IMLebanon

«الجمهورية» تنشر وقائع معركة عرسال وبرّي وجنبلاط يسعيان لتسوية رئاسية

لأنّ الجمهورية اللبنانية لا يمكن أن تستعيد عافيتها ودورَها وحضورَها إلّا بانتظام عمل مؤسساتها وفعاليتها، ولأنّ المؤسسة العسكرية تشكّل إحدى ركائز هذه المؤسسات، ونجحَت في تجاوز الانقسامات الوطنية والخلافات السياسية والفِتن المذهبية والمِحن الطائفية، وأظهرت بأنّها المؤسسة التي تكاد تكون الوحيدة التي تُجسّد فعلاً لا قولاً فقط العيشَ المشترك بين اللبنانيين، حيث يستشهد عناصرها من المسلمين والمسيحيين جنباً إلى جنب وكتفاً على كتف في معركة واحدة هدفُها حماية لبنان واللبنانيين، كان لا بدّ من نَشر الرواية الكاملة لمعركة عرسال من أجل وضع النقاط على الحروف ووضع حدّ نهائي لهذه الحملة المبرمجة، والتأكيد أنّ كلّ مَن يحاول وضع الجيش في موقع المُتّهَم وضرب معنوياته وإحباط عزيمته سيكون في قفص الاتّهام.

أنقذ الجيش اللبناني لبنان والبقاع من كارثة محتمة، بعدما استطاع دحر الإرهابيين من عرسال، نتيجة تماسكه والترابط الحديدي بين عناصره وقيادته التي لم توفّر جهداً أو خطّة أو تكتيكاً إلّا واستعملته، لقيادة المعركة ومحاولة استرجاع الجنود الأسرى.

وقد استطاع الجيش اللبناني الصمود في مراكزه مانعاً المجموعات التكفيرية من كسره، والوصول الى اللبوة ورأس بعلبك لارتكاب مجازر وإدخال

لبنان في حرب مذهبية وطائفية.

وفي هذا السياق يؤكّد مصدر عسكري لـ«الجمهوريّة» أنّ «اعترافات عماد جمعة كشفت أن معركة عرسال كانت محضّرة، حيث كان يضع اللمسات الأخيرة عليها، أمّا الهدف الأبعد والمخطط الطويل لهذه المجموعات، وخصوصاً «داعش»، فهو ربط عرسال بعكار للوصول الى البحر لإنشاء إمارة «داعش» في لبنان بعد نجاحها من اقتطاع مساحات شاسعة في العراق وإعلانها الخلافة الإسلاميّة».

وأفاد المصدر أنّ «الجيش ضرب بيد من حديد في عرسال موقِعاً الخسائر الفادحة في صفوف الإرهابيين على رغم ظروف المعركة الصعبة، والتي باتت ملابساتها واضحة، على رغم محاولات البعض التضليل والتصويب على الجيش وقيادته»، وأضاف: «عند توقيف جمعة، استنفر المسلحون في عرسال، وتحرّكوا في جرودها وداخلها بأعداد كبيرة، وهدّدوا بمهاجمة المراكز العسكرية اذا لم يطلق المدعو جمعة.

وعلى أثر هذه الحركة، استنفرت جميع المراكز العسكرية التابعة للجيش اللبناني في المنطقة. ونحو الساعه الثانية من بعد ظهر السبت، هوجمَت ثلاث مراكز للجيش في محيط عرسال وجرودها وبأعداد كبيرة، وهي مراكز الحصن والصميدة ووادي حميد.

وسقط نتيجة المواجهات مركز الحصن، وأُسر عدد من العسكريين، لكنّ المركز قاوم قدر المستطاع، وقد سقط فيه شهيدان أحدهما الشهيد الضناوي الذي عَثر الجيش على جثته بعدما استرد المركز من المسلحين، فيما سحب المسلحون جثة أحد الجنود».

وتابع المصدر: «استبسَل الجنود في القتال بين مركز الصميدة ووادي حميد، وقد تمكنوا من الصمود، واستقدمت وحدات من الفوج المجوقل لمساندتهم والعمل على وصل المركزين ببعضهما البعض، وقد حصل قتال عنيف في هذين المركزين على رغم سقوط شهداء وجرحى فيهما»، وكشف أنه «منذ اللحظات الاولى للمعركة كانت مدفعية اللواء 8 إضافة الى الدبابات ترمي على تجمّعات المسلحين الذين أتوا من جرود عرسال».

وأشار المصدر الى أنه «على رغم مهاجمة مركز المهنية في عرسال من مسلحين موجودين في البلدة، إلّا أنه لم يسقط واستمر القتال فيه حيث استشهد المقدم نور الجمل والمقدم داني حرب، فاستقدمت وحدة من المجوقل لدعم المركز، وعلى رغم الهدنة الانسانية استمر القتال في الجرود مع المسلحين واستشهد الرائد داني خيرالله بتاريخ 4 آب خلال عملية استرداد مركز الحصن الذي استردّ لاحقاً».

وكشف المصدر أنّ «الضابط الذي ترك مركز المهنية ليس من الطائفة السنية بل هو شيعي وقد أُوقِف بغية التحقيق معه والوقوف على حقيقة الوضع الذي حصل، ما يؤكد انّ قيادة الجيش ليست مقصّرة ومهملة حيال ما حصل.

وهي منذ نهار السبت أدركت مخاطر هذا الهجوم المسلح، وعقد قائد الجيش العماد جان قهوجي وللمرة الاولى موتمراً صحافياً أوضح ملابسات المعركة ومخاطرها، وقال صراحة انّ مركزاً عسكرياً واحداً سقط».

ولكن ما صَعّب القتال، وفق المصدر العسكري نفسه، كان خروج مجموعات مسلحة، وفي الوقت نفسه، من مخيمات اللاجئين والنازحين التي من المفترض أن تكون لمدنيين سوريين.

وحول المفقودين، شدّد المصدر أن «الجيش عرف، وتباعاً، أسماءهم جميعاً وتمّ التأكد منهم، وكذلك الأمر بالنسبة للشهداء الذين تمّ نعيهم منذ الاحد والاثنين، كما حظيَ الجرحى بمتابعة من قبل القيادة.

وأمّا الكلام حول أنّ القيادة لم تكن تعرف المفقودين العسكريّين فهو تحامل وافتراء على الجيش، لأنّ قائد الجيش اجتمع مع أهاليهم في الأسبوع الاول بعد انتهاء المعركة، وهذا دليل على انّ القيادة تعرف بشكل لا يقبل الشكّ أسماء المفقودين، وقد عمّم حينها اللقاء على الاعلام.

ولجهة عدم وجود ضبّاط القيادة وقائد الجيش، قال المصدر العسكري إنّ قهوجي تواجد منذ الدقائق الاولى في قيادة الجيش، أي في يوم عطلة عيد الجيش، وعقد اجتماعات متتالية مع أركان القيادة لتوزيع المهام، كما توجّه الى العمليات المركزية لمتابعة الوضع وأجرى اتصالات عدة بضبّاط المراكز التي تعرضت للهجوم.

وأكد المصدر أنّ «الجيش يخضع للسلطة السياسية والمتمثلة اليوم بالحكومة التي كلّفت هيئة «العلماء المسلمين» بالتفاوض منذ يوم الأحد لإطلاق المفقودين، وقد كان لقيادة الجيش رأي واحد وهو إطلاق جميع العسكريين، ورفض أيّ مقايضات، ولم تشارك بالتفاوض مطلقاً.

المعركة مع الارهاب

في موازاة الجهود الدولية للقضاء على الارهاب والخطر التكفيري، وسَعي الدول العربية الى التوحّد في مواجهته بعد الخوف من امتداده من العراق وسوريا الى دول اخرى، حافظت الساحة اللبنانية على استنفارها وتصاعدت الدعوات الى ضرورة تحصينها أمام الخطر الآتي، والتحذيرات من انّ المعركة مع الارهاب لا تزال في بداياتها.

وفيما أكد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، خلال جولته أمس على بلدتي كيفون وبيصور، «انّ لدينا عدواً واحداً اسمه «داعش» وما زلنا في بداية الطريق لمحاربته»، واعتبر أنّ تشبيه احد السياسيين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» بـ«داعش» «هرطقة سياسية»، قال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد انّ «مَن كان يتوهّم أنّ الإرهاب التكفيري يمكن أن يحفظ للسنّة مصالحهم في لبنان هو واهم ومخطىء وعليه أن يعيد النظر، لأنّ الخطر التكفيري على السنة هو أكبر، إن لم يكن بمساواة الخطر على كل المكوّنات الأخرى».

بري

وأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره، مساء أمس، انه ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط يعملان معاً على الملف الرئاسي، لكنه لم يشأ كشف أيّ تفاصيل، مشيراً الى انه «إذا كان هناك مِن تقدّم فلا يمكن التكلم عنه ضماناً لنجاح العمل الذي نقوم به».

وشدّد بري انّ تحرّكه وجنبلاط يندرج في اطار السعي الى تحقيق «تسوية رئاسية»، وانه يفضّل عدم الخوض في الحديث عن هذا الموضوع لكي لا يحترق».

ورداً على سؤال حول اقتراح تكتّل «التغيير والإصلاح» في شأن تعديل الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر، قال بري: «إنّ هذا الإقتراح لا يمكن طرحه الّا في عقد تشريعي عادي، في حين انّ مجلس النواب هو الآن في عقد استثنائي، علماً انّ للمجلس عقدين تشريعيين عاديين كل سنة: الأول يبدأ في أول ثلثاء بعد 15 آذار، والثاني يبدأ أول ثلثاء بعد 15 تشرين الأول، ما يعني انّ الاقتراح العوني لا يطرح والحال الآن الّا بعد 15 تشرين الأول».

مبادرات شجاعة

في غضون ذلك، دعا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، «الكتل السياسية والنيابية الى مبادرات شجاعة قبل جلسة الثاني من أيلول المقبل، تبدأ بالتخلي عمّا يعيق اكتمال النصاب وانتخابِ الرئيس». واعتبر أنّ «الكتل أدرى بهذه العوائق الشخصية والفئوية».

إلى الفاتيكان الخميس

إلى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ الراعي سيتوجّه الى الفاتيكان الخميس المقبل للقاء قداسة البابا فرنسيس وكبار المسؤولين، حاملاً معه ملفّ لبنان، وتحديداً المراوحة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وملفّ المسيحيين العراقيين والسوريين، خصوصاً بعد زيارته وبطاركة الشرق أربيل والاطّلاع عن كثب على أوضاع أبنائها. ومن الفاتيكان يتوجّه الراعي إلى أوستراليا في زيارة رعوية.

الاقتراح العوني

وفيما ظلّ الاقتراح العوني مدار تجاذب سياسي في البلاد ويستجلب ردود فعل رافضة ومنتقدة، وصفَ عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت الاقتراح بأنّه هروب إلى الأمام، وقال إنّ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون «يزايد شعبوياً ويضع عراقيل جديدة، وهو يعرف أنّ ما طرحه لن يحصل». وأضاف أنّ «هذا الاقتراح يقسم المواطنين إلى درجة أولى ودرجة ثانية، وهذا يتعارض مع المادة الأولى في الدستور».

معلوف

في المقابل، دافع عضو «التكتل» النائب إدغار معلوف عن الاقتراح، مشيراً إلى أنّه من بين النواب العشرة الذين وقّعوا عليه.

وقال معلوف لـ«الجمهورية»: «نعتبر أنّ انتخاب رئيس الجمهورية مباشرةً من الشعب هو أفضل طريقة ديموقراطية توافقية لكي يستعيد المركز المسيحي الأوّل في البلاد بَريقه وألقه، ولكي يستردّ رئيس الجمهورية ثقله، فيستطيع عندئذٍ أن يحكم ووراءَه القسم الأكبر من الشعب المسيحي ولديه كتلة نيابية وازنة. فرئيس الجمهورية اليوم لم يعُد قادراً على الحكم بعد انتزاع الصلاحيات منه والإبقاء على صلاحيتين أو ثلاثة، وللأسف بمساندة نوّاب مسيحيين .

واعتبر معلوف «أنّ كلّ مشروع إصلاحيّ نتقدّم به يسارعون إلى محاربته مباشرةً حتى قبل أن يطّلعوا عليه، مستعملين بذلك شتّى أنواع الاسلحة التي يمكن أن تؤثّر في الرأي العام، وذلك فقط لأنّ هذا المشروع يصدر عن «التيار الوطني الحر» الذي يترَأسه العماد ميشال عون .

وإذ أكّد معلوف «أنّ انتخاب الرئيس من الشعب هو الحلّ الوحيد للخروج من الأزمة وإجراء إصلاحات، وأن لا حلّ بديلاً عنه، توجّه إلى المنتقدين بالقول: «أمَا تريدون أن يعود موقع الرئاسة الأولى قوياً ومحترماً؟ أم تريدون أن يبقى على ضعفه، وترفضون أن يستردّ رئيس الجمهورية كرامته وقوّته وكلمته».

صواريخ مجدّداً

على صعيد آخر، وتزامُناً مع تجدّد العمليات العسكرية في غزّة وردّاً على التصعيد الإسرائيلي فيها وفقَ خطة تدميرية جديدة بدأت تطاول الأبراج والمراكز التجارية الكبرى، تجدَّد فجر أمس إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان والجولان دفعةً واحدة باتّجاه الأراضي الإسرائيلية، والتي ردّت عليها إسرائيل بقصفٍ محدود استهدفَ القرى والمناطق التي تقع في محيط مصادر القصف.

وفي جانب آخر، استخدَمت القوات الإسرائيلية قناتها العسكرية في القوات الدولية «اليونيفيل» لتوجيه تحذير جديد إلى الحكومتين اللبنانية والسورية تحمّلهما فيه مسؤولية القصف.

لكنّ مصادر معنية قالت لـ»الجمهورية» إنّ مسلسل الصواريخ هو هو ولم ينتهِ بعد، وإنّ المجموعات التي تمارس هذه العمليات من صنف واحد، وعناصرُها تخضع للمراقبة بشكل كثيف، وليس صعباً أن يكونوا على لائحة الموقوفين في وقت قريب. لذلك يبقى أنّ ما هو لافت ينحصر بالتزامن المستجد في إطلاق الصواريخ من لبنان وسوريا في آن، وهو ما يدلّ بوضوح إلى هوية الجهات التي تقف وراء ذلك.

ولفتت المصادر إلى أنّ الجانب الإسرائيلي سجّلَ مواقفه المعتادة كما في كلّ مرّة، ولا يستطيع أن يتّهم الحكومة اللبنانية أو الجيش بالوقوف خلف هذه العمليات المُدانة، وهو يعرف ذلك ومعه قيادة القوات الدولية، ولذلك فكلّ هذه المواقف هي للإستهلاك الداخلي الإسرائيلي.

وتعليقاً على هذه الأجواء قالت مصادر عسكرية في الجيش والقوات الدولية لـ»الجمهورية» إنّ الوضع الأمني ممسوك ومضبوط في الجنوب، ولا خوف من أيّة عمليات عسكرية تخرج عن إطار الرسائل الإقليمية التي تحملها هذه الصواريخ طالما إنّ الوضع في غزّة على هذا الجانب من التصعيد.

وكانت قيادة الجيش قد أكّدت إطلاق الصاروخين قبل منتصف ليل السبت – الأحد من غرب بلدة الضهيرة – صور باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأكّدت أنّها تمكّنت من العثور على منصّتين حديديتين استُعملتا في إطلاق الصاروخين. وأكّدت مباشرة التحقيق في ظروف الحادثة، بالتنسيق والتعاون مع القوّة الدولية في جنوب لبنان التي دان قائدها (رئيس بعثة اليونيفيل الجنرال كوتشيانو بورتو لانو) في حديث إلى «الوكالة الوطنية للإعلام»، بشدّة الهجومَ الذي يشكّل خرقاً خطيراً للقرار 1701، ويهدّد ليس فقط حياة الأبرياء، لكنّه يهدف بوضوح إلى زعزعة الاستقرار في جنوب لبنان وعلى طول الخط الأزرق».

مجلس وزراء عادي

إلى ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية قبل ظهر الخميس في السراي الحكومي بجدول أعمالٍ يتضمّن 62 بنداً عادياً معظمُها مُرجَأ من جلسات سابقة.

وقال مصدر وزاري لـ»الجمهورية» إنّ الملفات التي يمكن أن يتناولها مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال باتت معروفة، وهي من القضايا الأساسية العالقة، لافتاً إلى أنّ مقاربة المجلس لملفّ الأسرى العسكريين بعد حرب عرسال مطروح يومياً على الوزراء المعنيين في كلّ جلسة لمجلس الوزراء، لكنّ رئيس الحكومة لم يتناوله بعد في ضوء المفاوضات الأخيرة والظروف التي أدّت الى تعليق وساطة «هيئة العلماء المسلمين».