فيما تعيش البلاد أزمة الشغور في كرسي الرئاسة الأولى والتي تبدو مستعصية على الحل القريب، تلوح في الأفق أزمة شغور جديدة تدخل في مرحلتها «التنفيذية» اعتباراً من صباح اليوم، وهو تاريخ نشر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إلى ممارسة حقهم في انتخاب مجلس نيابي جديد ليحل مكان المجلس «المدّد له» والذي تنتهي ولايته في تشرين الثاني المقبل.
ومع أن مواقف الكتل النيابية المختلفة تجمع على أن إجراء الانتخابات في موعدها دونه عوائق دستورية وقانونية تحول دون ذلك فعلياً، إلا أنها بالمقابل تجمع أيضاَ على أن التمديد للمجلس الحالي هو «أقل الأضرار» الممكنة حتى لا تقع البلاد في أزمة شغور إضافية «تزيد من الطين بلّة» ومن بين هذه الكتل، كتلة «اللقاء الديموقراطي« التي «تميّز» رئيسها النائب وليد جنبلاط على «طريقته» من خلال إعلانه الموافقة على التمديد «شرط ربطه بانتخاب رئيس للجمهورية« وخلال فترة لا تتجاوز الأشهر القليلة.
وتقول مصادر مقرّبة من النائب جنبلاط إن «الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية وكل حديث عن أي عمل آخر في غير محلّه إذ لا يجوز أن يستمر الفراغ في منصب الرئاسة الأولى خصوصاً في ظل الوضع الأمني الخطير الذي نشهده».
وتضيف «لسنا في وارد الدخول في نقاشات حول دستورية التمديد للمجلس النيابي من عدمه، لكن وفي ظل استمرار الفراغ، لا يجوز أن ننقل كطبقة سياسية هذا الفراغ إلى المجلس النيابي أيضاً ونكون بذلك نعرّض الحكومة أيضاً إلى احتمال الفراغ وندخل عندها في فوضى لا يمكن التنبؤ بنتائجها».
ولا تخفي المصادر القلق الكبير الذي يشعر به النائب جنبلاط تجاه الوضع الأمني مع تمدّد طموحات «الخليفة الجديد أبو بكر البغدادي، ووصول طلائع «داعشه« إلى عرسال، ولولا الحكمة الكبيرة التي تجلّت في الموقف الجامع والموحد حول الجيش اللبناني، لكان الحديث اليوم في مكان آخر»، مشدّدة في هذا الإطار على العمل من أجل عدم الوقوع في فراغ «سيشل البلد ويفتحه أمام احتمالات أمنية خطيرة جداً».
رحلة التمديد بدأت بعدما أودع النائب نقولا فتّوش الأمانة العامة لمجلس النواب مشروع قانون جديد بصفة معجل ومكرّر يقضي بالتمديد للمجلس لفترة سنتين وخمسة أشهر، إلا أن للهيئة العامة لمجلس النواب إدخال التعديلات التي تراها مناسبة على الأقل من حيث فترة التمديد.
وتضيف المصادر الجنبلاطية أن «التمديد التقني ولفترة لا تتجاوز الشهور الستة هي ما نحاول الوصول إليه ويجب أن تقرن هذه المدّة بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية خلالها».
لكن بعض معارضي التمديد لفترة قصيرة يتساءلون عن «ماذا يحصل لو لم يطابق حساب الحقل مع حساب بيدر النائب جنبلاط، ولم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، أنعود إلى اقتراح تمديد جديد بعد ستة أشهر؟» مشيرين في هذا المجال إلى انه إذا كان لا بد للتمديد فليكن لفترة تكمل الولاية القانونية لمجلس النواب أي ما تبقّى من السنوات الأربع للولاية.
وتعتبر المصادر ان جنبلاط يرى أن العوائق الدستورية أمام إجراء الانتخابات النيابية في ظل الشغور الرئاسي كثيرة تبدأ مع اعتبار الحكومة الحالية مستقيلة فور إعلان نتائج الانتخابات، أي تحويلها إلى حكومة تصريف أعمال، ولا تنتهي مع كيفية إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة ومن هي الجهة التي يحق لها دستورياً توقيع مراسم قبول استقالة الحكومة ومرسوم التكليف ومن ثم التشكيل، وهي الصلاحيات المنوطة برئيس الجمهورية، ويلتقي جنبلاط بذلك مع الكثير من مواقف الكتل السياسية الأخرى في هذا المجال.
لكن إلى جانب العوائق الدستورية والقانونية، تبرز العوائق الأمنية وهي التي كان ألمح إليها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي اعتبر بعد زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري في الأسبوع الماضي، ان الأوضاع الأمنية برأيه لا تسمح بإجراء الانتخابات النيابية.
ومع أن المشنوق أنجز المطلوب منه وهو التحضير لوجستياً لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وتوقيع قرار دعوة الهيئات الناخبة ورفعه إلى مجلس الوزراء لكي يصار إلى توقيعه من قبل جميع الوزراء المعنيين في الحكومة التي «تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية مجتمعة»، إلا أن الوجه الآخر من الخلاف على قضية الانتخابات هو القانون الذي ستجرى على أساسه.
لذا، تشدّد المصادر الجنبلاطية على أنه «من الأفضل أن يقتنع النواب بضرورة تأمين نصاب جلسة لمجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية، لكي يصار بعدها إلى العمل الجدي من أجل إخراج قانون عصري للانتخابات ترضى عنه جميع القوى السياسية».
ولأن اللبنانيين اعتادوا السجالات العقيمة بين السياسيين إلا أنهم لا ينتظرون أن يختلف ممثلوهم في المجلس النيابي على «جنس الملائكة» هذه المرة، وهم حتماً سيتفقون في نهاية المطاف على أن التمديد للمجلس هو أفضل الحلول واقلّها ضرراً، ويطالبونهم بعدها بالانصراف إلى الاهتمام بما يؤمن لهم لقمة عيشهم والعناية بمطالبهم التي لم يحصلوا عليها من المجلس الحالي، ويمنّون النفس بالحصول عليها «يوماً ما» من مجلس نيابي جديد.