يعتبر الدستوريّون أنّ التمديد لمجلس النواب مخالف للدستور ومبادئ الديموقراطية، خصوصاً إذا لم يأتِ في ظروف استثنائية بل نتيجة خلافات الكُتل النيابية والسياسية والحزبية وفشلِها في التوصّل إلى قانون جديد للانتخابات، وسط ما يُحكى عن طروحات واقتراحات لتغيير النظام اللبناني البرلماني.
مرَّ لبنان بأزمات وحروبٍ جمّة، اعتبر البعضُ أنّها تعود إلى النظام اللبناني المولّد للأزمات، فيما رأى البعض الآخر أنّ المشكلة لا تكمن في النظام وإنّما في سوء الممارسة التي غلبَت تطبيق النصوص القانونية والدستوريّة.
فالنظام الحالي لا يُطبّق كما يجب، ما يعني أنّ الاتفاق على نظام جديد لانتخاب رئيس للجمهورية أمر غير جائز. فالنص واضح: «رئيس الجمهورية يُنتخب في المهلة المحدّدة له، أي الشهرين، وفي حال عدم انتخابه، يجتمع مجلس النواب حكماً وفوراً خلال 10 أيام»، ما يعني أنّ المجلس يتحوّل هيئة ناخبة للرئيس فقط لا غير.
يرفض الشعب انحرافَ الديموقراطية التمثيلية عبر ما يسمّى «سيادة البرلمانيّين أو ديموقراطية البرلمانيين» التي جعلت مبدأ سيادة الأمّة خيالياً، حيث أصبح هناك ما يسمّى «جمهورية النواب» خصوصاً مع وجود الأحزاب السياسية التي تريد الوصول إلى السلطة ولو عن طريق اتّخاذ مواقف لا تتَّفق مع المصلحة العامة، وأبرزُها، قرار التمديد للمجلس النيابي الذي يشكّل جريمةُ تمسّ الكرامة والديموقراطية.
«المواطنون أصبحوا كالدمى، وذلك لفقدانِهم التربية المواطنية وحسَّ المصلحة العامة. فكيف تكونون يولّى عليكم»، هكذا بدأ الخبير الدستوري بول مرقص حديثه لـ»الجمهورية»، مقدّماً حلولاً على مراحل ومستويات لمعالجة أزمة تكوين السلطة في لبنان.
فرأى أنّ «الحلّ على المدى البعيد يكون بتعزيز ثقافة المواطنية وتطوير المنهج التربوي بهدف تثقيف جميع المواطنين على المصلحة العامّة، وهذا الأمر يبدأ بتوعية الطلاب في المدارس والجامعات».
ويشير مرقص إلى أنَّ الشعب اللبناني «لاعبٌ سلبيّ، لا يتكاتف ولا يتضامن ولا يقوم بأيّ مبادرة حقيقية على الصعيد الاجتماعي، على عكس البلدان الأخرى، مثل مصر أو الثورة في اليابان التي أدخلتها عصر الحداثة، إنّما يكتفي بالانتقاد والتذمّر، لأنَّ النائب الذي انتخبه استخدم الوكالة لمصلحته».
ولفتَ مرقص من جهة ثانية، إلى أنّ «الحلّ المتوسط الأمد يكون من خلال تكثيف نشاطات الجمعيات والأحزاب والنقابات والتكتّلات.
أمّا الحلّ على المدى القريب فيكون بانتخاب رئيس للجمهورية أوّلاً، ثمّ انتخاب مجلس النواب، وإلّا سيُفرَط عقد السلطة، ما سيدفعنا الى الدخول في ما يسمّى «مؤتمر تأسيسي»، وهذا الأمر خطير وضربٌ في المجهول، في عالم متحرّك وسط نموّ التطرّف والإرهاب، ما قد يُدخلنا في حرب وفوضى وصولاً إلى العجز عن تركيب السلطة».
الدستور يرفض التمديد
ويؤكّد مرقص أنّ «النيابة بحسب المادة 27 من الدستور هي وكالة من الشعب لتُمثّل الأمّة وتُعبّر عن إرادتها وتتصرَّف باسمها، وهي محدّدة بأربع سنوات تسقط حُكماً عند انتهاء المدّة المعطاة ما لم تكن هناك ظروف قاهرة «، موضحاً أنّ «هذا مبدأٌ سامٍ تناولته الحقوق الإنسانية الدولية ولا يمكن تجاوزه إلّا بما يُبيحه التعهّد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادرة عام 1972 والنافذ ابتداءً من عام 1976».
ورأى أنّ «الظروف الأمنية لا تُعتبر استثنائية لأنّها لا تدخل في إطار حرب دائمة واضطرابات خطرة»، مُذكّراً بأنّ الانتخابات النيابية أُجرِيت عندما كانت القوات الإسرائيلية تحتلّ الجنوب، فوُضعت أقلام الاقتراع خارجَ نطاق المنطقة المحتلة لتمكين الناخبين من الانتخاب، وهذا يعني أنّه لا يمكن التذرّع بالأسباب الأمنية للتمديد لمجلس النواب».
ووصفَ مرقص الكلام عن التمديد التقنيّ بأنّه «بدعةٌ ولا يستند إلى قواعد دستورية»، معتبراً أنّه «قد يكون لمدّة محدودة تجيزه ظروف واقعية قاهرة لا يمكن دفعها أو ارتقابها، أو لعدم جهوزية الدولة»، مشيراً إلى أنّ «الانتخابات اللبنانية محدّدة المواعيد، وعلى وزارة الداخلية أن تكون جاهزة لملاقاة هذا الاستحقاق».
وعن السبب الذي مدَّد على أساسه مجلس النواب لنفسه إن كان التمديد يُضرّ بديموقراطية الشعب وسيادته، أكّد مرقص أنّ «التمديد جائز في القانون، وإنّما بصورة مقيَّدة وفقط في الأسباب القاهرة ولمدّة قصيرة مع بيان الأسباب واقعياً»، مشدّداً على أنَّ «التّمديد لا يعني خسارة الديموقراطية، إنّما هو بمثابة «خنجر» يقلّل من قيمتها وهيبتها».
وأكّد أنّ «الكلام عن الفراغ ليس دقيقاً، لأنّ النصوص تأبى الفراغ والنظام المعبّر عنه في الدستور اللبناني هو ذات آلية جيّدة ويحوي موادَّ تفصيلية ومفسّرة، إضافةً إلى وجود القانون 25/2008 الساري المفعول، وبالتالي لا ينقص سوى تطبيقه». ولفتَ إلى أنّ «العبرة تكمن في وجود حُسن النيّة لتطبيق النصوص»، رافضاً القول إنّ هناك فراغاً «إنّما تفريغ» الذي يُفضّله على التمديد.
مبرّرات باطلة
على رغم اتّفاق معظم الدستوريين على رفض التمديد، إلّا أنّ السياسيين يسيرون في خطى ثابتة غيرَ آبهين للاعتراضات، أو باحثين عن حلول تُجنّب البلد التمديد، وذلك عبر انتخاب رئيس للجمهورية. وفي هذا السياق، أكّد المرجع الدستوري حسن الرفاعي لـ»الجمهورية»، أنّ «التمديد مخالف للواقع ومُعيب وغير مبرّر إطلاقاً»، قائلاً: «في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية كان لا بدّ من تعديل الدستور على الأقلّ».
وشدّد على أنّ «المبرّرات التي يقدّمها المجلس للتمديد ليست كافية، وباطلة»، محذّراً من أنّ «التمديد يضرّ بالديموقراطية وسيادة الشعب، فالمجلس النيابي أعطى نفسَه صلاحية التمديد لنفسه».
وأكّد الرفاعي أنّ «الحلّ لتلافي تفكّك السلطة هو بانتخاب رئيس الجمهورية أو حصول انتخابات نيابية، لأنّه يمكن للحكومة تصريف الأعمال وتقديم الاستشارات»، مشدّداً على «ضرورة اتّباع الأصول واحترام مهلة الشهرين قبل التفكير بأيّ تمديد. وفي حال عدم التقيّد بالواقع المفروض أي الانتخابات، «سنكون أمام مخالفة ستؤدّي إلى تفكّك».
المجتمع المدني
وفي ظلّ التوجّه نحو التمديد النيابي، هل ينتفض المجتمع المدني رفضاً لهذا التمديد، أم أنّ اعتراضاته تبقى بلا مفعول على الأرض لأنّ القوى السياسية والأحزاب أقوى من المؤسّسات؟ وفي هذا الإطار، دعت رئيسة الجمعية للحملة المدنية للإصلاح الانتخابي يارا نصّار عبر «الجمهورية»، إلى «إنجاز الانتخابات النيابية بصرفِ النظر عن وجود قانون انتخابي غير عادل قد يُعيد الطبقة السياسية نفسها إلى الحكم»، معتبرةً أنّ «الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة التي يُعبّر فيها الشعب عن رأيه، وبالتالي حرمانُه من هذا الحقّ انتهاكٌ للديموقراطية وغيابٌ لأسُس الدولة».
ورأت أنّ «غياب التحرّك الملموس دلالة على أنّ الشعب محبَط لأنّه أيقَن أنّ تحرّكه لم يعُد يجدي نفعاً أمام سعيِه إلى لقمة العيش»، موضحةً أنّ «المشكلة تكمن في النظام الزبائني الطائفي وغياب الدولة ووجود القوقعة الطائفية والتبَعية السياسية والطائفية للزعماء، لكنّ هذا لا يعني أنّ المواطن لا يتحمّل المسؤولية بسبب موقفِه السلبي بدلاً من الانتفاض والتحرّك». وجزمَت نصّار بـ»أنّنا لن نقبل التمديد لمجلس النواب وسنُحضّر قضايا ودعاوى وسنُصعّد تحرّكاتنا حتى بعد التمديد، وسنرفض التعاطي مع هذا الأمر كأمر واقع».
مهما بلغَت الاعتراضات، إلّا أنّ عدم انتخاب رئيس جمهورية سيجعل التمديد أمراً واقعاً تحت مُسمّيات عدّة، وسيتقبَّله اللبنانيون مثلما تقبَّلوا التمديد الأوّل!