IMLebanon

التوافق ليس سبّة

حوّلت الممارسة السياسية الداخلية مبدأ التوافق السياسي سبّة وعاراً، وربما عن حق. لكن احداً من أصحاب هذه النظرة لم يبحث لماذا ألصق بالتوافق هذه الدونية المعنوية.
الواقع، ان السياسيين اللبنانيين حين يتوافقون على رئيس، فانهم يختارون مَن يعتقد كل منهم، انه يمون عليه اكثر من الآخر، ما يؤدي الى وصول رئيس مكبّل بهذا التوازن السلبي، الذي يصير المرجع لبت أي أمر، وليس الدستور والقوانين.
لكن مفهوم الرئيس التوافقي، في الديموقراطيات الحقيقية، يعني الرئيس الذي تُسلم له القوى المتنافرة بحكمته و حسمه اللذين لا يخضعان لضغوط وابتزاز، لسبب مبدئي هو انه يحتكم الى الدستور والدستور وحده، فلا ترعبه قمصان سود، ولا تلويح بتعطيل الحياة العامة، ولا اشارة الى افتعال حرب، جنوباً، وتورط في حرب داخلية شرقاً، ولا استنباط مجد لورقة سميت وثيقة تفاهم، وفوضت ميليشيا مسلحة بتطبيق ذمية جديدة ايرانية، بديلة من أخرى بادت.
بهذا المعنى يكون الرئيس التوافقي رئيساً قوياً. اذ يستمد عناصر قوته من التسليم بأن الدولة هي مظلة كل اللبنانيين ومآلهم، ولا يكون ذلك من دون مؤسسات حديثة فاعلة، وادارة مستقبلية متبصّرة، وقضاء نزيه عادل، وقوى واجهزة امنية وعسكرية طائفتها الدولة، ولا تستزلم لغيرها، ولا يقودها سوى تطبيق القانون. والحال هذه يكون مرشح 14 آذار سمير جعجع توافقيا، لأنه وضع اوراقه على الطاولة من قبل ان يكون للنواب جلسة، وفيها يحدد عناصر قوة الدولة، ويكرس التزامه بها. ولا يمنع ذلك ان يحمل غيره مسؤولية العمل بها، إن مَلك جرأة تبنيها علنا، وله ماض في العمل لها، ولو كان من الضفة الأخرى.
لكن تجربة الجلسة النيابية الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد كشفت ان قوى 8 آذار حين تتحدث عن الرئيس القوي تعني الشخص الذي يستهتر بالاستحقاقات، ويجبن عن الترشح، ويثير، بصبيانية لافتة، غبار الماضي المبهم، ويعتقد ان اللبنانيين غافلون عن ماضيه، وماضي حلفائه، وحاضرهم جميعاً.
ذلك غير بعيد عن نزوات المراهقين، سوى في أنه مراهقة سياسية، من نوع بروباغندا”مدافن حالات”، و”عمرها ما تكون حكومة بلا الصهر”، انتهاء بتبرير افقاد النصاب بعدم وجود مرشح توافقي، وما الى ذلك من وهم الفذلكة السياسية، كأنه يستدرج تدخلاً اقليمياً ودولياً يزكي شخصية “توافقية” يتوهم أنه يتلبسها غب الطلب، بدل ان يخضع للاقتراع الديموقراطي. إسقاط النصاب سيتكرر في الجلسة الثانية، وزعم “توفيقية” عون سيبقى بلا توفيق وبلا شفاء، في مشهد يراوح بين تحذلق المهرج، كما قال كيسنجر عن السادات، وبين دهاء الغبي، واسفاف المتذاكي. من ذلك وعدهم البطريرك الراعي بحضور الجلسة من دون أن يعدوه بألا ينسحبوا منها.