IMLebanon

الجيش مصمم على تحرير عرسال من محــتليها

في عرسال المحتلة من «داعش» و«جبهة النصرة»، أُطلقت النيران على سيارة الشيخ سالم الرافعي. نجا إلّا من إصابة طفيفة. لكن الإصابة القاتلة كانت من نصيب مسعى هيئة علماء المسلمين الرامي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في البلدة، وهو الأمر الذي اشترط الجيش لتحقيقه تحرير العسكريين المخطوفين وتحرير عرسال من محتليها

لم يكد ينطلق مسعى هيئة علماء المسلمين للبحث في بدء حوار يتناول إمكان وقف إطلاق النار في عرسال، حتى تعرّض هذا المسعى لإطلاق نار، بالمعنى الحرفي للكلمة. فأثناء عودته من البلدة التي يحتلها مسلحو «داعش» و«جبهة النصرة»، اطلق مجهولون النار على سيارة الرئيس السابق للهيئة، الشيخ سالم الرافعي، ما أدى إلى إصابته بجرح طفيف في إحدى قدميه، وإصابة أحد مرافقيه، الشيخ جلال كلش، في رقبته. كذلك أصيب أحد من كانوا في السيارة مع الرافعي، ويدعى نبيل الحلبي، بجروح طفيفة أيضاً. ونقل المصابون للمعالجة في أحد مستوصفات البلدة.

السيارة لم تكن قد غادرت عرسال، وتضاربت الروايات بشأن مطلق النار. ففيما أكدت مصادر أمنية رسمية أن من أطلقوا النار ينتمون إلى الجماعات المسلحة التي تحتل عرسال، قالت مصادر مقربة من الرافعي أن «من كانوا مع الشيخ سالم في عرسال يرجّحون أن يكون إطلاق النار قد تم من جهة موقع الجيش في مهنية عرسال».

ومن المنتظر أن يترك هذا الحادث آثاراً سلبية على وساطة الهيئة، وعلى الأوضاع في البلاد عموماً، وفي الشمال خصوصاً.

وفد هيئة العلماء كان قد توجه إلى عرسال، حاملاً 4 شروط:

1- وقف إطلاق النار.

2- تحرير الأسرى العسكريين والأمنيين، وكشف مصير المفقودين.

3- تأمين الاحتياجات الإنسانية، الاهتمام بالجانب الإنساني.

4- انسحاب المسلحين من عرسال وجرودها إلى الأراضي. السورية.

الوفد كان سيحمل هذه اللائحة إلى نائب أمير لواء «فجر الإسلام» عماد جمعة، والأخير يتبع لتنظيم «داعش»، وموقوف لدى استخبارات الجيش اللبناني منذ يوم السبت الماضي. وهو الذي استغل مقاتلو «داعش» وحلفاؤهم توقيفه ليحتلوا بلدة عرسال. وقبل أن ينطلق، كانت مصادر وزارية تعبّر عن تشاؤمها، قائلة إن المسلحين لن يتجاوبوا مع شرط خروجهم من عرسال. والحل؟ أجابت المصادر الوزارية المنتمية إلى فريق 14 آذار: الصمود والقتال والالتفاف حول الجيش في معركته.

كلام العسيريلم يتضمن موقفاًواضحاً يدعم الجيش في حربه على الإرهاب

ورداً عل سؤال، تقول المصادر إن إحدى الفرضيات لما بعد الفشل المتوقع للمسعى تقضي بفتح «ممرات إنسانية لإخراج المدنيين من البلدة. وهذه عملية ضخمة، إذ إن عدد المدنيين في عرسال يفوق الـ100 ألف نسمة».

هذا الرقم هو ما يؤرّق الجيش حالياً، ويحول دونه ودون القتال في البلدية البقاعية. تقول مصادر عسكرية إن الجيش لم ينه بعد المرحلة الأولى من معاركه في محيط عرسال. وهذه المرحلة تتضمن تأمين مراكزه وحمايتها وتأمين التواصل في ما بينها. وبحسب ما أعلنت المؤسسة العسكرية، فإن قطعاتها المقاتلة تمكنت من تحقيق جزء كبير من هذا الهدف، لكن المسلحين لم يتوقفوا عن مهاجمة مواقع الجيش. وحتى ساعات فجر اليوم الأولى، استمر سقوط الشهداء في صفوف الجيش، ليرتفع العدد إلى 16 شهيداً، جرى قتل بعضهم بطريقة وحشية. كذلك ارتفع عدد المفقودين إلى 20، نتيجة للمعارك العنيفة التي يخوضونها، والقصف الذي لم يتوقف على مواقعهم. ورفضت مصادر عسكرية رفيعة المستوى الحديث عمّا بعد المرحلة الأولى من القتال.

وكان قائد الجيش العماد جان قهوجي أمس واضحاً في كلامه مع الوفد الذي زاره، والذي ضم النائب جمال الجراح ومفتي البقاع الشيخ خليل الميس والشيخ سالم الرافعي، عارضاً القيام بوساطة لتحقيق وقف إطلاق النار في عرسال. وردّ قهوجي بأن أي حديث عن هدنة أو وقف لإطلاق النار غير ممكن قبل كشف مصير العسكريين المخطوفين والمفقودين في عرسال. وأكّد قهوجي أن الجيش مصمم على تحرير عرسال من احتلال المسلحين التكفيريين، وأنه لن يتوقف عن إطلاق النار حتى خروجهم من الأراضي اللبنانية.

وانتهى الاجتماع باتفاق على اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تتيح لوفد من هيئة علماء المسلمين دخول عرسال.

سياسياً، اتسعت رقعة الغطاء المحلي والدولي الذي يحظى به الجيش في معركته، وسط صمت سعودي لافت. السفير السعودي علي عواض العسيري الذي زار الرئيسين نبيه بري وتمام سلام مودعاً (سينتقل إلى باكستان)، لم يطلق موقفاً واضحاً تأييداً للجيش في معركته. لكن الصمت السعودي لم ينسحب على تيار المستقبل. فرئيسه النائب سعد الحريري أوعز إلى مسؤولي التيار بإعلان التأييد المطلق للجيش في معركته. وشذّ عن هذا التوجه النائبان معين المرعبي وخالد ضاهر اللذان خفضا سقف كلامهما، من دون أن يتوقفا عن مهاجمة المؤسسة العسكرية. وفيما لم يتضح بعد ما إذا كان أداء النائبين الشماليين يدخل في إطار تقاسم الأدوار بين نواب المستقبل، قالت مصادر في التيار الأزرق إن المرعبي وضاهر يتصرفان منذ مدة طويلة بشكل مستقل عن الكتلة.

ميدانياً، جرت تحركات على الأرض لمحاولة قطع طرقات في البقاع وطرابلس، سرعان ما طوّقها تدخل الجيش ومسعى هيئة علماء المسلمين. لكن لفت ليل أمس، قبل إطلاق النار على سيارة الشيخ سالم الرافعي في عرسال، انتشار مسلّح في بعض مناطق طرابلس، أسهم تدخل الهيئة في لجمه أيضاً. وتخوّفت مصادر وزارية من تحرك الشارع، في ظل التحريض الذي تمارسه بعض القوى، كالشيخ داعي الإسلام الشهال على سبيل المثال لا الحصر. وقالت المصادر: «حتى لو كانت هذه القوى هامشية، فإن 100 شخص يستطيعون افتعال مشكلة في أي منطقة من المناطق».

دولياً، حظي الجيش بالمزيد من المواقف المؤيدة في مواجهة الإرهاب. وبعد السفير الأميركي، زارت قائد الجيش في اليرزة ممثلة الاتحاد الأوروبي انجيلينا اخهورست، معبرة عن دعم الاتحاد للجيش في معركته ضد الإرهاب. كذلك أكّد مجلس الأمن في بيان دعمه «لجهود القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي في قتالها ضد الإرهاب ومنع محاولات تقويض استقرار لبنان»، لافتاً إلى «ضرورة بذل المزيد من الجهود لبناء قدرات قوى الأمن اللبنانية لمواجهة الإرهاب وغيرها من التحديات الأمنية».

الحكومة: لبنان ضحية عدوان ظلاميّ

داخلياً، وفي موقف واضح يعكس الشعور بالخطر الناتج من الجماعات التي احتلت عرسال واعتدت على الجيش والقوى الأمنية، أكد رئيس الحكومة تمام سلام بعد جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية التي ترأسها أمس، أن «لبنان يتعرّض لعدوان صريح على سيادته وأمنه، من مجموعات إرهابية ظلامية، انتهكت السيادة الوطنية وتطاولت على كرامة الجيش والقوى الأمنية، تنفيذاً لخطة مبرمجة مشبوهة». وأشار إلى أن «مجلس الوزراء قرّر استنفار كل المؤسسات والأجهزة الرسمية اللبنانية للدفاع عن البلد». وأضاف سلام أن «هذه المسؤولية ملقاة في الدرجة الأولى على السلطة السياسية بمؤسساتها الدستورية كافة، كما على جميع المرجعيات والقوى السياسية المختلفة، وهي ملقاة بالمقدار نفسه على قواتنا المسلحة من جيش وقوى أمنية»، مؤكداً أن «الحكومة لن تدخر أي جهد في سبيل تزويد الجيش كل ما يحتاج إليه». وكشف سلام أنه «أجرى اتصالات دولية عدة، وطلب من السلطات الفرنسية تسريع عملية تسليم الأسلحة التي سبق الاتفاق عليها، في إطار صفقة التسليح الممولة من المملكة العربية السعودية». وتابع: «إننا نؤكد أن لا تساهل مع الإرهابيين القتلة، ولا مهادنة ولا حلول سياسية مع التكفيريين، والحل الوحيد المطروح اليوم، هو انسحاب المسلحين من عرسال وجوارها، والإفراج عن جميع العسكريين اللبنانيين المحتجزين، وعودة الدولة بكل أجهزتها إلى هذه المنطقة اللبنانية العزيزة». ودعا الجميع إلى «الالتفاف حول القوى المسلحة الشرعية».

بدورهم، لم يجد الوزراء على مختلف انتماءاتهم عقبة في الاتفاق على قرار «دعم الجيش في معركته ضد المجموعات المسلحّة حتّى الرمق الأخير». أغلب الوزراء وصفوا الجلسة التي عقدت ظهر أمس في السرايا الحكومية بأنها «أكثر من جيدة»، ولا سيما أن «المحادثات والمناقشات التي حصلت جميعها شددت على موقف حاسم لدعم الجيش وعدم تسليم البلد للمجموعات الإرهابية». وقال مصدر وزاري لـ«الأخبار» إنها «المرة الوحيدة التي لم تشهد فيها الحكومة منذ تشكيلها في جلستها أي سجال أو خلاف ولا حتى تعارض بسيط في المواقف». ونفى المصدر أن «يكون ما نُشر حول عدم وجود غطاء سياسي للجيش من قبل تيار المستقبل صحيحاً»، مؤكداً أن «مواقف كل من الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة والوزيرين نهاد المشنوق وأشرف ريفي كانت واضحة، ولم يكُن هناك تعارض بين موقف المستقبل ومواقف الأطراف الأخرى داخل الحكومة، على الأقل في الظاهر». وأشار المصدر إلى جملة من الأسئلة التي طرحها الوزراء خلال المناقشة، ومنها: «هل هو مسموح للمؤسسة العسكرية أن تخسر، أو أن تسمح القوى السياسية للجماعات الإرهابية باستباحة الأراضي اللبنانية كما حصل في عرسال؟»، الأمر الذي رُفض بالإجماع والتشديد على «دعم المؤسسة العسكرية بشكل كامل، من دون أي تحفظ». وفي السياق نفسه، أكد مصدر وزاري مقرّب من سلام أن «أياً من وزراء 8 آذار لم يدخل في سجال مع ريفي على خلفية ما قاله بشأن الحل السياسي»، مشيراً إلى أن «وزير العدل شرح وجهة نظره التي تقول إنه في العادة يتم اللجوء إلى الحلّ العسكري بعد استنفاد كل الحلول». وأضاف أن «وزير الداخلية بدوره قام بمداخلة تحدّث فيها عن ضرورة الاتفاق على دعم الجيش ووضع كل الخلافات جانباً، فنحن شاركنا جميعنا في هذه الحكومة ونعلم أننا مختلفون حول العديد من القضايا، لكننا اتفقنا على تأجيل كل النقاط الخلافية والوقوف معاً في القضايا المهمّة». وقال المصدر إن «الهدنة التي حُكي عنها ليست سوى فرصة للمجموعات المسلّحة كي تدرك أن لا بيئة حاضنة لها في لبنان ولن تجدها».