ستَرتفع حدّة الخطاب السياسي من اليوم وحتى 20 آب المقبل، تاريخ دخول مهلة التسعين يوماً لدعوة الهيئة الناخبة ضمن مهلة 60 يوماً ما بين 20 أيلول و20 تشرين الثاني، بين دعاة إجرائها، والرافضين ذلك قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وسط حديث عن نواة تفاهم لتمديد ولاية البرلمان إلى سنة 2015 أو 2016.
قبل أقلّ من سبعة أسابيع على بدء احتساب مهلة التسعين يوماً لدعوة الهيئات الناخبة إلى انتخاب المجلس النيابي الجديد، فُتح النقاش على مصراعيه حول القدرة أو الرغبة في إجراء الإنتخابات في موعدها ضمن المهلة الدستورية أو عدمها. وعلى رغم حدّة الخلافات التي حكّمت أصحاب المنطقين، فإنّ هناك من يعتقد أنّه سيكون جدلاً في غير محله. فالظروف التي تتحكّم بإجراء الإنتخابات النيابية وتُسهّل إجراءَها غير متوافرة على الإطلاق. ليس بسبب الخلافات بين فريقَي «8 و14 آذار» على «لون الهواء وطعمِه» ونظرتهما إلى أولويّات المرحلة لجهة أولويّة انتخاب رئيس للجمهورية أو عدمه، وليس بسبب الوضع الأمني، بل لأنّ المعادلة التي عطّلت انتخاب رئيس الجمهورية ما زالت تتحكّم بالحياة السياسية في البلاد وتُحدِّد أطُراً للمسموح به والممنوع.
وتعتقد أوساط سياسية أنّ الحروب المندلعة في المنطقة والتي امتدَّت من سوريا إلى العراق هي نفسها بأدواتها ورعاتها وأسلحتها ومنطقها تُخاض على الساحة اللبنانية ولكن بلا أسلحة. وإذا نجحَ البعض في تنفيذ عملية إرهابية، فإنّه لن يخرق السقوف الدولية والإقليمية التي تحمي لبنان بالحَد الأدنى من الرعاية التي يحظى بها ولو إلى حين.
فالفريق القادر على التفجير الأمني وتسعير الفتنة في لبنان لا يرغب بها وهو تفرَّغ لساحات أخرى، ومن يرغب بالفتنة غير قادر على إشعالها. ولن يجد الساعون إليها أيّ بقعة خصبة أو منطقة تشكّل بيئة حاضنة للفتنة، وما بين هذه المعادلات قوى أمنية وعسكرية تفتح عينيها وتراقب كلّ من يتحرّك على الساحة اللبنانية بشكل مشبوه، على رغم صعوبة التحكّم بعمل بعض المجموعات الإرهابية.
وعلى هذه الخلفيات، لن تتوافر لدعاة تغيير المعادلات الهشّة في لبنان أيّ فرصة للقيام بما يؤثّر على توازناتها الدقيقة. فالانتخابات النيابية ليست مجرّد دعوة إلى صدور مرسوم يُحدّد موعدَها وتنظيماً لعميلة اقتراع وفتح الصناديق، بل هي فعل قرار سياسي تديره مؤسسات دستورية غير مكتملة العدد. فعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية يعطّل خطوات تمهيدية كثيرة لازمة لإجراء الانتخابات النيابية وما سيَليها من تغييرات على مستوى تكوين السلطة التنفيذية.
ويعتقد مرجع دستوري أنّ الصلاحيات الرئاسية انتقلت وكالةً إلى مجلس الوزراء لممارستِها في حالات الضرورة القصوى وتحت سقوف معيّنة، وأنّ ما أنيط برئيس الجمهورية في المراحل التي تلي الإنتخابات النيابية من صلاحيات غير متوافرة لديها. وها هي الآلية المتفاهَم عليها لممارسة هذه الصلاحية قد انتهَت إلى وضع جميع أعضاء مجلس الوزراء في موقع رئيس الجمهورية عند توقيع أيّ مرسوم. ويضيف: ما شهدَته السراي الخميس الماضي عندما وقَّع 23 وزيراً 150 مرسوماً، دليل واضح على استحالة التعويض عن موقع الرئيس بكامل صلاحياته بحكومة مهما ضمنَت من وحدتها وتضامن أعضائها، لأنّه لا يمكنها مواجهة القضايا الخلافية الكبرى، فحقّ الفيتو الذي أُعطِي إلى مجموعة وزراء من مكوّناتها السبعة يمكن أن يُعطّل أيّ خطوة أقلّ حجماً وأهميّة من الدعوة إلى انتخابات نيابية.
تتبادَل الأوساط السياسية نواة تفاهم ثلاثي قد يتحوّل رباعياً للتمديد لمجلس النواب لفترةٍ لم يتمّ التفاهم عليها أو تحديدُها بعد، فمنهم من يقول إلى ربيع 2015، وآخرون لديهم ما يكفي من الحججِ ليكون التمديد الى ربيع 2016، أمّا الإخراج فليس عقبةً، وقد تكتمل فصوله في بداية مهلة التسعين يوماً أو في نهايتها، والأمر رهن نضوج الظروف لفرضِ هذا التفاهم لا أكثر ولا أقلّ.