IMLebanon

التمديد مجدداً.. أو «قانون الستين»!

بين الجدل القائم حول آلية (أو منهجية!) ممارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية وحول حق مجلس النواب بالتوقيع في ظل شغور الرئاسة الأولى، نكاد أن ننسى ما لا يقل أهمية عن انتخاب رئيس الدولة.

في خضم هذا الجدل العقيم، نكاد أن ننسى أن مدة الولاية الممددة لمجلس النواب تنتهي في 14 تشرين الثاني المقبل، وان المجلس الذي مدَّد لنفسه 17 شهراً بذرائع عدة، لعل اهمها في الواقع عدم التوافق على قانون للانتخابات، لم يتقدم خطوة واحدة في سبيل إقرار قانون جديد يحل محل قانون ثمة شبه إجماع على انه قانون سيئ.

وكأن المقصود هو وضع اللبنانيين امام خيارين لا ثالث لهما: فإما التمديد مجدداً لمجلس النواب بحيث لا تقل الولاية الممدَّدة عن ثلاث سنوات، وإما اجراء الانتخابات النيابية على اساس ما يُسمى بـ«قانون الستين» او الأصح، القانون الصادر العام 2008 بعد اتفاق الدوحة.

إن قرار تمديد ولاية المجلس كان، في حينه، موضع انتقاد شديد وتعليقات عدة. الا ان الأكيد هو ان اجراء الانتخابات النيابية بصورة دورية ومنتظمة هو الذي يضفي الشرعية على السلطة السياسية، وان عدم اجرائها في مواعيدها هو، بالتالي، مخالف لأي دستور في أي نظام ديموقراطي.

ان تأجيل الانتخابات النيابية لا يمكن تبريره الا بوجود ظرف يتصف بالقوة القاهرة يحول عملياً دون اجرائها، فيأتي التأجيل كمخرج لا بد منه للحؤول دون الفراغ في هذه المؤسسة الدستورية.

ركَّز قانون التمديد في أسبابه الموجبة على الاوضاع الامنية التي تعطِّل امكانية تنظيم الحملات الانتخابية في مناطق معينة من لبنان، وعلى ان من شأن التمديد منع الحرب واستدراك الفتنة إزاء التصعيد السياسي والانقسام الذي يأخذ أبعاداً مذهبية وطائفية حادة.

كان مطلوباً، يومئذ، من المجلس الدستوري ان يراقب تقدير مجلس النواب فيما يتعلق بوجود الظروف الاستثنائية التي تبرر القرار الخطير بتمديد ولاية المجلس.

كان مطلوباً منه أن يجيب على تساؤلات المواطن المشروعة:

لئن كان إجراء الانتخابات النيابية بموعدها من شأنه ان يهدد الكيان ويعرِّضه لخطر الحرب والفتنة، كيف سمح مجلس الوزراء لنفسه، قبل خمسة ايام فقط من قرار التمديد، ان يعيِّن الهيئة المشرفة على الانتخابات ويحدِّد سقف الإنفاق ويحوِّل السلفة المالية لتأمين النفقات اللازمة على اساس ان الانتخابات سوف تجري في موعدها، أي في 16 حزيران من العام الماضي؟

كيف يمكن، اذن، تفسير تصريحات وزير الداخلية المتكررة – وهو المسؤول الاول عن الامن بأن وزارته جاهزة لإنجاز الاستحقاق الانتخابي في موعده؟

إلا ان المجلس الدستوري، بسبب انتماء اكثرية اعضائه الى مرجعيات سياسية معروفة، بقي غائباً عن السمع، لا حياة لمن تنادي، وبقيت عالقة شرعية مجلس النواب الممدَّدة ولايته، ومطعوناً بها من قبل العديد من اهل القانون ومن هيئات المجتمع المدني.

واليوم، بأية ذريعة يمكن لمجلس النواب ان يمدِّد ولايته مرة أخرى؟ وفي حال أقدم المجلس على ذلك، كيف ستواجه، هذه المرة، هيئات المجتمع المدني وكل الحريصين على نظامنا الديموقراطي القرار الجديد بالتمديد؟

[[[

أما الخيار الثاني، فهو اجراء الانتخابات النيابية من دون اعداد قانون جديد، أي بالقانون الحالي الذي قيل ان كل القوى السياسية متفقة على انه قانون سيئ.

هذا في حين ان هذا القانون بالذات خرج من رحم مداولات لقاء الدوحة العام 2008 بعد ان اخذ تقسيم بعض الدوائر الانتخابية حيزاً كبيراً من اهتمام كل هذه القوى السياسية التي توافقت على:

اعتماد القضاء طبقاً لقانون 1960 كدائرة انتخابية في لبنان، بعد ضم بعض الاقضية وتقسيم بيروت ثلاث دوائر واحالة البنود الاصلاحية الواردة في اقتراح لجنة فؤاد بطرس للمناقشة وفقاً للأصول.

وهكذا، فإن اكثر من مئة مقعد من اصل 128 كانت نتائجها محسومة بعد تقاسمها بين ممثلي القوى السياسية المجتمعة في الدوحة، بحيث اقتصرت الانتخابات التي جرت العام 2009، عملياً، على سبع دوائر فقط من اصل 28 دائرة انتخابية.

ان اجراء الانتخابات النيابية على اساس القانون رقم 25 الصادر في 8/10/2008 لا يقل سوءاً، من المنظار الديموقراطي، عن التمديد لمجلس النواب. وذلك ليس فقط لأن هذا القانون، باعتماده القضاء دائرة انتخابية، يخالف بالمطلق توجهات اتفاق الطائف، ويعزِّز التشرذم الطائفي والمذهبي.

بل أيضاً لأنه من الواضح ان لا نية لدى المشترع لتخفيض سن الاقتراع الى 18 سنة. والاَّ، كيف نفسر ان مشروع تعديل المادة 21 من الدستور ما يزال قابعاً في أدراج مجلس النواب منذ إحالته اليه العام 2009؟

كذلك، يبدو ان لبنان سوف يبقى من الدول النادرة في العالم التي تحرم عشرات الآلاف من العسكريين، او من هم في حكمهم، من حق الاقتراع بعد أن سقط العام 2009 اقتراح بالاعتراف لهم بهذا الحق، اذ لم ينل بالتصويت اكثر من 34 صوتاً.

أما اقتراع غير المقيمين في أماكن تواجدهم، فإن المدة التي تفصلنا عن الموعد المرتقب للانتخابات لم تعد كافية لاستيعاب المهل ولإنجاز التحضيرات اللازمة، وذلك حتى لو توفرت الارادة السياسية وهي غير متوفرة أصلاً. لذلك ينبغي توقع أن يتقرر تأجيل تطبيق الاحكام التي ترعى هذا الموضوع، مرة جديدة، والى اجل غير مسمَّى.

لكن الأهم هو ان يكون قانون الانتخاب عادلاً، يؤمن نزاهة العملية الانتخابية وصحة التمثيل، وهما شرطان لا يمكن توفرهما الا في ظل قانون يحول، فعلاً لا قولاً، دون تأثير المال على ارادة الناخب، ويساوي بين المرشحين في الظهور الإعلامي.

فإن لم يعالج القانون العتيد هذين الشرطين بتدابير جذرية، ليس أقلها إبطال نيابة المرشح المخالِف، فإن تجربة انتخابات العام 2009 سوف تتكرر. إن الهيئة الرسمية المشرفة على الانتخابات عبَّرت عن الخلل في تأثير المال على العملية الانتخابية بقولها:

«إن مبالغ ضخمة أنفقت وقد تخطَّت في مطلق الاحوال السقف الذي حدده القانون»، وان هذه المبالغ أنفقت خارج اطار القوانين ولا سيما قانون العقوبات، ما «شكَّل خللاً بالتوازن بين فئات المرشحين والجهات السياسية وفقاً لقدرتهم المالية وبالتالي لتأثيرهم في ارادة الناخبين».

أما الإعلام، فقد عبَّرت الهيئة الرسمية عن الخلل الذي أصابه بقولها:

«ان غالبية وسائل الاعلام استسلمت لانتماءاتها السياسية أو الطائفية، وتفلَّتت من مشاركة الهيئة في ضبط المسار الإعلامي خلال الانتخابات»، وإنها لم تلتزم سوى جزئياً بقرارات الهيئة وتعاميمها.

ويبقى، بالإضافة الى ضرورة إدخال «الكوتا» النسائية على قانون الانتخاب بعد أن تبين من التقارير الرسمية انها اصبحت معتمدة في نصف دول العالم، موضوع النسبية.

ان القانون الانتخابي العادل هو قانون يعتمد النسبية التي تسمح لكل القوى السياسية متى بلغت حجماً معيناً ان تتمثَّل في مجلس النواب بنسبة حجمها، فلا تُعطى الأكثرية حجماً أكبر من حجمها ولا تُحرم الأقلية، مهما بلغ حجمها، من المشاركة في القرار السياسي.

تلك هي الشروط الدنيا التي لا بد من توافرها في قانون انتخابي يطمح الى تأمين المساواة بين المرشحين ويسمح بالتداول السلمي للسلطة.

إن قانون الانتخاب هو حالياً موضع متابعة من قبل هيئات وشخصيات في إطار «طاولة حوار المجتمع المدني» لوضع خطة لمواجهة قانون انتخاب يفتقر الى الاصلاحات الاساسية. إن الخيارات كافة سوف تبقى مفتوحة في مثل هذه الحال، بما فيها حملة شاملة الى إسقاط اوراق بيضاء في صناديق الاقتراع تشكِّل بمجموعها أقوى قوة ناخبة، وذلك تعبيراً عن الغضب والاستنكار، وتمسكاً بالقيم الديموقراطية الأصلية.