بمبادرته السياسية، لتعديل الدستور وانتخاب الرئيس مباشرةً من الشعب على مرحلتين. هذه ليست مناورة عونية، بحسب بعض المعلومات. ثمّة إصرار عونيّ على تسويقها ومحاولة تمريرها، والإمساك بها حتى النهاية ورقة ضغطٍ سياسية على تيار «المستقبل». ربّما يدرك كثيرون أنّ تعديل «اتّفاق الطائف» غير ممكن حاليّاً، لكنّ الرابية بهذا الطرح وضعت تيّار «المستقبل» أمام خيارَين: الرئاسة مقابل النظام السياسي، أو النظام السياسي مقابل انتخابات نيابية في موعدِها وفق قانون يشبه «القانون الأرثوذكسي».

كثيرون حولَ عون خُدِعوا، وظنّوا لوهلةٍ أنّ السعودية قد تسير في مواصفات عون رئيساً للجمهورية. هذه الظنون رتَّبت بعضَ الأخطاء الجوهرية والثانوية، وبأخطائهم هذه أساؤوا للثوابت التي وضعَها «التيار الوطني الحر» وأرساها، لكنّ عون وحدَه لم تنطلِ عليه الخدعة، فقد كان يفاوض بيدٍ، ويكتب الخطوة السياسية التالية باليد الأخرى، وعندما حان الوقت أخرجَ الورقة من جَيبه، لتنكشف على اثرها كلّ الاوراق.