أدخَل التعديل المقترح على التوقيت الصيفي المعتمد منذ العام 98 لغة جديدة قادت الى نقاش عقيم ومقيت تجاوز ما هو مقبول بمعايير كثيرة، خصوصا انّ القرار مَسّ في توقيته وشكله ومضمونه بالتزامات لبنان بالانظمة العالمية التي تتحكم بالقطاعات الحيوية المعولمة السياحية والمصرفية والنقل والاتصالات وكل ما يتعلق بالنظام الالكتروني العالمي الذي جعل العالم «قرية كونية». وعليه، ما الذي يمكن ان يؤدي الى الفرز بين خاسر ورابح مما حصل؟
بمعزل عن النتائج التي انتهت اليها جلسة حكومة تصريف الاعمال بعد تراجع رئيسها نجيب ميقاتي بالتكافل والتضامن مع وزرائه عن مضمون مذكرة الامانة العامة لمجلس الوزراء ولو أعطاها مفعولاً يمتد الى 48 ساعة إضافية لأسباب وصفت بأنها تقنية، فإنّ ما قادت إليه دفعت مراجع سياسية وروحية متعددة الى إجراء قراءة عميقة لِما رافقها من تشنّج بقي محدوداً على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقف التي لا تلزم سوى اصحابها وحاجتهم الى مثل هذا الخطاب المقيت لتثبيت وجودهم على ساحات مختلفة وفي مواقع يجري التشكيك في دستوريتها او عجزها عن القيام بمهماتها.
وعليه، تعترف المراجع انه كانت هناك معالجات أخرى للمذكرة تحول دون ما أدت إليه بعض المواقف، وقد كان الأجدر برئيس الحكومة ان يستوعب الموقف منذ اللحظات الاولى والتصويب على التعقيدات التقنية والمادية والتكنولوجية التي تعوق تنفيذ قراره في ظل ما بلغته العولمة في القطاعات الحيوية على مختلف المستويات بعيدا من اعطائها الطابع الطائفي او المذهبي. والتي زادت منها ردات الفعل المتسرعة التي قادها ميقاتي بإلغاء جلسة مجلس الوزراء والتهديد بالاعتكاف قبل ان يسكب عليها رؤساء الحكومات السابقين في الساعات الماضية الطابع الدستوري والقانوني كمخرج للمأزق الذي وصلت اليه الامور، بعيداً عن اي مؤشرات ومعطيات سلبية أخرى نَضحت بها الأجواء الشعبية في الساعات القليلة نتيجة البلبلة الواسعة التي قاد إليها القرار من أساسه بالنظر الى الظروف التي ولد فيها وعدم احترام القوانين المرعية الاجراء، وأقلّها تجاوز دور مجلس الوزراء في تعديل قرار صادر عنه واستبدال ما جرى في الأمس بمذكرة صدرت عن الأمين العام لمجلس الوزراء وهو ما كان موضوع انتقاد الأقربين قبل الابعدين من المراجع المعنية.
وباعتراف مراجع قانونية وقضائية ودستورية فقد اتخذ الاجراء الحكومي مسالك غير طبيعية جعلت منه غير مبرر قانونيا او دستوريا عدا عن المشكلات التي تسبب بها على اكثر من مستوى، الى درجة اعتُبر بعضها تسهيل لأدوار الساعين الى مثل ردات الفعل التي اكتسبت اطارها المذهبي والطائفي. وذلك من اجل حظوة عابرة ومؤقتة لا مردود لها بين عموم اللبنانيين الذين تجاوزوا هذه الأجواء من الانقسامات منذ فترة طويلة وارتضوا العيش معاً، الى درجة، وإن أرادها بعض السياسيين، فلم يجدوا مَن يساندهم في عموم الرأي العام اللبناني. فأكثرية اللبنانيين عاشت ساعات من القلق ليس نتيجة عناصر وأسباب مذهبية وطائفية تُطاول أياً من فرائض الشهر الكريم التي لم تتأثر يوماً بالساعة بمقدار ما كانت رهناً بلحظات الشروق والغروب للصيام والافطار كما لفت اكثر من مرجع اسلامي.
وان تجاوز مجلس الوزراء في جلسته أمس في حضور 16 وزيرا من أصل 24 مطبات عدة، فإنّ ما جرى ألقى الضوء على بعض التعقيدات المحتملة لمجرد انه طلب 48 ساعة لإعادة تصويب الخطوات التقنية والتكنولوجية التي اتخذتها بعض المؤسسات القليلة من أجل تأكيدها التزام مضمون المذكرة التي تم التراجع عنها بُغية كسر حدة الأضرار التي تسبب بها القرار في كثير من المؤسسات الرسمية والخاصة ومن القطاعات المختلفة التي فضّلت الخروج على مقتضيات المذكرة حفاظاً على علاقاتها المستدامة مع نظرائها في العالم سواء كانت اقتصادية أو مالية وإدارية.
على هذه الخلفيات تلاقت مراجع سياسية وروحية مسيحية وغير مسيحية على الترحيب بالقرار الذي اتُخذ امس، ودعت مجدداً الى قراءة النتائج المترتبة عليه بوجوهها التقنية والادارية لا الطائفية ولا المذهبية لِطي هذه الخطوة الخاطئة وكأنّها لم تكن. وسألت: هل اعتبر احدهم رفض القرار الذي اتخذ قبل 48 ساعة على محطة دولية ينتقل فيها التوقيت لدواع عالمية في عشرات البلدان دفعة واحدة يستحيل من خلالها تصويب ما يمكن تصويبه من إجراءات تمّت برمجتها منذ أشهر عدة ولا يمكن التلاعب بها بين يوم وآخر. وإن اتخذ مثل هذا القرار يمكن ان يمتد إمراره لأيام عدة بالنسبة الى بعض المؤسسات المُعَولمة وهي متعددة وتتوزّع على قطاعات حيوية مختلفة، خصوصاً انها ستعود الى اعادة البرمجة إيّاها في غضون أسبوعين مرة أخرى، وهو ما قد يؤدي الى فقدان كثير من المعلومات التي يمكن ان تضيع في الفترة الفاصلة بين تصحيح احدى الخطوات والعودة عنها في غضون أيام قليلة.
وقالت هذه المصادر، وإن تمّ الربط عند اتخاذ القرار بتمديد التوقيت الشتوي بدوام صيام رمضان، فلم يتخذ اي موقف رافض الأسباب والدوافع عينها. ولذلك من الظلم قياسها على انها كانت خطوة تستهدف الصائمين في أي مكان كانوا في لبنان والعالم، خصوصاً ان جميع اللبنانيين من مسيحيين ومسلمين يتأثرون بالإجراءات التي يتم اللجوء إليها في الشهر الفضيل من دون ان يثير ذلك اي حساسية مذهبية او طائفية.
ولو بقيت المناقشات محصورة بالاجراء على ما يجب ان تكون عليه لَبقيت ضمن أطرها وتردداتها التقنية والعلمية قبل الطائفية وربما السياسية. فاللبنانيون لم ينقادوا الى اي خطوة تشكل تحديا لأحد من المكونات اللبنانية وإن ظهرت بعض المواقف الداعية الى مقاطعة بعض المؤسسات، وخصوصا الاعلامية منها، فقد تبخرت في ساعتها ولم تلق آذاناً صاغية، لأنّ مختلف وسائل الاعلام جنّدت قدراتها وبرامجها وكادراتها الاعلامية على تنوعها لمواكبة الشهر الفضيل بكل الموجبات التي يفرضها التعاطي مع فترات الصوم والإفطار، الأمر الذي لا يطبق في اي مناسبة او شهر آخر.
وبعيداً من حال البلبلة التي سادت لأيام عدة فإنّ السعي الى احصاء الخاسرين والرابحين لا يبدو صعبا جدا، خصوصا ان احتسبت على المستوى السياسي او اي مستوى آخر. وإن كانت الحكومة ورئيسها في مقدّم الخاسرين على قاعدة انه كان عليه من موقعه ان يؤنّب المخالفين ويعاقبهم او يتحمّل مسؤوليات قراره بالعودة عنه كما فعل في الأمس بالتكافل والتضامن مع وزرائه. ولكن وبمعزل عن هذه النتيجة التي يمكن التشكيك بها، يتوافق الجميع على اعتبار انّ أكبر الخاسرين كانوا من اللبنانيين مسيحيين ومسلمين عاشوا لحظات من البلبلة زادت من وجعهم نتيجة جوعهم وحاجتهم إلى لقمة العيش الكريمة في مختلف مناطقهم ومذاهبهم، خصوصاً انّ أكثريتهم «الصامتة» رفضت الانقياد الى ما رافق بعض ردات الفعل الممجوجة والمرفوضة.