يؤشر منحى التطورات التي تسلكها الحياة السياسية اللبنانية هذه الايام، الى وجود مخاوف جدية تطال التركيبة اللبنانية الفريدة على حدّ قول مصادر نيابية، مع ملامسة الازمات الدستورية الخطوط الحمر مهددة بانهيار النظام وذوبان الكيان، بعد زوال الحدود شرقا ما فتح الابوب على مصراعيها امام الرياح القادمة من العراق عبر سوريا، لتزيد الصراع الداخلي تعقيدا.
تحت هذا العنوان تضيف المصادر مسألة التمديد لمجلس النواب والتجاذبات التي تثيرها في إطار المقايضات المطروحة سعياً الى إتمام تسوية تكرس التمديد في مقابل ضمان استعادة عمله التشريعي، بحسب ما يؤكد الرئيس بري، في «حفلة» حجز للمقاعد وتوزيع للحصص والادوار للمرحلة القادمة،التي قد تمتد حتى الربيع المقبل الموعد الجديد المضروب لانتخابات رئاسة الجمهورية، ضمن استراتيجية الرقص على الهاوية التي درجت عليها الاطراف السياسية اللبنانية.
وسط كل ذلك فجر رئيس تكتل الاصلاح والتغيير قنبلة اعلامية جديدة، تضاف الى ملف الانتخابات الخلافي داخل الصف الواحد، في ظل تقارب الخصوم وتباعد الحلفاء حوله، بتقديمه اقتراح تعديل آلية انتخاب رئيس الجمهورية لتصبح مباشرة من الشعب، حيث وصفت مصادر مسيحية في 14 آذار الاقتراح بالجيد ومن شأنه ان يعطي للمسيحيين حيزا اوسع في الحياة السياسية اللبنانية، غير انها اشارت الى ان توقيت الاقتراح غير مناسب كما ان ثمة اشكالية لم يتم التنبه لها، تتمثل في ان رئيس الجمهورية ليس رئيسا لمؤسسة بحد ذاتها او لطائفة معينة على غرار رئاستي الحكومة والمجلس النيابي بل هو رئيس الرؤساء ورمز الدولة ويجب ان يكون لجميع اللبنانيين ومقبولا منهم وقوته في اعتداله وليس في حجم كتلته النيابية، مصنفة الخطوة بالحرب الاستباقية السياسية، بدأت بالبيان الذي صدر عقب الاجتماع الأسبوعي لتكتل «التغيير والإصلاح» واستكمل بتقديم الاقتراح، معتبرة أن الخطوتين جاءتا ردا على الاجواء السلبية التي بلغت الرابية من جهات داخلية وخارجية، عن انعدام حظوظه بالوصول إلى بعبدا.
في المقابل اعتبرت المصادر نفسها ان الخطوة احرجت الحلفاء قبل الخصوم، خاصة انها لم تكن منذ البداية محط اجماع داخل هذا الفريق، ما قد ينذر بحدوث تباعد بين الوطني الحر و8 آذار، معتبرة ان العماد عون ينطلق في مقاربته الرئاسية من الدعم والتسليم المطلقين لحزب الله بدوره، وهو ما اكد عليه السيد حسن نصر الله في اطلالته الاخيرة، علما ان المبدأ مقبول الا ان الظروف الحالية غير مؤاتية لهذا الطرح لما قد تتسبب به من توسيع للشرخ السياسي الذي تعيشه البلاد والذي بات يهدد الكيان والنظام ككل، رغم اعتبار المصادر العونية إن الخطوة نابعة من قناعة راسخة بأن الشعب هو مصدر السلطات، وما دامت الوكالة التي أعطاها لممثليه لم تعد صالحة بعد التمديد الاول، وبالأخص بعد التمديد الثاني، وهذا ما يُعمل عليه من تحت الطاولة، فيجب إذاً الاحتكام إلى هذا الشعب مباشرة لتكون له الكلمة الفصل في اختيار مَن يراه مناسبا ليكون رئيساً لجمهوريتهم.
فتكتل «التغيير والاصلاح» الذي قدم مرافعته الانتخابية حيال اقتراح انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب منطلقا من الممارسة السياسية المخالفة للدستور السائدة منذ اعتماد اصلاحات الطائف في العام 1990والقائمة على اساس تغييب المكون المسيحي عن السلطة، لم يمنع المصادر في 14 آذار من التأكيد ان الاستحقاق الرئاسي الذي يدخل شهره الرابع ما زال في دائرة اللبننة ولم يخرج الى مدار التدويل او «الاقلمة» وفق ما يتردد، لان الدول الاقليمية والدولية المؤثرة في هذا الملف غارقة في ازمات العراق وسوريا ومواجهة التطرف، الا ان اي مؤشر لم يبرز بعد في اتجاه تحريك الملف الذي دخل في ثلاجة الانتظار وتراجع من سلم الاهتمامات الذي تقدمته زحمة الازمات الاجتماعية وسط اولوية التمديد للمجلس النيابي، في ضوء ارتفاع المتاريس والعراقيل من جانب فريق المعطلين الماضي في تطيير نصاب الجلسات الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا. من هنا تكمن اهمية مقولة الرئيس التوافقي او على الاقل التسووي اذا لم تتوافر صفة التوافق،بحسب المصادر، وهو ما يجري العمل عليه اليوم خلف الكواليس السياسية، بحيث يتم انتخاب رئيس استنادا الى تسوية تشمل مختلف الملفات المتنازع عليها من دون تحقيق انتصارات لاي فريق على آخر.
تبعا لذلك فان الافرقاء المنخرطين مباشرة في المعركة، تمديدا او رفضا، يمهدون المشهد للفصل الثاني من مسرحية الانتظار الخطر تقول مصادر مطلعة، على أمل اكتمال صفقة داخلية تمليها خطوط حمر يرسمها ميزان قوى الواقع اللبناني القائم على ستاتيكو ثبتته التسوية السياسية العراقية ولو نسبيا، في ظل رعاية دولية تقوم على تحييد لبنان عن الواقعين السوري والعراقي من جهة، وعدم ادراج لبنان على أجندة «داعش» اقله حتى الساعة من جهة ثانية، ما يبقي احتمال التسوية متقدما خصوصاً على مشارف تغيير كبير يلوح في العراق، رغم المماحكات الداخلية المستولدة بفعل التداخل بين أزمة الفراغ الرئاسي والاستحقاق النيابي.