همس كتائبي في أذن صديق له، خلال متابعة الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية، عن صعوبة تخيل رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل في معراب «مبكلاً زر» بزته لتهنئة «فخامة الرئيس» سمير جعجع. لم ينجح جعجع يومها في تأمين الأصوات اللازمة لنجاحه، ولا تأمن لاحقاً النصاب الكافي ليجرّب حظه مرة أخرى. رغم ذلك، حضر الجميّل إلى معراب، أول من أمس، من دون أن ينتبه الكتائبيون إذا ما «بكلّ الريّس» بزّته أم لا، بعدما شغلهم استقبال جعجع له بقميص مفتوح الصدر من دون «كرافات»!
«الشيخ أمين» لا يكفّ عن مفاجأة الجميع. ظنّ الكتائبيون أن معراب هي آخر المطاف. ولكن، ما كادت تشرق شمس اليوم التالي حتى أطل عليهم من الرابية. هكذا ضاعت الصيفي، ومعها مسوّقو ترشيح الجميّل الدائمون: الوزير سجعان قزي والنائب إيلي ماروني والوزير السابق سليم الصايغ. هل الشيخ أمين مرشح رئاسي أم عضو في جمعية «أصدقاء عند الحاجة» الخيرية؟ يتدارك الثلاثة الأمر: هو مرشح «طبيعي»! كان مفترضاً أن يعلن حزب الكتائب ترشيح رئيسه في 5 نيسان الماضي، موعد انعقاد المؤتمر العام.
إلا أن إلغاء المؤتمر أرجأ الإعلان إلى الاثنين 7 نيسان، إذ جرت العادة أن يعقد الحزب في أول اثنين من كل شهر اجتماعاً مشتركاً لمكتبه السياسي والمجلس المركزي. لكن استباق جعجع هذا الاجتماع بإعلان ترشّحه في الرابع من نيسان الماضي أربك الصيفي، فأُلغي الإعلان مجدداً، وفقاً للسيناريو نفسه: يتحمّس الجميّل، يسارع القزي إلى دعمه عبر نشر الخبر إعلامياً، يخاف الجميّل، يسارع القزي إلى نفي الإعلان. والوزير، يقول المصدر، بمثابة الحطب الذي يؤجج نار بكفيا الرئاسية كلما خبت قليلاً. وقد «لعب في الفترة الماضية أو أوهم الرئيس أنه كاسحة ألغامه على مختلف الطرقات: روسيا وإيران والضاحية والرابية و14 آذار، ومن يدري ربما سوريا أيضاً». قبيل أسبوع، قررّ الجميّل وكاسحة ألغامه ومكتبه السياسي تحديد أول اثنين من أيار موعداً لإعادة خلط أوراق «ثوار الأرز»، على اعتبار أن جعجع أنزل جوكره. رقصت الحماسة في عيني الجميّل من جديد وسارع رئيس تحرير جريدة اللواء صلاح سلام وأحد مقدمي احتفال الكتائب في كانون الأول الماضي ــــ لا القزي ــــ إلى تسريب الخبر السار. لكن ما كادت تشرق الشمس على سلام، حتى وجد نفي القزي للخبر على مكتبه.
هل الشيخ أمين
مرشح رئاسي أم
عضو في جمعية «أصدقاء عند الحاجة»؟
لا همّ. ها هو الشيخ أمين يصرخ على الشاشات، والشمس طالعة، «أن الجمهورية في خطر»… والمنقذ، بحسب ما فهم الجميّل من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، هو الذي «يمثل الشعور المسيحي ولديه التجربة الكافية ليأمن المسيحيون واللبنانيون على مستقبلهم». طبعاً لم يقل بالحرف الواحد إنه هو من يطابق هذه المواصفات. اكتفى بالتلميح، كما عادته، وتذكير جعجع «بميثاق الشرف الذي اتفق عليه الأقطاب الموارنة في بكركي بترشيح أحدهم ودعمه، وهذا لا يطبّق فعلياً».
تنطلق مصادر بكفيا في شرحها لما سمته «مهزلة الإعلانات المترددة» من السعودية وتيار المستقبل. ظن الكتائبيون أن راعي 14 آذار «سيعدل في زيجاته، فلا يمنح زوجته الأولى ما لا يمكن أن يقدمه للثانية». ولكن حتى صباح الاثنين، «كانت حرارة اتصالات الصيفي ــــ قريطم لا تزال متدنية». لم يحصل الجميّل على دعم المستقبل، على غرار جعجع، والسبب ليس «قلة حماسة حريرية بقدر ما هو إصرار الرياض على خوض معركتها اللبنانية بواسطة معراب». وقد أبلغ التيار الأزرق حليفه بالأمر في عدة اجتماعات عقدها أخيراً معه، إلا أن بكفيا رأت في الفيتو على معراب نافذة لتطلّ منها. وقد أبلغ الجميّل قوى 14 آذار ولمّح للسعودية في مقابلته مع صحيفة «عكاظ» أن «استحالة وصول المرشحين الأساسيين عون وجعجع يجعل ترشيحي قائماً؛ لأنني موجود على الساحة السياسية منذ وقت طويل ولا توجد أمامي العوائق الموجودة في طريق الآخرين». انطلق فخامة المرشح غير المعلن بعدها لتعداد أسباب تمايزه، وأبرزها «دعم بري وجنبلاط» له في حال ترشحه. ومن جهة أخرى، يمكن علاقته «الجدّية» بالسفير الإيراني أن تعزز فرضية دعم حزب الله لـ«الرئيس الجامع». ولا يمكن جعجع وعون، نتيجة هذا الإجماع الوطني، أن يستمرا في «تفضيل مصلحة الحزب على مصلحة البلد». قطع المبعوث الحريري رؤية الشيخ أمين، مكرراً ما قاله لعون سابقاً، بضمانه أصوات الخصوم قبل الحصول على مباركة المستقبل لعدم إحراجه سعودياً. فيما أصر الشيخ «على دعمه أولاً لتحفيزه على المبادرة في اتجاه الكتل الأخرى». أبقى الجميّل على خبر ترشحه حتى ظهر الاثنين، وحين لم تأت الإشارة الإيجابية، أعلن وزير العمل الترشح السلبي.
لن يستطيع الكتائب طبعاً انتظار اثنين آخر، ما دامت المهل تنتهي في 25 أيار الجاري، ولكن من يدري؟ قد يفاجئ الجميّل الجميع في اثنين ليس ببعيد. ما عليه إلا نفض الغبار عن برنامجه الرئاسي الذي طرّزه وفقاً لتجربته في القصر خلال العامين اللاحقين لولايته الرئاسية في هارفارد الأميركية وميرلاند الفرنسية. ويصدف أن يحمل البرنامج ــــ الكتاب اسم «بلدنغ ليبانون» بالإنكليزية و«رؤية للمستقبل» بالعربية… قد تثير تسمية البرنامج اهتمام تيار المستقبل أقله.
يضحك أحد المسؤولين الآذاريين على «توافقية» بكفيا التي تحول دون قلب الطاولة في وجه تيار المستقبل لأخذ بالقوة ما أخذته معراب بالقوة عينها. وهنا تكمن عقدة الرئيس الجميّل الرئيسية بنظره، «فهو لا يمتلك الشجاعة الكافية لتنفيذ أمر مماثل». ولكن، يضيف الآذاريّ، في الكتائب من يمتلك الجرأة لسحب بساط جعجع والتربع مكانه. لا بدّ للشيخ أمين أن يفكر ملياً في ترشيح ابنه سامي، لا نفسه، إلى الرئاسة، وعندها سيصعّب على الشيخ سعد والدكتور سمير ووليد بك وحتى ميشال عون وسليمان فرنجية عدم التصويت لمصلحة النائب سامي الجميّل. ففي أسوأ الأحوال، يقول المصدر، لسامي شبه صغير في كل شخصية من الشخصيات الخمس، ومن السهل جداً تالياً أن يكون هو لا والده مرشح التوافق الحقيقي.