لم يكن ينقص مشهد التأزم الامني والتوتر التصاعدي الذي يعيشه لبنان بمجمله على وقع تلاعب التنظيمات الارهابية المحتجزة للعسكريين الرهائن، باعصاب اللبنانيين وباستقرار البلد، سوى انفلات موجة الخطف الواسعة التي حصلت أمس في البقاع. موجة جاءت بمثابة اذكاء مناخ اضافي حمل طابعاً مذهبياً مقيتاً بين أبناء المنطقة المعتلة أصلاً بأزمة عرسال وما اشتق منها في محنة العسكريين الرهائن، والأنكى انها تفجّرت على خلفية خطف “غير سياسي ” الطابع يتصل بخطف أحد ابناء سعدنايل بقصد ابتزاز فدية، فاذا بها عقب موجة الاعتداءات والملاحقات والمطاردات في مناطق عدة ضد مجموعات من اللاجئين السوريين ترسم عنواناً شديد البشاعة والقتامة لمآل التفلت الامني الذي ينزلق اليه لبنان ولا سيما منه منطقة البقاع.
اشتعلت موجة تبادل الخطف اثر إقدام مسلحين في بلدة الطيبة في بعلبك على خطف ايمن صوان ابن سعدنايل وتركوا شقيقه الذي كان بصحبته، فما ان تبلغت عائلته خبر خطفه حتى عمدت مجموعات من شبان سعدنايل الى قطع الطريق العامة ثم خطفت بدورها ثمانية من ابناء بعلبك بعدما أوقفت عدداً من الفانات التي تعمل على خط النقل العام. ولم تنجح كل المحاولات التي أجريت لفتح الطريق، اذ اشترطت عائلة صوان وابناء سعدنايل اعادته لفتحها واطلاق المخطوفين لديهم، علماً أن الجيش دهم منازل مشتبه فيهم بخطف صوان في بريتال وأوقف زوجتي فردين من العصابة للضغط عليهم.
وعلمت “النهار” ان مراجع رسمية أجرت إتصالات بالجهات ذات الصلة بالتوترات التي شهدها لبنان في الساعات الـ24 الاخيرة وخصوصاً في عدد من مناطق البقاع التي كانت مسرحاً لعمليات خطف. وحذّرت هذه المراجع من ان المرحلة الحالية لا تتحمل المس بالاستقرار وهزّ الاوضاع أكثر مما هي مهزوزة بما يؤثر على سلامة العسكريين وقوى الامن المخطوفين، الأمر الذي لا تتحمل الحكومة المسؤولية عنه. وفهم أن هذه الاتصالات لم تثمر النتائج المرجوة وقت كان الجيش يحرز تقدما في مواجهات مرتفعات عرسال في إطار القرار الحكومي المتخذ سابقاً بفصل مسلحي المرتفعات عن بلدة عرسال.
كذلك علمت “النهار” أن رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام أجرى إتصالات بسفراء الدول المعنية بالتطورات الجارية طالباً منهم ممارسة الضغوط اللازمة على الاطراف الذين لهم تأثير عليهم كي يتم تدارك الامور فلا تتطور نحو الاسوأ.
وتشير معلومات الى ان بعض سفراء الدول الكبرى، الذين عادوا الى أعمالهم بعد الإجازات، عبروا أمام محدثيهم عن أنهم وجدوا الاوضاع اللبنانية الداخلية في حال ليست أفضل مما كانت قبل سفرهم. وإذ حث هؤلاء الزعماء اللبنانيين على ممارسة دورهم في إحتواء التدهور، قالوا إن دولهم لن تتدخل أكثر مما تفعل الآن، ويخطئ كل طرف يظن أن التدهور في لبنان سيجبر دولهم على تغيير حساباتها لإن لهذه الدول أولويات مختلفة في الوقت الراهن.
ولعل اللافت ان مصادر وزارية اشارت الى أن ثمة رغبة لدى قوى مشاركة في الحكومة في هز الوضع الحكومي للضغط على مجرى الاستحقاقات. ومن المتوقع أن تتكثف الاتصالات اليوم مع هذه القوى لثنيها عما تنوي الاقدام عليه كي لا يؤدي الامر الى نقل البلاد من حال الشغور الرئاسي الى حال الفراغ الحكومي. ومن المتوقع أن تكون جلسة مجلس الوزراء العادية بعد ظهر بعد غد الخميس على محك التضامن، إضافة الى ان هناك بنودا مالية على جدول الاعمال قد تثير جدلاً. وعلم ان الرئيس السابق ميشال سليمان سيوجه كلمة قبل ظهر اليوم تتعلق بدعم الجيش اثر لقاء يعقده مع الوزراء القريبين منه.
تلة الحصن
اما التطور الميداني البارز الذي سجل أمس، فتمثل في عملية خاطفة مفاجئة قام بها الجيش بعد الظهر في بقعة يسيطر عليها المسلحون في محلة وادي الحصن بجرود عرسال وتمكن من استعادة مركز رئيسي تعرض لاعنف الهجمات في مواجهة 2 آب المنصرم والذي خطف فيه عدد من العسكريين. ونقل مراسل “النهار” في بعلبك وسام اسماعيل عن مصدر امني ان عملية الجيش أمس أدت الى استعادة تلة الحصن والتلال المحاذية لها بالاضافة الى معابر غير شرعية كان يستخدمها المسلحون للتنقل بين مواقعهم في الجرود وعرسال. وحصلت العملية في شكل مباغت وسريع فلم تستمر سوى نصف ساعة ونفذتها عناصر من الوحدة الخاصة المعززة باللواء الثامن وسط اسناد ناري من المدفعية والدبابات، وتمكن الجيش من تحصين الموقع وتثبيته ونشر مئات الجنود لحمايته .
في غضون ذلك، علمت “النهار” ان عائلة الجندي المخطوف عباس مشيك تلقت مساء امس اتصالا هاتفيا مباشرا منه طمأنها خلاله الى سلامته مع جميع العسكريين وطالبها بالاعتصام اليوم في ساحة رياض الصلح والمطالبة بخروج “حزب الله” من سوريا.
الخارجية والمفوضية
الى ذلك، تكشفت لـ”النهار” ملامح ازمة صامتة تدور بين وزارة الخارجية والمغتربين والمفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين في شأن تنفيذ القرار الحكومي المتعلق باعفاء اللاجئين السوريين من الرسوم اذا قرروا العودة الى بلادهم. وفي معلومات “النهار” ان وزير الخارجية جبران باسيل وجه اخيرا برقية الى رئاسة مجلس الوزراء ووزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية جاء فيها:
“وردنا أنه على أثر اتخاذ مجلس الوزراء قراراً بتاريخ 21/ 8/ 2014 يقضي بإعفاء النازحين السوريين المخالفين من الرسوم المتوجبة عليهم في حال قرروا العودة إلى بلادهم (تشجيعاً لهم على العودة)، أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين UNHCR أرسلت اليهم على هواتفهم الرسالة النصية SMS التالية:
” بتاريخ 21/ 8/ 2014 أعلنت الحكومة اللبنانية أن بإمكان السوريين الموجودين في لبنان بطريقة غير شرعية إما تسوية أوضاعهم أو العودة بطريقة قانونية دون دفع رسوم التسوية، يعمل بهذا القرار لغاية 31/ 12/ 2014، فإذا قررت الخروج من لبنان سوف يتم منعك من دخول الأراضي اللبنانية لمدة ستة أشهر”.
وهو ما يظهر، مرّة أخرى، أن بعض الجمعيات والمنظمات تعمل بعكس هدف الحكومة القاضي بتشجيع وتسريع عودة النازحين إلى سوريا، ما يقتضي منّا اتخاذ الإجراءات اللازمة معهم، بدءاً بتوجيه اللوم”.
كما اتبع ذلك بتوجيه برقية الى مفوضية اللاجئين جاء فيها: “لمّا كانت الحكومة اللبنانية قد اتخذت بتاريخ 21/ 8/ 2014 قراراً بالموافقة على إعفاء النازحين السوريين المخالفين الذين يرغبون بالعودة إلى سوريا من رسوم الإقامة المترتبة عليهم تسوية لأوضاعهم وتشجيعا لمغادرة لبنان بصورة قانونية، وردنا أنكم أرسلتم الى النازحين على هواتفهم الرسالة النصية SMS التالية (اورد نص الرسالة)
وحيث أنه قد وردتنا شكاوى بخصوص عملكم من عدد من الوزارات المعنية وعلى رأسها وزارة الشؤون الاجتماعية، فإننا نلفت نظركم إلى ضرورة التقيّد بسياسة الحكومة اللبنانية في مسألة النازحين السوريين”.