IMLebanon

الجيش على جبهات عرسال… رجال لا يخافون الموت

يخوض الجيش اللبناني حرباً لا هوادة فيها في عرسال، متسلّحاً بالتفاف داخلي ومعنويات عناصره المرتفعة، الذين صمّموا على حسم المعركة لتحرير البلدة وإنقاذها من كارثة حتميّة ستطاول شظاياها كل لبنان.

يصرّ الجيش اللبناني على سحق الإرهاب وكل من يفكّر في النيل من هيبة الدولة، وهو الذي أعطى دروساً في كيفية التعامل مع هذه المنظمات، خصوصاً بعد حرب نهر البارد، والمعارك التي خاضها حمايةً للسلم الأهلي ومنع إنهيار الدولة.

في المعركة التي تُخاض في عرسال لا مكان للّون الرمادي، فقد رسم الجيش خطّاً أحمر، خطّه بدماء ضبّاطه وعناصره الذين استشهدوا على تلال عرسال فداءً لكل الوطن، ومنعاً لتحوّل لبنان الى عراق ثانٍ أو سوريا ثانية.

كل الدلائل تشير الى أنّ الجيش اللبناني يستعدّ لمعركة كبيرة، حيث يستمرّ في حشد قوّاته وآلياته، وتشهد الطريق الممتد من ضهر البيدر الى عرسال حركة آليات كثيفة، وقد عمد الى نقل ملالاته ودباباته بواسطة الشاحنات، في وقت تبدو مداخل عرسال من جهة اللبوة ساحة حرب يستعملها لمرور عناصره الأبطال الى المعركة المصيرية.

تقاطع عرسال- اللبوة

يُشكل تقاطع عرسال – اللبوة صورة مصغّرة عن أجواء المعركة وحركة الجنود، تمرّ دبابات الجيش، تهتز الأرض من تحتها، جنود يتكلون على الله وعلى دعم الشعب اللبناني، الذي ينظر إليهم بعين الأمل وينتظرونه لتحريرهم من تمدّد الإرهاب.

شاحنات تنقل الجنود أو بالأحرى مشاريع الشهداء، رجال لا يخافون الموت، يصعدون الى المعركة مبتسمين ورافعين علامات النصر، يحملون البنادق في أيديهم ويتمسكون بها، ويستعدّون لإطلاق النار على من فكّر بتحويل لبنان شلّال دمّ ومركزاً للإرهاب.

يتشوّقون لمساندة رفاقهم في ساحة المعركة وإعادة عرسال الى حضن الشرعية، وجميعهم ودّعوا أهلهم وعائلاتهم وأطفالهم، الذين قد لا يروهم مرّة ثانية، أو ربما يعودوا إليهم في نعوش ملفوفة بالأعلام اللبنانية.

وفي الوقت الذي يُبدّل الجيش عناصره على الجبهات الأمامية، تُعبّر العناصر الموجودة على مداخل اللبوة عن «حرقة» وأمنية وتوق للإنضمام الى رفاقهم على خطوط القتال الأمامية.

ويستقدم الجيش إلى ساحة المعركة الدبابات والراجمات والسيارات الرباعية الدفع، وقلّة من اللبنانيين يعرف طبيعة المعركة، وكثر لا يقدّر حجم التحدّي، حيث يقاتل الجيش اللبناني في منطقة مكشوفة عسكرياً وفي جبال وعرة، يواجهون إرهابيّين لا دين لهم ولا رحمة.

يقاتل الجيش حتى الموت، همّه حماية المدنيين الرهائن، يسيطر على التلال المشرفة على عرسال من أجل ردّهم عن البلدات المجاورة، مستخدماً غطاء مدفعياً، حيث تسمع أصوات القصف من الجوار.

الواقع العرسالي

يتخذ المسلحون من عرسال رهينة، ويُطالب الأهالي بتدخّل الجيش لحسم المعركة ودحر المسلحين الذين يستبيحون بلدتهم، ففي عرسال لا توجد بيئة حاضنة لهم، بل هناك دعم من الأهالي للجيش في حربه على من سرق بلدتهم، في وقت يتساءل الجميع كيف يعيش العراسلة، والحصار مستمرّ منذ نهار السبت، والبلدة يقطنها نحو 150 ألف نسمة، فمِن أين تأتي المؤن والأكل.

ويروي أهالي البلدة أن جميع البيوت تتموّن بالخبز والأكل في الأيام العادية، لأن لا وجود لدكاكين كبيرة ومعظمهم يتموّن من بعلبك، كذلك فإن البلدة استحدثت مخابز وأفران وطوّرتها، لكن المشكلة في استنفاد مادة الطحين.

كذلك بالنسبة للمحروقات، لكن الأهالي لا يستطيعون التنقّل وسط القصف، لذلك لن تكون مشكلة، ويلفت عدد كبير منهم الى أنه اذا طالت المعارك، فإن المؤن ستنفد مع وجود نحو 120 ألف لاجئ سوري، أما المياه فتؤمّن من آبار البلدة.

وبالنسبة الى سير المعارك، فإن القذائف تسقط بالقرب منهم، فيما المسلحون يسرحون ويمرحون داخل البلدة وينسحبون ساعة يشاؤون ليعودوا بعد وقت قليل. وفي الحرب تنشط مافيات السرقة، وتطلق العصابات الرصاصة الأولى على أقفال المحلات والمنازل، لذلك فإن عدداً كبيراً من المنازل نُهب، وهناك نحو 60 مصاباً من العراسلة يتداوون بشكل بدائي.

تحرّك المقاتلين

يتوزّع المسلحون في معركة عرسال على ثلاث مناطق جغرافية، ويقدّر عدد الذين يخوضون معارك مباشرة مع الجيش بنحو 3 آلاف مسلّح انفلشوا في البلدة والتلال الأمامية، أما النقطة الثانية لتمركز المسلحين فهي داخل مخيمات النازحين وما وراءها، وصولاً الى جرود عرسال، أما التمركز الأكبر فهو على الحدود اللبنانية – السورية، حيث تقدّر مصادر أمنية عددهم بنحو 20 ألف مسلّح ينتمون في معظمهم الى «داعش» و«النصرة» والتنظيمات الجهادية، ولم يعد من وجود لـ«الجيش السوري الحرّ»، ومعظمهم إنتحاريون يقاتلون حتى الموت، لكن لا يديرهم رأس واحد، بل هم مجموعات برؤوس متعدّدة.

الحرب الصعبة

يخوض الجيش اللبناني في عرسال حرباً من أصعب الحروب التي قد تحصل، لأنها تجمع بين عاملين هما لصالح المسلّحين، العامل الأول تحصّنهم بالمدنيين، والعامل الثاني طبيعة المنطقة الجغرافية.

وفي هذا السياق يكشف مصدر ميداني لـ «الجمهورية» أنّ «هدف الجيش الأوّل هو إبعاد نيران المسلحين ووقف تمدّدهم الى القرى المجاورة، وقد نجح في هذه الخطوة، والهدف الثاني هو إخراجهم من عرسال ومطاردتهم في الجرود»، مشيراً الى أن «تحصّنهم داخل البلدة يدفع الجيش الى القتال بطريقة مدروسة حفاظاً على أرواح المدنيين، فيما تشكّل الجبال تحصينات طبيعية للمسلحين».

لكنه يؤكد في المقابل أن «الجيش اللبناني يستطيع أن يتعامل مع هذه الحال بشكل جيد، لأن تدريبه قائم على هذا النوع من الحروب وفقاً لطبيعة لبنان الجبلية، وكذلك فهو لا يستعمل سياسة الأرض المحروقة بل تهمّه أرواح المدنيين، وبالتالي فإنّه حشد ما يزيد عن 3 آلاف عنصر من قوّات النخبة والألوية الخاصة والمقاتلة، ويستعدّ للحسم، لكنّه يخشى من أن يكون المسلحون قدّ استخدموا عامل التفخيخ وفخّخوا كل الأبنية والطرقات داخل عرسال على طريقة نهر البارد».

الطيران

تتطلّب هذه المعركة استخدام جميع انواع الأسلحة، بما فيها سلاح الطيران، لكن حتّى الساعة لم يدخل هذا السلاح في المعركة بقوّة على رغم قيامه ببعض الغارات المحدودة، ويقول المصدر أن عدم دخول الطيران يعود لأسباب عدّة، أبرزها: أن الساعات الأولى من المواجهات لم تكن تحتاج الى الطيران، لأن المدفعية أمّنت غطاء نارياً أجبر الإرهابيين على التراجع ومكّن الجيش من استعادة التلال.

أمّا الآن فقد باتت المعركة داخل البلدة، ولا يستطيع الجيش استخدام الطيران خوفاً من سقوط ضحايا مدنيين، وكذلك، فإن السلاح الجوّي للجيش اللبناني يقتصر على المروحيات، وبما أن المنطقة جبلية والمسلحين يملكون مضادات للطيران، فإن بإمكانهم إسقاط المروحيات، لكن المصدر يؤكد أنّ هناك مفاجآت على هذا الصعيد، حيث يُحضرون ضربات خاطفة وسريعة».

الجوار

يحاول جوار عرسال إحتواء الأزمة قبل الداخل العرسالي، لأن تمدّد نار الفتنة سيدفع المنطقة الى هاوية لا مفرّ منها، خصوصاً أنّ عدداً من العائلات نزح الى بلدة اللبوة، لأن له أقارب فيها، ويسيطر الحذر على اللبوة، ويراقب شباب البلدة الوضع ويتنبّهون لكل حركة.

المحال فتحت أبوابها، لكن الحركة خجولة، فالبلدة تأثرت بما حصل ولا يمكنها ان تكمل حياتها بشكل طبيعي وسط الخطر الذي يهددها. ويتعامل أبناؤها مع النازحين العراسلة على أنهم أبناؤهم على رغم الخلافات السابقة.

ويفضّل النازحون العراسلة عدم الكلام ولا يخفون غضبهم على من استقبلوهم في بيوتهم فغدروا بهم، ويصرّ إبن بلدة اللبوة الشيخ عباس شريف في حديث لـ«الجمهورية» على أن «عرسال واللبوة حارة واحدة، ولن تدخل روح الطائفية بيننا، فهم يأتون الى منازلهم على أمل أن تنتهي مأساتهم قريباً، داعياً الى دعم الجيش اللبناني، ومبدياً عدم تخوّفه من تمدّد الإرهابيين، لأن الجيش ردّهم الى الجرود.

ويُقدّر عدد العائلات النازحة الى اللبوة بنحو 50 عائلة، فيما قصد باقي العراسلة أقارب لهم في بعلبك والجوار، حيث يشدّد الجيش مراقبته، وينشر حواجز على طول الطرق المؤدية الى كل بلدة.

أمام هذا الواقع، فإن خيار الجيش واضح وهو القضاء على الإرهاب وعدم المساومة على أيّ ذرّة من تراب الوطن.