لم يحُل الإنشغال المسيحي بإحياء مناسبة يوم الجمعة العظيمة، وإقامة القداديس ورفعُ الصلوات، دون اهتمامهم بالاستحقاق الرئاسي الذي تكثّفت المشاورات في شأنه، وفُتِحت الاتصالات على كلّ الخطوط تحضيراً للجلسة وتجهيز السيناريوهات، على رغم استبعاد الجميع تصاعد الدخان الأبيض وانتخاب رئيس جديد في الدورة الإنتخابية الأولى.
تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعداً لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية في 23 الجاري فتحَ باب الاتصالات واسعاً أمام مكوّنات 14 آذار الحزبية والمستقلة من منطلق أنّ قوّتها تتجسّد في قوّة مرشّحها أو مرشّحيها، لأنّ أيّ تصفية حسابات داخلية في الجلسة الأولى ستؤسّس لتصفيات متبادلة في الجلسات اللاحقة، ما يفتح الطريق أمام وصول مرشّح من 8 آذار.
فالسياسة لن تستريح في عطلة عيد الفصح، على رغم أنّ كل القوى السياسية شبه متيقّنة من أنّ جلسة 23 ستشهد نصاباً لا انتخاباً، إلّا أنّ الجميع يتعامل معها باعتبارها جلسة اختبار تؤسس للجلسات اللاحقة. فقوى 8 آذار تريد أن تمتحن وحدة 14 آذار حيال ترشيح رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع لتبني على الشيء مقتضاه، فضلاً عن كيفية إدارة هذه القوى للمعركة بعد هذا التاريخ، بمعنى هل ستتمسك بترشيح جعجع أم ستنقل دعمها إلى مرشّح آخر؟ وهل سيكون هذا المرشّح من داخل 14 آذار أو خارجها؟ وماذا عن ردّ فعل رئيس القوات؟ وماذا عن تصويت الكتائب» والمستقلين و»المستقبل» وتحديداً نواب طرابلس، في ظلّ الحديث عن أنّ بعضاً منهم لن يصوّت لجعجع؟
وعلى جبهة 14 آذار الاتصالات مفتوحة على مصراعيها، واللقاءات وراء الكواليس تجري على قدم وساق من أجل إنضاج التفاهم الذي يحفظ وحدة الحركة الاستقلالية ويؤمّن فوز أحد مرشّحيها أو يجعلها المقرّرة والناخب الأوّل في اختيار الرئيس المقبل. ولا تهاون ولا تساهل مع أيّ محاولة لتسجيل النقاط الداخلية في هذه اللحظة المفصلية، لأنّ أيّ دعسة ناقصة من قبل أيّ فريق ستدفع 14 آذار مجتمعة ثمنَها، والكلام الذي قيل في الغرف المقفلة كان واضحاً: يخطئ من يعتبر أنّ حظوظه يمكن أن تكون مؤمّنة إن لم يساهم في حفظِ وحدة صفّ 14 آذار والتصويت كتلة واحدة في 23 الجاري، لأنّ أيّ محاولة لاستهداف ترشيح معيّن من أجل تعويم آخر سترتدّ عليه، لأنّ لكلّ فريق كتلته النيابية وقدرته على قطع الطريق أمام كلّ من سيحاول تظهير أنّ هذا الترشيح لا يمرّ تمهيداً لترشيح آخر. وفي موقف قاطع قيل: 14 آذار إمّا تكون موحّدة في 23 أو لا تكون.
وفي المعلومات أنّ الاتصالات بين مكوّنات هذه القوى قطعت شوطاً واسعاً، وأنّ العقبات التي كانت قائمة تمّ تذليلها، والعمل يتركّز على توسيع دائرة الاتصالات واللقاءات. وأكّدت أنّها لا تعير أهمّية لمناورات 8 آذار، إنْ بترشيح شخصية معيّنة كورقة استخدامية، أو بالإبقاء على ورقة مرشّحها الأساسي طيّ الكتمان، لأنّ الأهمية بالنسبة إليها تكمن في وحدة صفوفها التي وحدها تؤهّلها خوضَ مفاوضات جدّية مع الفريق الآخر، وحتى جذب الكتلة الوسطية إليها.
برّي
ونشطَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي في اتصالاته في اتجاهات عدة من أجل ضمان نجاح جلسة الإنتخاب، وهو يؤكّد أمام زوّاره أنّه حريص على إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، لما في ذلك من فائدة ومصلحة للبلاد، وأنّه حريص ايضاً على منع تكرار التجربة السابقة عام 2008 عندما اضطرّ إلى دعوة المجلس عشرين مرّة لانتخاب الرئيس. لكنّ هذه الجلسات لم تُعقد الى أن حصل الاتفاق في الدوحة على انتخاب الرئيس ميشال سليمان، فانعقدت جلسة الانتخاب بُعيدَ عودة جميع القيادات من العاصمة القطرية.
«8 آذار»
في غضون ذلك، كشفت المعلومات المتداولة أنّ قوى 8 آذار تحضّر سيلاً من المفاجآت يوم الأربعاء المقبل، فهي كما قالت مصادرُها، قد حسمَت خيارها نهائياً بعدم ترشيح رئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير»النائب ميشال عون، بناءً على رغبته في أن يكون مرشّح تسوية أو توافق بين الأطراف كافّة، علماً أنّ مختلف أطياف فريق 14 آذار لن تصوّت له، كذلك نوّاب «جبهة النضال الوطني»، إضافةً إلى النواب: مروان حمادة، أنطوان سعد وفؤاد السعد وهنري حلو.
«جبهة النضال»
وعُلم أيضاً أنّ رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط صرف النظر نهائياً عن ترشيح حلو أو السعد بعدما رفضا الخطوة، وقد تأكّد ذلك في الإجتماع الذي عقدته الجبهة عصر أمس في كليمنصو برئاسة جنبلاط وناقشَت خلاله السيناريوهات المتوقّعة ليوم الأربعاء المقبل.
وكان جنبلاط أوضح في حديث صحافي أنّه لن يعلن عن خياراته الرئاسية الآن. وقال: «سأبحث مع كلّ الناس كيفية إتمام الاستحقاق، سيكون لنا في المجلس النيابي خيار انتخاب مَن هو الافضل في المرحلة الحالية، وكذلك لنا خيار الامتناع، وسنرى».
وأضاف: «أختار في الدقيقة الاخيرة بعد التشاور مع ضميري ومع شركائي، أتشاور اوّلاً مع الرئيس نبيه برّي وأيضاً مع تيار المستقبل وجهات أخرى»، وفضّل أن يكون هناك مرشّحون علنيّون وبرامج، خصوصًا اجتماعية – اقتصادية، سواءٌ أكان هناك ترشيح أو لا، وقال: «لا يمكنني أن أصوّت لشبَح».
عودة الحريري؟
وبعد المعلومات التي تحدّثت عن عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان للمشاركة في جلسة إنتخاب الرئيس المحدّدة في 23 نيسان الحالي، قالت مصادر بارزة في تيار «المستقبل» لـ»الجمهورية»: «إنّ احتمال عودة الحريري الى بيروت مطروح، وهو اعلن في اكثر من مناسبة انّ وجوده بيننا سيكون قريباً، ولكنّ بعض ظروف هذه العودة لم تنضج بعد، فجزء منها يتعلق بالوضع الامني، حيث إنّ الضمانات الامنية لعودته ليست متوافرة بعد، وجزء آخر يتعلّق بالأفق السياسي أي هل هناك إمكانية لانتخاب رئيس جمهورية جديد أم لا؟ فكلّ هذه الامور مرتبطة بعودته.
أندراوس
وعن عودة الحريري الى بيروت، قال نائب رئيس تيار «المستقبل» انطوان اندراوس لـ»الجمهورية»: «نتمنّى جميعاً أن يعود الرئيس الحريري الى لبنان، لكن يدرك الجميع انّه لو كانت لديه النيّة بالعودة فأمرُ عودته سيفاجئنا كما يفاجئ الجميع، فلا أحد يستطيع معرفة متى يعود، حتى آخر لحظة، والظروف الأمنية لا تسمح بمعرفة موعد عودته. فلا أحد يعرف، كلّها تكهّنات، والتكتّم الشديد في موعد عودته يصبّ في مصلحته، في ظلّ المخاطر الأمنية.
ولدى سؤاله عمّا إذا كان لا يعتبر أن الوضع الامني هدأ والمخاوف قد انتفَت؟ أجاب أندراوس: «عندما نسمع ما يقوله النائب محمد رعد وتهديداته ونرى رفع الأصابع مجدّداً، فما معنى ذلك؟ أضاف: «في النتيجة، جعجع حليف 14 آذار وحليف سعد الحريري وحليفنا جميعاً، فليحترم ترشيحات الناس وليحترم الديموقراطية. لا يستطيع اللبناني أن يعيش في التوافق كلّ الأوقات. ألم يعد قادراً على اتّخاذ قرار إلّا إذا توافقنا جميعاً عليه؟ هذا يعني موت لبنان. لبنان الذي نعرفه، «حزب الله» يواصل قتله».
وأضاف: «جعجع الشخص الوحيد الذي اعتذرَ للشعب اللبناني في الحرب، وجميعهم خاضوا الحروب، ولم يدخل أحد الى السجن سواه، بل هم جلسوا في غرفهم الذهبية، ويريدون محاسبته حتى آخر لحظة، فليسمحوا لنا، هذا الرجل يمثّل قسماً كبيراً من المسيحيّين وربّما الاكثرية المسيحية، فليحترموا الرأي المسيحي».
ومتى ستحسم 14 آذار خيارَها من الاستحقاق والاتّفاق على مرشّح واحد؟ أجاب: «لا يزال هناك مُتّسع من الوقت لتتبلوَر الأمور، لكن بعد تهديد النائب رعد اليوم أشكّك في ان تنعقد الجلسة الاربعاء، يبدو جليّاً أنّهم يريدون تطيير النصاب».
نادر الحريري إلى الرياض
في غضون ذلك، تنشط الإتصالات لحسمِ الموقف من ضمن صفوف 14 آذار، وقد توجّه نادر الحريري الى الرياض في الساعات الماضية لوضع الرئيس الحريري في حصيلة المشاورات التي أجراها والرئيس فؤاد السنيورة مع جنبلاط وقيادات 14 آذار، وإطلاعه على حصيلة المشاورات الديبلوماسية التي شارك فيها والسنيورة الذي زار الأردن على مدى يومين وعاد منها الى بيروت مساءً بعد لقاءات عدّة أبرزها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
كذلك ستناقش هذه اللقاءات الموقف النهائي لتيار «المستقبل» من حركة المرشّحين والتي لم ترسُ بعد على أيّ منهم بشكل نهائي.
… وهيل
وكشفت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ السفير الأميركي في بيروت دايفيد هيل اجرى سلسلة من مشاورات علنية وغير علنية مستطلعاً الأجواء التي رافقت تحديد موعد الجلسة الأولى للإنتخابات، وأنّه يستعدّ لزيارة الرياض مطلع الأسبوع المقبل. وقالت المصادر إنّ هيل الذي واصل لقاءاته السياسية، أظهرَ أنّه كان مستمعاً مستطلعاً الأجواء وفقَ كمٍّ هائلٍ من الأسئلة عن كلّ الخيارات المفتوحة والسيناريوهات الرئاسية الإنتخابية، من دون ان يفصح عن أيّ موقف يُلزم بلادَه بتأييد هذا المرشح أو ذاك، وحتى لا يمكن ان يفسّر كلامه على هذا المستوى من خلال اختياره للعبارات الدقيقة والغامضة وتأكيد حرصه على مواكبة التطوّرات لحظة بلحظة من دون أن يكون لبلاده ايّ قرار في هذا الإستحقاق الى اليوم.
الجميّل لن يعلن ترشيحه
كتائبياً، قالت مصادر كتائبية لـ«الجمهورية» إنّ رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل لن يعلن ترشيحه بالمفهوم التقليدي للخطوة.
وتمّ التوصّل الى هذا القرار في اجتماع اللجنة الفرعية التي شكّلها المكتب السياسي في اجتماعها المطوّل ليل الخميس – الجمعة في بكفيا، وهي سترفعه مع حصيلة مشاوراتها الى المكتب السياسي للحزب الذي سيجتمع عصر الإثنين المقبل في موعده الأسبوعي لبتِّها وتحديد الموقف النهائي من مجريات جلسة الأربعاء.
وكشفت المصادر نفسها انّ مكتب الجميّل تلقّى اتصالاً هاتفياً من النائب ستريدا جعجع طلبت فيه موعداً من القيادة الكتائبية لتسليمها البرنامج الإنتخابي لرئيس حزب القوات سمير جعجع، في إطار جولة وفد القيادة القواتية على رؤساء الكتل النيابية والمراجع الدينية. ورحّب الجميّل بالوفد الذي سيزور بكفيا في الساعات المقبلة.
واستغربت المصادر كلّ ما تناولته بعض وسائل الإعلام عن مبادرات أو مشاريع تفاهمات قواتية ـ كتائبية بشأن الإستحقاق الرئاسي، واعتبرت انّ في هذه المعلومات ما يوحي بأنّ هناك خلافاً في هذا الموضوع، فيما هو ملفّ مفتوح ومطروح للمناقشات على كلّ قوى 14 آذار، والقوات والكتائب إحدى هذه القوى ومن أطرافها الأساسية، وما عليهما سوى التزام ما يتمّ الإجماع عليه.
قزّي
إلى ذلك، اعتبر وزير العمل سجعان قزي الرئيسَ الجميّل قادراً على تمثيل 14 آذار والبقية في لبنان»، وأكّد أنّ «معيار مرشّح 14 آذار يجب ان يتمثّل بقدرته على الحصول على أصوات خارج فريق 14 آذار»، وقال إنّ جعجع «هو أحد المرشحين الاساسيين، ولكنّ الاستفراد والتفرّد مرفوضان».
وفي هذا السياق علمت «الجمهورية» أنّ الكتائب فوّضت الوزير السابق سليم الصائغ إدارة ملفّ الانتخابات الرئاسية.
«حزب الله»
وأعربَ «حزب الله» عن أمله في «أن يُجرى الإستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري، لكنّه اعتبر «أنّ بعض الترشيحات ممّن ليس أهلاً لها قد يعوق إجراءه»، معتبراً أنّ البلاد «لا تتحمّل مشكلة وتصادماً بين خيارين وطنيين، والوقت لا يتّسع لتسوية سياسية كبيرة حول هذين الخيارين، لأنه لا يمكن الإتفاق على رئيس ما لم يحصل التوافق على تسوية».
وطالبَ رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد بمرشّح يحفظ «خيار المقاومة ويدافع عنه ويحرص على وحدة اللبنانيين وما يتوافقون عليه لتسيير أمورهم الداخلية». ونصحَ رعد «بأن يتعقّل المعنيون بهذا الإستحقاق، فلا يعملوا على مغامرات غير محسوبة، والمطلوب هو أن نعبر ببلدنا إلى شاطئ حفظ سيادته في مرحلة تعصف بالسيادات الكيانية في منطقتنا».
من جهته، قال عضو الكتلة النائب نوّاف الموسوي: «إنّنا نسعى الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، قادرٍ على الدفاع عن كلّ لبنان بصيغته التعدّدية، رئيس يجسّد وحدة البلاد، لا رئيس يأتي بالتحدّي، رئيس يقف الى جانب المقاومة لمقاومة إسرائيل لا رئيس يستقوي بمقولة لبنان قوي بشعبه».
برّي و«السلسلة»
على صعيد آخر، أبدى برّي لـ«الجمهورية» استياءَه من الطريقة التي تعاطى بها البعض مع موضوع سلسلة الرتب والرواتب، وقال إنّ هذه السلسلة هي من حيث الأهمّية توازي الخطة الأمنية التي تنفّذ في الشمال والبقاع، وإنّ الذين عارضوها عليهم أن يدركوا أنّهم عارضوا خطّة ترمي إلى إطلاق ورشة إصلاحية تحتاجها البلاد منذ عشرات السنين.
واستغرب برّي كيف أنّ البعض بدّلوا موقفهم بين ليلة وضحاها من موضوع السلسلة، وقال إنّ هذا البعض أبلغَ إليّ انّه يعارض اقتراح عدد من النواب تحويل جلسة السلسلة إلى جلسة سرّية وإنّني اتّخذت معهم الموقف نفسه وأكّدت لهم جازماً أنّني لن أسير في هذا الاقتراح، وإذ بي خلال الجلسة أُفاجَأ بأنّ هؤلاء انبروا لاتّخاذ موقف معاكس يدعو الى تحويل الجلسة سرّية، فظننتُ انّني سمعت ما أبلغوه إلي في جلستي معهم خطأً، ولكن تبيّن لي أنّهم فِعلاً انقلبوا على مواقفهم بدليل انّ بعض من كان معهم صوّتوا ضدّ سرّية الجلسة مثلما كنّا اتّفقنا عليه في اللقاء مع الرئيس فؤاد السنيورة عندما زارني في عين التينة وعلى اثر هذه الواقعة ادركتُ انّ شيئاً ما دبّر في الليل من اجل الحؤول دون اقرار السلسلة في الجلسة النيابية.