IMLebanon

التمديد للأسد يدفن التسوية

التمديد لبشار الأسد في «الانتخابات» الجزئية التي جرت على أقل من نصف مساحة سورية، يعني أمرين: الأول اسقاط الحل السياسي الى أمد غير منظور ودفن جنيف الأول والثاني، والآخر امتداد القتال لفترة طويلة من دون قدرة اي طرف داخلي على الحسم بانتظار توافر عوامل خارجية فاعلة لم تلحْ تباشيرها بعد.

وعلى رغم تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي اعتبر زوراً ان الاقتراع «المتعدد» الذي نظمه الحكم يشكل بداية للحل السياسي، وسط تسريبات روسية عن امكان قيام حكومة مشتركة مع «معارضة الداخل»، فإن المؤشرات تفيد بأن هذا الحل بات أبعد من اي وقت مضى، ذلك ان العوائق التي حالت دون نجاح مؤتمر جنيف ازدادت مع التمديد للأسد سبع سنوات، لأنه يعني رفضاً نهائياً لمبدأ انتقال السلطة الذي تدعو اليه المعارضة بمساندة المجتمع الدولي كأساس لأي حل، ولأنه يعني التمسك بطبيعة النظام العائلية وتركيبته المشخصنة اللتين استنفدتا قدرته على التكيف والتطور وحتمتا اصطدامه بأي رغبة في التغيير ولو الجزئي، ودفعتاه الى استخدام العنف وسيلة وحيدة للتعاطي مع المطالب السياسية المشروعة.

وكانت استقالة الموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي أوضح احتجاج مسبق على هذه الانتخابات المصطنعة التي اعتبر انها تنسف محادثات الحل وتلغي دور اي وسيط.

لكن اذا كانت الديبلوماسية والعقوبات فشلت في اقناع النظام وداعميه باعتماد مقاربة مرنة لإيجاد تسوية سياسية، وفي اقناعهم بأنه لا مناص من التغيير الذي وحده يوقف النزف المستمر ويستعيد سورية من مسار الانهيار، فما هي التوقعات بعد تمسك الأسد بالحكم؟

المعادلة القائمة حالياً هي توازن في القوى يتفاوت بين منطقة وأخرى، فتارة يسجل النظام تقدماً على الأرض بمساندة حلفائه الميدانيين من شيعة لبنان والعراق، وطوراً تتقدم قوات المعارضة وتستولي بعد عمليات جريئة على بعض مواقع الجيش النظامي، لكن معارك الكر والفر هذه لا تمنح اياً من الطرفين غلبة حاسمة يستطيع أن يجيّرها في فرض حل يناسبه، ولهذا ينتظر كل منهما ان تطرأ عوامل خارجية تساعده في قلب الموازين لمصلحته. غير ان ذلك يبدو مستبعداً حالياً لأن الدولة الوحيدة القادرة على احداث فارق ميداني، اي الولايات المتحدة، لا تزال تتمنع متذرعة بأسباب شتى، وتشجع حلفاءها الأوروبيين على عدم التورط في المستنقع السوري.

فبعدما انتقلت استراتيجية واشنطن من الانخراط الكامل في العالم مثلما حصل في غزو افغانستان والعراق، الى الحياد شبه الكامل كما يحصل في الموقف من سورية وأوكرانيا حالياً، بات من الصعب توقع اقدامها على اي انعطاف مفاجئ. ولهذا فإن الاحتمال الوحيد هو ان تستمر الحرب السورية على منوالها، وأن يستمر الأميركيون في ابتكار الذرائع التي تبرر بقاءهم متفرجين مكتوفي الأيدي، على رغم «الجرعات» السياسية التي لا يبخلون بها على المعارضة، وهي سياسة باتت تثير حفيظة حتى المعتدلين الأميركيين وليس معارضي أوباما فحسب، كما عكست ذلك تصريحات السفير السابق في دمشق روبرت فورد.

وكدليل على ان الأميركيين أنفسهم يتوقعون ان تطول الحرب الى أمد غير منظور، تناول وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته بيروت امس مشكلة اللاجئين السوريين الى لبنان واحتمال تفاقمها في المستقبل القريب. لكن المعالجات التي تقترحها إدارته لا تتعامل سوى مع النتائج المتوقعة لاحتدام النزاع من دون ان تصل الى مسبباته.

اما المعارضة السورية فليس بوسعها سوى الصمود إلى أن يحين يوم يعلن فيه ممولو الأسد وحماته الخارجيون انه لم يعد بمقدورهم دفع كل هذا الثمن الباهظ لبقائه في السلطة.