الجيش يتعامل بحزم مع «فخّ عرسال»: الأولوية لإستعادة المفقودين وطرد المسلّحين
سلام يجري إتصالات لتسريع تسليم الأسلحة الفرنسية والقيادات الإسلامية تطالب «مسلّحي النصرة» بالمغادرة
بعد ساعات من المؤتمر الصحافي، النادر، الذي عقده قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، حيث تعهّد بردّ «حاسم وحازم» لمنع «نقل المعركة» الى لبنان من سوريا ومطالبته «جميع المسؤولين السياسيين والروحيين الى التنبّه مما يرسم للبلد»، وفّرت الدولة، بسرعة الغطاء السياسي للقوى العسكرية اللبنانية التي تخوض معركة ميدانية معقدة في بلدة عرسال ومحيطها ضد «عناصر مسلّحة غريبة وتكفيرية». وأكّد الرئيس تمام سلام، خلال الاجتماع الأمني الذي عُقد في السراي الكبير مساء أمس «حرص الحكومة على عدم توفير أيّ جهد لتأمين مستلزمات الجيش» في المعركة التي يخوضها دفاعاً عن السيادة اللبنانية.
ودعا الرئيس سلام مجلس الوزراء الى جلسة استثنائية اليوم، في إطار مواكبة الحكومة للعمليات الميدانية التي يتولاها الجيش اللبناني لتجاوز «قطوع فخ عرسال» الذي نُصب في لحظة سياسية حرجة لبنانياً وإقليمياً، وعلى قاعدة أن «الحكومة تتعامل مع الاعتداءات على الجيش في عرسال بأقصى درجات الحزم والصلابة».
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ «اللواء» عدم التخلي عن الجيش في معركته في عرسال، لأن البديل عنه «داعش أو الفوضى، والفوضى أفضل من داعش»، نافياً دخول جهات إقليمية على خط التهدئة، مؤكداً أن هناك جهات معنية من النواب وأهل المنطقة يقومون بواجباتهم.
وأكد درباس أن مجلس الوزراء اليوم سيخرج بتأكيد واضح على أهمية توفير الغطاء للجيش اللبناني.
وفيما نفت مصادر معنية أن يكون وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ووزير العدل اللواء أشرف ريفي شاركا في الاتصالات لمعالجة الوضع في عرسال، بما في ذلك التوصل الى «هدنة إنسانية» اقترحتها هيئة العلماء المسلمين، واشترط الجيش اللبناني إطلاق الجنود المفقودين أو المحتجزين عند «الجماعات المسلحة»، كانت قيادة الجيش تؤكّد أن الوحدات العسكرية تمكّنت من طرد المسلحين من مبنى مهنية عرسال، بعد استعادة مركز «تلة الحصن»، الذي خسره الجيش، بعد الهجمات التي استهدفت مراكزه فجراً، في جرود عرسال.
وليلاً، كُشف النقاب عن التوصل لهدنة إنسانية لـ 12 ساعة، على أن تعقد الهيئات المدنية اجتماعات مع الهيئة العليا للإغاثة لتنسيق دخول المساعدات الإنسانية.
لا تهاون مع المسلّحين
وبصرف النظر عن مآل الهدنة، فإن مصادر مواكبة لمجرى العمليات الميدانية، التي تستخدم فيها المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ والطيران نسبت الى مراجع قيادية أن الجيش اللبناني لن يتهاون في التعامل مع المسلحين، وأن الأولوية لاستعادة المفقودين والمحتجزين من جنوده وعسكرييه، وإبعاد المسلحين عن تخوم عرسال، ومحيطها، فضلاً عن ملاحقة المسلحين الذين اعتدوا على مراكزه وعلى عناصره.
وقالت المصادر أنه إذا لم تفلح الهدنة أو الجهود المبذولة لتحقيق هذه الأولويات، فإنه لا مفرّ من هجوم واسع لمنع هؤلاء من الانتشار وأخذ الأهالي متاريس يختبئون خلفها.
وقالت المصادر أيضاً أن القوى العسكرية تأخذ بالاعتبار احتمالات أن تلجأ «المجموعات المسلّحة» الى توسيع رقعة اعتداءاتها، وأنها متنبّهة لمثل هذه المخاوف، واتخذت ما يلزم من إجراءات للتعامل معها.
وليلاً، ارتفعت حصيلة الخسائر البشرية التي أصابت الجيش اللبناني من جراء المواجهة، فبعد سقوط 10 شهداء، وإصابة 25 بجروح بينهم 4 ضباط، وفقدان 13 جندياً، ترددت معلومات ميدانية عن إصابة ضابط برتبة مقدّم، وفقدان الاتصال بضابطين آخرين.
وكشف مصدر وزاري بارز أن الرئيس سلام أجرى اتصالات مع المملكة العربية السعودية وفرنسا لتسريع تزويده بالأسلحة الضرورية، من صواريخ ومدافع وعتاد وطائرات لجعله أكثر قدرة على السرعة بحسم المعركة، وإخراج البلد من اتون النار الممتدة إليه من الحرب السورية، من المناطق الحدودية.
وقال المصدر أن الأولوية، ستعطى للجيش لضبط الحدود ومنع المسلحين الوافدين من سوريا من الدخول الى أراضيه، فضلاً عن ضبط مخيمات اللاجئين السوريين.
دولياً، نددت وزارة الخارجية الأميركية على لسان المتحدث باسمها جنيفر بساكي بالهجمات المسلحة على الجيش اللبناني، داعية الأفرقاء في لبنان إلى الحفاظ على حياد البلد في مواجهة النزاعات الإقليمية.
وادان الائتلاف الوطني السوري الهجوم على الجيش اللبناني، مشيراً إلى أنه لا يخدم الثورة السورية، مؤكداً «ضرورة احترام سيادة الدولة اللبنانية واستقرارها» محملاً حزب الله مسؤولية «الفوضى على الحدود اللبنانية – السورية» والتي اغرت البعض «بالسعي الى انتهاك سيادة لبنان وزعزعة امنه واستقراره».
الهدنة
وفي الوقت الذي طالب فيه الرئيس فؤاد السنيورة المسلحين الآتين من خارج عرسال إلى الانسحاب منها، وأكّد فيه الوزير ريفي أن الحل في عرسال «ليس امنياً أو عسكرياً بل سياسياً»، دعت «هيئة العلماء المسلمين» «لوقف فوري لاطلاق النار»، وفتح المجال للبحث عن حل سلمي يضمن اطلاق سراح أبناء الجيش وعودة المسلحين الى سوريا».
وطلب اللقاء الوطني الطرابلسي، الذي انعقد في منزل النائب محمّد كبارة المسلحين السوريين الانسحاب من هذه البلدة الصابرة، رافضاً «تكرار مؤامرة عبرا في عرسال» واستخدام ابنائنا المدنيين والعسكريين وقوداً للدفاع عن مشروع «حزب الله» وايران».
وأبلغ عضو هيئة العلماء المسلمين القاضي الشيخ أحمد الكردي انه جرى الاتفاق على هدنة تبدأ بين التاسعة والعاشرة مساء، لكن سريان وقف النار لم يحصل.
واتهم الكردي أن هناك طرفاً ثالثاً يحول دون تنفيذ هذا الاتفاق.
وأضاف انه دخل وقف النار حيز التنفيذ، فان هيئة العلماء ستشكل وفداً منها سيدخل إلى البلدة، بالتنسيق مع مفتي البقاع الشيخ خليل الميس، ومعه مساعدات إنسانية غذائية وطبية.
وكشف أن ما حصل في عرسال من تدمير واستهداف للمنازل ومخيمات النازحين، تسبب بوضع انساني خطير، حيث أن هناك عشرات القتلى والجرحى، وحجم الدمار كبير في المنازل والممتلكات.
وليلاً، تحدثت «النصرة» عبر تويتر عن أن لا صلة لمحمود جمعة بالنصرة، وهي على استعداد للخروج من عرسال إذا عولج الوضع (في إشارة إلى المطالبة بإطلاق سراحه).
وعلمت «اللواء» أن الجيش ليس بوارد إطلاق سراح جمعة مقابل إطلاق الجنود الـ13 المحتجزين عند العناصر المسلحة.
ودعت الهيئات الاغاثية والتموينية الأطراف المتنازعة إلى تحييد المدنيين، وعدم زج مخيمات اللاجئين بالمعركة محذرة من التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تنتج عن سقوط ضحايا ابرياء في البلدة أو حرائق كارثية.
التداعيات
وتخوفت مصادر عليمة من حصول تحركات لبعض «الجماعات المسلحة» في المخيمات، لا سيما لجهة قطع طريق الساحل، لاحداث بلبلة في بعض المناطق، داعية لزيادة التنسيق بين الأجهزة اللبنانية والفلسطينية لمنع حصول مثل هذه التداعيات.
وفي طرابلس، كانت احداث عرسال ترخي بظلالها على الوضع، حيث حصلت تعديات على نقاط الجيش في الريفا وطلعة العمري ودوار أبو علي في شارع سوريا، ما أدى إلى سقوط بعض الجرحى.
وتحركت فاعليات المدينة، لوقف التحرشات بالجيش اللبناني، والحفاظ على الخطة الامنية في المدينة.
عرسال: الوضع الميداني
ميدانياً، عاشت عرسال، ومعها قرى البقاع المجاورة، يوماً ثانياً من القصف والاشتباكات بين عناصر الجيش اللبناني والوحدات المنتشرة في جرود وداخل بلدة عرسال.
وأفادت تقارير في داخل البلدة، أن العناصر المسلحة تنتشر داخلها بالمئات، وأن قسماً من الأهالي غادروها، بعد ما حالت العناصر المسلحة في مغادرة القسم الأكبر من المواطنين..
وأفادت التقارير أن الجيش يطوق البلدة، لا سيما لجهة المدخل الغربي، وتجري ملاحقة العناصر المسلحة، على أكثر من محور.
وكانت الاشتباكات اندلعت أثر توقيف السوري «عماد جمعة» الذي كشف قائد الجيش في مؤتمره الصحفي، بأنه كان يقوم «بجولة» لوضع اللمسات الأخيرة على عملية واسعة للسيطرة على مراكز ومواقع الجيش، نافياً أن يكون توقيفه تسبب بالمعارك.
وأفادت قيادة الجيش أنه بعد توقيف حصل انتشار للمسلحين الذي طالبوا بالافراج عنه، وعمد هؤلاء إلى خطف جنديين وهم من جنسيات متعدة، فاتخذة القيادة الإجراءات الفورية وردت باطلاق النار على مركز المسلحين وأماكن تواجدهم، وأكدت القيادة أن الجيش لن يسمح لأي طرف بنقل المعركة من سوريا إلى لبنان.
وأوضح مصدر عسكري لوكالة الصحافة الفرنسية ان المسلحين «شنوا بأعداد كبيرة، هجمات متزامنة على المواقع العسكرية، انطلاقاً من ثلاث جهات هي بلدة عرسال، ومخيمات النازحين السوريين على أطرافها، والمناطق الجردية».
وأمكن لمراسل الوكالة في بلدة اللبوة سماع أصوات إطلاق القذائف وتصاعد الدخان الأسود، تزامناً مع استقدام الجيش تعزيزات مؤللة من افواج النخبة واستخدام طائرات للمراقبة.
وفيما نقلت وكالة رويترز عن مصدر السبت الماضي أن حزب الله نشر مقاتلين حول عرسال، نفى وزير الدفاع سمير مقبل ذلك، مؤكداً أن الجيش اللبناني وحده في عرسال.
وشيع الجيش اللبناني عدداً من شهدائه أمس، في حين عبرت أكثر من منطقة لبنانية عن حزنها، وتعاطفها مع شهداء الجيش، لا سيما الضباط الذين سقطوا أو جرحوا، أو فقد الاتصال بهم، ومنهم المقدم الشهيد نور الدين الجمل، حيث شهدت احياء الطريق الجديدة في بيروت تجمعات غاضبة، ومتعاطفة مع الجيش ومع عائلته.