IMLebanon

التواطؤ مع «داعش»

يدهش المرء منذ أن بدأت الثورات العربية برعاية المستعمرين الغربيين والرجعيين العرب، أمام المشاهد المروعة، الإستعراضية، التي تطالعه بها وسائل الإعلام وشبكة الإتصالات الإجتماعية بطريقة مطردة، عن الشنق والذبح والصلب والإعدامات رميا بالرصاص وبقر البطون وتقطيع الجثث. جرائم تجري أحيانا في الساحات العامة، في المدن والبلدات السورية والعراقية، في أجواء إحتفالية يتخللها التهريج والتصفيق والتهليل والتكبير ! الغريب في الأمر أن هذه الجرائم يتباهى بها فاعلوها ويتعامى عنها «المتحضرون» في الغرب و«المؤمنون» في الشرق! رغم انها بحسب المفاهيم المعاصرة، جرائم شنيعة ممجوجة ناتجة عن تصرفات فيها توحش وانحطاط أخلاقي. بل هي دلالة بكل بساطة على تراجع الأنسنة. أغرب الغرائب أن هذه الوحوش البشرية تصنع أشرطة مصورة عن الجرائم التي ترتكبها وتنشرها عبر جميع الوسائل المتاحة. كأنها تريد أن تسوق رسالة مفادها، نحن إسلاميون متوحشون مجرمون. هكذا هم المسلمون الأصيلون. من ليسوا كمثلنا، منافقون، نعمل على تطهير بلادنا منهم. والعجب العجاب أن هذه الظاهرة المتمثلة في الراهن بما يسمى «داعش» أو «الدولة الإسلامية»، تقدم خدماتها مباشرة أو غير مباشرة لا أدري، لتيارات سياسية في لبنان. فما تريده هذه التيارات السياسية ضمنيا، هو إلغاء وجود خصومها من المذاهب والطوائف الأخرى، وإسقاط حقهم بالمساواة. أو إجبارهم على الخيار بين الهجرة وبين أهل الذمة!

ويفاخر اعلام «الدولة الإسلامية» بأشرطة مصورة عن توحش القائمين على هذه الدولة، وإستحضار الأحداث الدامية التي جرت مؤخرا في بلدة عرسال البقاعية حيث حظيت جماعات داعش بتغطية سياسية ومذهبية واضحة جلية، رغم الجرائم التي ارتكبتها، تدل هذه الأحداث على وجود تعاون وتنسيق بين داعش من جهة وأطراف سياسية في لبنان من جهة ثانية.

من المعلوم أن «داعش» تلقت الدعم بشكل أو بآخر من جميع الذين يشاركون في الحرب الإستعمارية الجديدة على بلاد العرب، وعلى سوريا بوجه خاص. قالوا في البدء عن هذه الحرب أنها ثورة من أجل الحرية والديمقراطية والإصلاح. فصدّق السذج. ولكن ما لبث الإسلاميون «الوهابيون» أن تصدروا المشهد. سلّحتهم دول الغرب الإستعمارية التي تبحث عن مخارج لها من أزمة إقتصادية وإجتماعية خانقة، وموّلهم أمراء الخليج الذين يرتعدون خوفا من طمع المستعمرين بنفطهم وبالأصول التي يمتلكونها في أسواق المال العالمية. إنها سيرورة تدوير الدولار النفطي أي إعادته إلى المستعمرين الغربيين ! وهل بعد ما جرى في عرسال شك في أن لجماعات «داعش» و«النصرة» جهات سياسية لبنانية تدعمها وتقدم لها التغطية والرعاية، الرسمية والشعبية والمذهبية؟ على حساب الوطن والدولة ومؤسساتها؟ من البديهي أن أمورا كثيرة ما تزال طي الكتمان في هذه المسألة. اللافت للنظر في هذا السياق، هو ظهور بعض الأشخاص المتهمين بقضايا أمنية، في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة، بالتلازم مع توتر الأوضاع في بلدة عرسال. ما أود قوله بعد هذا كله هو أن التواطؤ مع جماعات «داعش» و«النصرة» في لبنان ليس مرده بالقطع إلى مسألة منازعة سياسية محلية، وإنما هو في أغلب الظن جزء من الحرب الإستعمارية الجديدة على المنطقة. مجمل القول أن الأفرقاء اللبنانيين جميعهم دون استثناء، منغمسون في هذه الحرب سياسيا وعسكريا. بعضهم يقاتل في صف «داعش» و«النصرة» ومن هم على شاكلتهما، وبعضهم الآخر يقاتل ضد الأخيرتين. عندما يعبر السيناتور الأميركي ماكين الحدود التركية ويعقد إجتماعا مع زعماء المتمردين في مدينة إدلب السورية، لا يتم إختيار الحضور بالقرعة. من البديهي انه تقرر استدعاء أشخاص بعينهم من المحتمل أن السيناتور الأميركي جاء يبلغهم رسالة بحكم وجود شراكة في سوريا بينه وبينهم. من المعروف الآن أن ممثل «داعش» الذي صار فيما بعد خليفة دعي إلى لقاء السيد الأميركي ماكين. رغم أن هذا الأخير كان على الأرجح يعلم أن الرجل، ممثل داعش، عضو في تنظيم القاعدة، وأن الأميركيين إعتقلوه في أفغانستان أو في العراق وأودعوه السجن. تجدر الملاحظة إلى أن السيناتور الأميركي ماكين كان قد زار لبنان قبل ثلاثة أشهر من تسلله إلى سوريا. حيث اجتمع بأقطاب تيار المستقبل. لا منأى عن القول في سياق هذه المقاربة أن حالة الإحباط التي تأتت عن هزيمة حزيران 1967 وتلاشي حركة التحرر الوطني الفلسطيني في السبعينيات، مهدت لظهور الإسلاميين. بالمعنى الحزبي وأكاد أن اقول المعنى القبلي العصبي للكلمة. لسنا هنا في معرض الحديث عن الدين. المسلمون ليسوا بالضرورة إسلاميين.بالعودة إلى التاريخ المعاصر، يمكن الإستنتاج بأن الإسلاميين لا يخيفون المستعمرين. ربما يكون مرد ذلك إلى إرتيابهم ونفورهم من الوطنيين. فهم بطبيعتهم غير قادرين على المساهمة في شراكة، لانهم على يقين من أن النهج الذي يسلكونه هو النهج الصحيح. هذا خطأ. وبالتالي فإن أقصى ما يمكنهم فعله هو التصدي لمقاومة العدو، أي تطوير القدرة على احتمال ضرباته، دون التوصل إلى دحره وإلغاء خطورته. هنا تكمن نقاط ضعفهم. عزلتهم النسبية عن الحركات الوطنية تحرمهم من إعانة الآخرين لهم. وإكتفاؤهم أو بالأحرى إعتدادهم بصواب مواقفهم يفقرهم فكريا وسياسيا فلا يتبصّرون في الأمور. هذا يجعلهم عرضة للسقوط في فخاخ المستعمرين ! ها هم يروّعون الناس ويهدمون البلدان.. لماذا ؟ جلبوا المصائب على الأفغان والعراقيين والسوريين.. والآن غص بهم لبنان!