IMLebanon

الجميّل: الإجماع على الرئيس مستحيل إلا إذا فرضه الخارج

يدافع الرئيس أمين الجميل عن المبادرة التي أطلقتها قوى 14 آذار في 2 ايلول، بالدعوة الى مرشح يتوافق عليه الافرقاء جميعاً. لا تحجب المبادرة ترشح الرئيس السابق وسواه من المرشحين المحتملين، ولا توصد الابواب على حصر الترشح برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع

في قراءة الرئيس أمين الجميل مبادرة قوى 14 آذار انها لا تتطرق الى مرشح ثالث او رابع او خامس، بل الى انتخاب رئيس يحظى بالتوافق. بذلك تبدو المبادرة ــــ بعدما تجاهلها الفريق الآخر ــــ مفتوحة على سمير جعجع وعلى سواه، بينهم رئيس حزب الكتائب، في سبيل انتخاب رئيس يصرّ على ان يكون قوياً. يتقاطع موقفه مع الرئيس ميشال عون في رفض الرئيس الضعيف.

في اجتماعها الاخير ناقشت قيادات 14 آذار المبادرة وحمّلتها تفسيراً اضافياً لا ينتقص من حظوظ المرشحين الموارنة الآخرين في صفوفها، ومن بقائهم في صدارة الاستحقاق. في ذلك الاجتماع قال الرئيس فؤاد السنيورة للجميل: الموقف المعلن لقوى 14 آذار هو التضامن مع مرشح من صفوفها يتمتع بامكانات الوصول الى الرئاسة، واحداث اختراق في الفريق الآخر.

قاعدة تصح على المرشحين المحتملين جميعاً.

يقول الجميل: «طرحنا في اجتماعنا الفرصة الاخرى من داخل قوى 14 آذار. ما اتفقنا عليه انه اذا كان ثمة حظ لاحد من مرشحينا نلتف جميعا حوله. قلنا باستعداد سمير جعجع لسحب ترشيحه اذا تم التوافق على آخر سواه. الا اننا لم ندخل في التفاصيل.

لا شك في ان فرصة مرشح آخر من قوى 14 آذار قائمة حتماً، وكان ثمة اجماع على تأكيد هذا الموقف. المهم انتخاب رئيس يحقق الضمانات الوطنية المطلوبة، وهذا ما ورد في المبادرة».

هل يجد نفسه قادراً على احداث هذا الاختراق؟

يقول: «توجهاتي السياسية والوطنية جامعة، وعلاقاتي مع الجميع قائمة. اذا عدنا الى الادبيات الانتخابية في الآونة الاخيرة نسمع بفيتوات على اسماء هنا وهناك، لكن لا فيتو على اسمي. قد لا يعني لا فيتو تأييداً، لكن لا فيتو يعني حتما ان لا فيتو، ويترك الباب مفتوحاً».

بيد انه يجد المبادرة «مدخلا الى الاستحقاق الرئاسي وليست مخرجا له، وهي دليل على اننا واقعيون في مقاربة الرئاسة، ونعمل في سبيل التوصل الى الحل وليس من اجل التعطيل. مع ذلك لم تقابل تحيتنا بمثلها».

يرفض الجميل تحميل القيادات المسيحية، وأخصها المارونية، مسؤولية منع انتخاب الرئيس. لا يؤيد وجهة نظر يقول بها باستمرار الفريقان الشيعي والسنّي، مؤداها ان على المسيحيين الاتفاق في ما بينهم على مرشح كي يؤيداه. يقول: «المرشح ماروني، لكن الناخب هو مجلس النواب بكل طوائفه. التعطيل ليس مسيحيا، بل هو تعطيل مختلط. منذ الاستقلال لم يسبق ان حصلت انتخابات رئاسية سادها اجماع الا على انتخابي عام 1982 على اثر الاجتياح الاسرائيلي. ما خلا ذلك عرفت الاستحقاقات الرئاسية المتعاقبة منذ المواجهة الضارية بين الرئيسين اميل اده وبشارة الخوري حتى اليوم تنافساً تلو آخر. عام 1958 بين الرئيس فؤاد شهاب والعميد ريمون اده، وعام 1970 بين الرئيسين الياس سركيس وسليمان فرنجيه، وعام 1976 بين الرئيس سركيس والعميد اده، وصولاً الى انتخاب اول رئيس بعد الطائف مع الرئيس رينه معوض. المنافسة مشروعة وتقليدية دائما بين تيارين او اكثر، مختلطين، في كل منهما مسيحيون ومسلمون. لذا من الخطأ الجسيم وضع المسؤولية على المسيحيين، وان عليهم ان يتفقوا في ما بينهم لانتخاب الرئيس. لم يسبق ان اتفقوا مرة كي يتفقوا الآن. ليس تكتل التغيير والاصلاح وحده قادراً على تعطيل نصاب انتخاب الرئيس من دون ان يتضامن معه فريق مسلم. القول بأن على المسيحيين الاتفاق في ما بينهم هروب من الحقيقة. وهذا الكلام موجه الى الافرقاء القائلين بهذه الذريعة ويستخدمون هذا الشعار الى اي جهة انتموا».

وهل يجد اياً من المرشحين الموارنة الاربعة الرئيسيين قادراً على انتشال الاستحقاق والبلاد؟

يضيف الجميل: «لا يمكن الرئيس الضعيف ان يمثل طموحات الشعب، وان يكون قادراً على تحقيقها. انا مع الرئيس القوي لأن لبنان لا يحتمل رئيساً ضعيفاً لا يمثل. ذلك يعني اولا واساسا تعطيل الدور المسيحي في البلد ما يجرّد الوحدة الوطنية من قوتها، ويضع موقع الرئاسة ثانياً على هامش العمل الوطني».

وكيف يوفق بين رئيس قوي بمواصفاته عليه ان يحكم بصلاحيات ضعيفة؟

يقول الجميل: «الرئيس القوي هو الذي يقوي الرئاسة ويعزز موقعها ودورها في معزل عن النصوص. في المقابل رئيس ضعيف بصلاحيات قوية لن يسعه ممارستها، بل يتردد فعلا في ممارستها لانه كذلك. انتخاب رئيس ضعيف مؤامرة على لبنان لابقائه في الثلاجة يتخبط في ازماته بلا حلول، ناهيك بتعطيل الدور المسيحي الفاعل في موازاة ادوار ممثلي الطوائف الاخرى في مواقعهم الدستورية الفاعلة. كيف يمكن طمأنة المسيحيين اليوم في ظروف حرجة وخطيرة كالتي نعيش تحت وطأة هجمات الارهاب عليهم في اكثر من بلد في المنطقة عندما يؤتى لهم برئيس ضعيف لا يجسد عصبهم؟».

مسؤولية مَن اذا استمرار شغور الرئاسة؟ في المهلة الدستورية القيت التبعة على افرقاء محليين، وفي خضم تدهور الاوضاع الاقليمية بات الخارج بدوره مسؤولا عن الشغور؟

يعقب الرئيس السابق: «من غير المنطقي طرح السؤال على هذا النحو. لا يجوز لاي من القيادات اللبنانية التصرّف من خارج تقاليدنا الوطنية والحس بالمسؤولية، لا سيما في ظروف حرجة كهذه. ايا تكن احداث المنطقة وضغوطها، على القيادات اللبنانية التعامل مع استحقاق الرئاسة انطلاقاً من شعورها بالمسؤولية وتهيّب حكم الاجيال والتاريخ. ليس لها ان تسلم زمام دورها او تتنازل عنه للشرق تارة والغرب طورا. نحن مسؤولون اولا عن مصير هذا البلد، وتقاعسنا يحملنا عبء المسؤولية».

وهل تكمن ازمة الاستحقاق في عدم ذهاب فريق الى جلسات انتخاب الرئيس، ام في عدم التوافق على الرئيس؟

يقول: «الخياران مترابطان احدهما مع الآخر. النصاب القانوني مفقود لأن التوافق مفقود. المقاربة الخاطئة لمفهوم التوافق التي يقع فيها بعض الافرقاء هي تمسكهم بالاجماع غير المتوافر اساسا في اي مجتمع ديموقراطي. لذا علينا الاحتكام الى اللعبة الديموقراطية. التوافق لا يتناقض مع الذهاب الى جلسات انتخاب الرئيس في مجلس النواب، ما دام الانتخاب في نهاية المطاف هو الذي يعبّر عن هذا التوافق الاكثري. لبنان الموزاييك يجعل كل قطعة منه معنية بانتخاب الرئيس وشريكة فيه، وليس لأي قطعة ان تفرض انتخابه دون ارادة سواها. بلوغ هذه الاكثرية يمثل الحد الادنى من التوافق وضمان استمرار النظام اللبناني الذي يمنع استئثار اي جهة. الاجماع من باب المستحيلات الا اذا فرض الرئيس من الخارج».

في حمأة الاحداث الاقليمية المتسارعة والفوضى التي تضرب المنطقة، لا يتردد الجميل في القول ان الرئاسة «اضحت اقرب ما تكون الى مسألة ثانوية في ظل تهديدات يتعرض لها لبنان والمنطقة، وتتسبب بارباك خطير يجبهه الفاعلون المحليون والاقليميون والدوليون وضياعهم. الحلول تتفلّت من ايدي الجميع وأخصهم اولئك الذين كانوا يعتبرون انفسهم ممسكين بخيوط الشرق الاوسط. يبدو ان اللعبة والاحداث المتسارعة تجاوزتهم. أحدهم اشعل نارا صغيرة، فاذا هي حريق يأتي على الجميع. صفقوا للربيع العربي بداية، وتصرّف البعض على انهم يحتكرونه ممّن لم يكونوا مرة على علاقة بهذا الربيع، بل على طرف نقيض منه. زعزع الربيع العربي الانظمة وقوّض التقاليد، ورمى الدول في احضان اطراف ابعد ما تكون عن شعاراته واهدافه. هكذا اتى اللعب بالنار على الاخضر واليابس، وطاول لبنان الذي هو جزء لا يتجزأ من المتغيرات الجذرية التي ضربت المنطقة. في مرحلة ما حاول ان ينأى بنفسه، ثم تبين ان من الصعب جدا ان يبقى على هامش التطورات المتلاحقة. بذلك وضع الموقع الجغرافي والتكوين السياسي لبنان في صلب المشكلة الكبرى في المنطقة، بل في عمقها. منذ مطلع الحرب السورية حاولت ان ادفع في اتجاه الحياد، وحذرت من مغبة الغرق في اتونها. لكن على مَن تقرأ مزاميرك يا داود؟».