IMLebanon

الجيش في ذروة عنفوانه

الآن، والدولة مهددة بالاضمحلال، او التفكك، او الحرب المذهبية التي لا تبقى ولا تذر، هل يمكن ان نتصور ان الخطة التي اعدتها التنظيمات الاسلامية المتشددة، ومن وراءها ( وفوقها) بطبيعة الحال، تتوقف عند حدود عرسال ام انها تغطي كل الاراضي اللبنانية التي عيّن الخليفة ابو بكر البغدادي والياً عليها عبد السلام الاردني؟

لا يمكن الا النظر بالاشعة ما تحت الحمراء الى ما يجري. منذ البداية كان واضحاً ان ثمة انظمة عملت على تسويق الفوضى، الفوضى المذهبية تحديداً. هذا هو سبيلها الوحيد ليبقى لها موطئ قدم في القرن الذي لم يعد ليتحمل ديكتاتورية وحيد القرن وجنون وحيد القرن.

الذي حدث ويحدث في عرسال، على امل الا ينتقل الانفجار الى مكان آخر ووفقاً للبرمجة الموضوعة، امتداد عضوي للذي يحدث في سوريا والعراق، دون ان يكون ذلك مرتبطاً ببشار الاسد او بنوري المالكي، فالمهم هو تحويل المجتمعات، والدول، الى حطام لكي لا تبقى هناك سوى الانظمة التي لطالما قيل انها اسوأ بكثير من ان تليق بالقرون الوسطى.

بعضنا وقع في الخطأ واعتبر ان تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» مجرد فقاعة ايديولوجية تعمل في اطار تكتيكي فحسب، قبل ان تتبين فاعلية بنيتها التنظيمية والعملانية، وبالصورة التي تؤهلها فعلاً لتقويض اي دولة في المنطقة، وان بات معلوماً ان بعض الانظمة تلقت رسائل اميركية بأن بقاءها يعني بقاء… اميركا.

مبدئياً، سقطت كل التنظيمات التي لم ترق، في حال من الاحوال، الى مرتبة التعهدات. السفراء يرون فينا دولة الكازينو لا دولة الخندق. لاحظتم كيف ان المهرجانات قائمة على قدم وساق. هناك لبنان الآخر. اما الوصول الى مدينة بعلبك فيكاد يكون، لاهوال الطريق، بين الحمراء بلازا ومطار رياق اشبه ما يكون بالوصول الى وادي الرعيان في جرود عرسال (هل يمر من هناك اصحاب معالي وزير الاشغال غازي زعيتر واصحاب السعادة النواب؟). مناطق تنتمي الى دولة الخندق واخرى تنتمي الى دولة الكازينو. لماذا الاستغراب اذاً اذا كان «ابو طاقية» في عرسال هو الذي يقود الناس الى الجنة؟

بدا الجيش في ذروة عنفوانه وكأنه يقف وحيداً وعارياً في الحلبة. كيف يمكن لتيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري، بمواقفه حيال الجحافل الآتية من اصقاع الدني، وربما من اصقاع الآخرة، ان يغض الطرف عن مواقف خالد الضاهر ومحمد كبارة ومعين المرعبي الذي بدوا داعشيين اكثر من ابي الحسن الفلسطيني وربما اكثر من ابي مصعب الزرقاوي.

هل يخشى التيار الذي اسسه رفيق الحريري، وهو من هو، ان يخسر قاعدته في الشمال اذا ما قرر تجميد عضوية هؤلاء او فصلهم من كتلة المستقبل، كما لو ان المعركة التي استشهد فيها المقدم نور الجمل، ومعه ضباط آخرون وجنود آخرون، ليست «معركة وجود»، كما وصفها وليد جنبلاط الذي تنبه اخيراً الى اين يتدحرج حجر قايين، بل والى اين تتدحرج خيول هولاكو.

جيش يحرم حتى من سلسلة الرواتب من اجل عيون مغتصبي المال العام، والملك العام، عليه ان يواجه بالاسلحة التي يمنّ البعض عليه بها من مخازنهم الهائلة ( اين هي مخازن العرب؟) للتصدي لالآف المقاتلين الذين من لا يعرف ومن لا يرى كيف يمتلكون الاسلحة المتطورة التي ربما انتهت الى ايديهم من المخازن اياها. ثمة دمى تقطع الرؤوس، وثمة دمى برؤوس مقطوعة. هذه هي المعادلة الفذة لتبقى الانظمة العفنة والقبائل العفنة والايديولوجيات العفنة.

نسأل عن اثرياء البلد الذين فاقوا بخلاء ابي عثمان الجاحظ بايديهم المقطوعة، بل وبضمائرهم المحطمة، فهل هم عاجزون عن ان يتبرعوا بالنزر اليسير من ثرواتهم، وغالباً ما تكون ثروات المافيا، لتسليح الجيش بالاعتدة الحديثة بدلاً من ان تقف اللائحة في الاليزيه حيث ينتظر فرنسوا هولاند رأي العّراب (او الحاخام او النبي) الاسرائيلي في اللائحة التي اعدتها قيادة الجيش اللبناني والتي تعلم تماماً انه يحظر تزويد هذا الجيش حتى بطائرات الهيلوكبتر التي تحمل الصواريخ او حتى بأجهزة التشويش على اجهزة الاتصال لدى ارهابيي بنيامين نتنياهو او لدى ارهابيي ابي بكر البغدادي.

اثرياء وحفاة. حفاة الراس وحفاة القدمين. لبنانيو الكازينوات وليسوا لبنانيي الخنادق الذين يحاولون اخماد الحرائق، الآتية من قاع الازمنة كما من قاع الايديولوجيات. الم يقرع الاخضر الابراهيمي ناقوس الخطر، فيما نحن والغون في ذلك الجدل الغبي حول الاستراتيجية الدفاعية، اذ يفترض ان نواجه «داعش»، كما نواجه اورشليم، بالقفازات الحريرية.

هذه لحظة البقاء واللابقاء. لا مجال لوقف المغول، المغول الجدد، الا بالتنسيق مع دمشق. حقيقة يدركها القادة السياسيون في ابراجهم العاجية كما القادة العسكريون في ارض المعركة، فهل ترانا نتخلى عن دونكيشوتيتنا، وعن بهلوانياتنا الرثة، ونضع يدنا بيد سوريا لمواجهة ليس فقط مقاتلي الكهوف بل ومقاتلي المخيمات الذين لا يمكن ان يقل عددهم عن المائة الف، وهم ليسوا في عرسال وحدها بل في كل الارجاء اللبنانية؟

الا اذا كان خيارنا اللابقاء. هو المرجح…!