“14 آذار” في مواجهة “المبادرات الفردية” لحماية القرى
“التيار” و”القوات”.. و”تسلّح” المسيحيين
مع تفاقم خطر الإرهاب التكفيري وتمدّده في اتجاه لبنان، تصاعد الكلام حول ميل متزايد لدى اللبنانيين للتسلح، خصوصاً في المناطق التي قد تكون الأكثر عرضة للاستهداف من قبل “داعش” و”النصرة”، كما هي الحال في البقاع الشمالي.
وإذا كان هناك الكثير من الأخذ والرد حول “ظاهرة التسلح” وما إذا كانت مبررة أم لا، فإن هذا النقاش يصبح أشد احتداماً على الساحة المسيحية، لاعتبارات تتصل أولاً بالاصطفافات الحادة داخل هذه الساحة، وتتعلّق ثانياً بالحساسية المفرطة في الشارع المسيحي حيال فكرة الأمن الذاتي.
ولأن الصراع السياسي بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” هو عميق وحادّ، فإن مقولة التسلح تحوّلت سريعاً الى مادة سجالية، انعكست في الاتهام الصريح الذي وجّهته “القوات” الى “التيار” بتشجيع المسيحيين عموماً، وأنصاره خصوصاً، على حمل السلاح بحجة مواجهة خطر “داعش”، وهو اتهام تبنته رسمياً الأمانة العامة لقوى “14 آذار” وأدرجته مؤخراً في أحد بياناتها الاسبوعية.
ولئن كان “التيار” يتفهم القلق الذي يشعر به المسيحيون إزاء التهديد الوجودي المترتب على تنامي الاتجاهات التكفيرية، ويحاول محاكاته على طريقته، إلا أن مصادر الرابية تؤكد أن العماد ميشال عون لا يزال يحاذر الدعوة الى التسلح، وتنقل عنه قوله صراحة لبعض المقربين منه انه ضد هذا الموضوع، “أما من لديه أصلاً بندقية في منزله ويستعين بها الآن لحماية عائلته، فشأنه مختلف”.
ويبدو واضحاً حتى الآن أن لجوء العديد من سكان البلدات المسيحية في البقاع الشمالي (القاع، رأس بعلبك، جديدة الفاكهة..) إلى حمل السلاح والانتشار ليلاً في نقاط حراسة، إنما يندرج بالدرجة الأولى في إطار “المبادرة الفردية” والنزعة الفطرية للدفاع عن النفس.
ومع ذلك، فإن “حزب الله” الذي لم ينخرط في اي عملية تسليح خارج إطار “سرايا المقاومة”، طمأن القلقين إلى أنه لن يسمح بالاعتداء لا على القاع ولا على راس بعلبك ولا على جديدة الفاكهة، سواء تسلح أهاليها أم لم يتسلّحوا، الأمر الذي أراح أبناء تلك البلدات الواقعة على مقربة من خط النار الحدودي.
ويروي أحد الفعاليات المسيحية في البقاع الشمالي نقلاً عن السكان المسيحيين في تلك المنطقة، أنه لو عُرض عليهم أن تتولى قوات الحلف الاطلسي (الناتو) حمايتهم، لرفضوا وأصروا على بقاء “حزب الله”، “لأنهم يجدون فيه ضمانة حقيقية ويثقون في أدائه وفي قدرته على التصدي لأي تمدّد تكفيري، كما أظهرت الوقائع الميدانية، ومن يهمه أن يعرف المزيد، ما عليه سوى أن يسأل مسيحيي بلدة ربلة السورية عن تجربتهم مع الحزب”، وفق الراوي.
أكثر من ذلك، يؤكد العارفون أن هناك مسيحيين في شرق بعلبك وغربها، يتعارضون في خيارهم السياسي مع سياسات “حزب الله”، أبلغوا من يهمه الأمر أنهم لن يترددوا في حمل السلاح الى جانبه، دفاعاً عن الوجود إذا وجدوا ضرورة لذلك، “لأن المطلوب أن نبقى، حتى يكون بمقدورنا أن نستخدم حق الاختلاف”.
وهناك من يقول إن مزاج بعض الاوساط الشعبية في “14 آذار” بات يتعارض مع الموقف العدائي لقيادة هذا الفريق من تدخل “حزب الله” في سوريا، لأنه موقف يخلو من الواقعية، ولا يندرج تحت سقف “أزمة الوجود” التي كان يفترض بخطاب “14 آذار” أن يستوحي مفرداته منها، بدل الإصرار على استعمال قاموسه التقليدي الذي لا يلائم تحديات هذه المرحلة المصيرية.
ويعتبر نائب مسيحي بارز في “8 آذار” أن الخطاب السياسي لقيادة “14 آذار” ينطوي على نوع من المكابرة التي تشكل في جوهرها جلداً للذات، ليس إلا، لأنها تتجاهل الحقائق وتقفز فوقها، فقط من باب العناد والنكاية بالفريق الآخر، “علماً أن بعض شخصيات هذا الفريق تهمس سراً بأن خطر داعش قائم بحد ذاته، ولا يحتاج إلى ذريعة، وتتساءل عما هي علاقة حزب الله بالموصل حتى يُهجَّر المسيحيون منها، لكن هذه الشخصيات لا تملك جرأة البوح علناً برأيها”، تبعاً للنائب ذاته.
ويشير النائب نفسه إلى أن احتفالاً سيُقام في بعلبك في 12 ايلول الحالي لإزاحة الستار عن تمثال للسيدة العذراء في المدينة، بينما يقتلع التكفيريون هذا التمثال وكل ما له صلة بالدين المسيحي من الأماكن التي يسيطرون عليها في سوريا والعراق، فبماذا يعلّق من يشبّه “حزب الله” بـ”داعش”؟