إرتفع أمس منسوب المخاوف من تحوّلِ الوضع المتفجّر في عرسال وجرودها إلى عملية استنزاف طويلة ممنهجَة للجيش سيتصدى لها بشدّة ولن يسمح للمجموعات المسلحة باستدراجه إلى هذا الإستنزاف على رغم تلكّؤ الدول المعنية في دعم وتعزيز قدراته القتالية في مواجهة المسلحين التكفيريين، فيما انهارت ليلاً «الهدنة الإنسانية» التي أعلِن التوصّل إليها، إذ تجدّدت المواجهات بمختلف أنواع الأسلحة على محاور القتال، وذلك بعدما كان تنفيذ هذه الهدنة قد بدأ السابعة مساء وفق حلٍّ يقضي بانسحاب الإرهابيين إلى الأراضي السورية وإطلاق جميع العسكريين المخطوفين لديهم.
وكانت أصوات المدفعية والرشاشات الثقيلة قد سكتت نسبيّاً بعد السابعة مساءً، وتردّدت من وقت إلى آخر رشقات متفرّقة، فيما بدأت فِرق الصليب الأحمر سحبَ المواطنين المصابين إلى خارج البلدة، وذلك في بداية مرحلة تمّ التفاهم بشأنها في اللقاء الذي ترأسَه رئيس الحكومة تمّام سلام، وحضرَه وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل اللواء أشرف ريفي، والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير ووفدٌ من «هيئة علماء المسلمين» وفاعليات عرسالية.
وقالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» إنّ البحث تركّز حول الخطوات العملية المؤدية الى الافراج عن جميع المحتجزين من عناصرالجيش وقوى الأمن، وانسحاب الإرهابيين من البلدة تمهيداً لدخول القوى المسلحة الشرعية إليها، لإعادة الوضع الى طبيعته.
مسوّدة اتّفاق
وتبَلّغَ المجتمعون من «هيئة علماء المسلمين» ما سُمّي «مسوّدة اتّفاق» من ثلاث نقاط أساسية تتركّز على:
• إتّفاق على وقف إطلاق النار مع المسلحين لمدّة 24 ساعة، تبدأ عند السابعة مساء اليوم الثلثاء (أمس).
• إدخال مساعدات إنسانية وغذائية الى عرسال وإجلاء الجرحى.
• بعد ثبات وقف إطلاق النار، الإفراج عن جميع المحتجزين من أفراد القوى المسلحة اللبنانية، وانسحاب المسلحين من عرسال.
وقالت مصادر وزارية شاركت في اللقاء لـ«الجمهورية» إنّ هذا «الاتفاق» قابل للتطبيق بعدما عبّر المسلحون في إفراجهم عن ثلاثة عسكريين مخطوفين عن حسن نيّة، وبعدما تبيّن أنّ جميع المخطوفين العسكريين بخير، وهم موجودون في عرسال، خلافاً للروايات التي تحدّثت عن نقلِهم الى خارجها. كما أكّد قادة الإرهابيين النيّة بالانسحاب من عرسال بعدما تبلّغوا من أهاليها إصرارَهم على الخروج منها ما خلا المدنيين في مخيّمات اللاجئين السوريين متعهّدين العناية بهم.
وبعد التشاور بين سلام وقهوجي، وافقَ قائد الجيش على هذه الصيغة، وأكّد التزام الجيش الهدنة التي توصّلت إليها جهود الهيئة، مع بقائه على تأهّبِه الكامل وعدم التساهل مع المسلحين في أيّ خَرقٍ، لأنّ أيّ تعرّض لمراكزه في عرسال ومحيطها ستكون له نتائج عكسية، فهو لن يقبل بذلك، وستتوقف كلّ المساعي لمصلحة القضاء على بؤَر الإرهابيين. ووافقَه سلام، وكلّف مَن يبلّغ ذلك الى قيادة الإرهابيين وضرورة التزامهم البنود.
وعن المهَل التي سيطبّق فيها هذا الإتفاق، قالت مصادر المجتمعين أن ليس هناك أسهل من الإرتباط بمهل معينة في انتظار ما ستكشفه الممارسات على الأرض، فالتزام الجيش واضح، لكنّ التزام الآخرين مشكوك فيه الى حين بلوغ المراحل التنفيذية. وأشارت إلى أنّ مهلة الـ 24 ساعة قد تكون كافية للالتزام بتطبيق هذا التفاهم، وأيّ خطوة تنجَز تعزِّز الاعتقاد بإمكان التوصّل الى حلّ سريع.
صرخة قهوجي
وكان قهوجي أطلقَ أمس صرخة مدوّية استعجَل فيها تقديمَ المساعدات العسكرية اللازمة للجيش في معركته ضدّ الإرهاب التي تتطلب معدّات وآليّات وتقنيات يفتقر إليها. وحذّرَ من خطورة الوضع الأمني عند أطراف عرسال وفي محيطها.
ولاقت صرخة قهوجي صداها سريعاً لدى باريس التي أعلنَت استعدادها لتلبية حاجات لبنان سريعاً. وقال مساعد الناطق باسم الخارجية الفرنسية فنسان فلورياني: «نحن على اتصال وثيق مع شركائنا لتلبية طلبات لبنان والاستجابة لندائه سريعاً». وأكّد التزام بلاده الكامل دعم الجيش «الذي هو بمثابة ركيزة استقرار لبنان ووحدته».
…وعزم سعودي
من جهته أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عزمه على الإسراع في تنفيذ الدعم الإستثنائي للجيش، وأكّد دعم المملكة ووقوفَها الى جانب المؤسسة العسكرية اللبنانية في مواجهة الإرهاب، مديناً «الأعمال البعيدة عن قيم الإسلام وعن الإنسانية».
إلتزام أميركي
أمّا الولايات المتحدة الأميركية التي تتابع الوضع في عرسال عن كثب، فجدّدت بدورها دعمَها للجيش والأجهزة الأمنية في عملها لتأمين حدود لبنان وحمايته من الإرهاب، وعزل لبنان عن النزاعات الإقليمية من خلال سياسة النأي بالنفس.
وقال السفير الأميركي ديفيد هيل إنّ برنامج مساعدات بلاده للجيش «يعود إلى فترة طويلة، وهو مستمرّ، ويساعد الجيش على مواجهة هذا التحدّي». وأكّد الالتزام ببَذل مزيد من الجهد لبناء قدرات القوى الأمنية اللبنانية في مواجهة الإرهاب والتعامل مع التحديات الأخرى. كما أكّد أنّ لبنان يستطيع الاعتماد على الدعم الأميركي المستمر للجيش.
وليلاً قالت مصادر سلام لـ«الجمهورية» إنّ هيل أبلغَ إليه الموقف الاميركي الداعم للموقف اللبناني الرسمي ولجهود الحكومة المبذولة لإبعاد شبح الفتنة عن لبنان بدءاً من معالجة الوضع في عرسال وفصلها نهائياً عن تداعيات ما يجري في سوريا.
وعن حجم المساعدات الأميركية للجيش، قالت المصادر إنّ هذا الملف مفتوح بين الأميركيين وقيادة الجيش، ولم نتبلغ بأيّ جديد، لكنّ الأمر مطروح يومياً على طاولة البحث بين المعنيين.
ورحّبت مصادر سلام بموقف فرنسا المتجاوب مع مساعيه، وأكّدت أنّ الأسلحة الفرنسية المتطورة ستكون في تصرّف قيادة الجيش في أسرع وقت، وأنّ البرنامج المقرّر هو في عهدة المعنيين في وزارة الدفاع وقيادة الجيش.
برّي
وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمام زوّاره أمس: «أتبنّى كلام الرئيس تمّام سلام بحَرفيته، فهو يعبّر عن موقف مجلس النوّاب، ولا داعي لعقدِ جلسة نيابية تضامنية مع الجيش، لأنّ رئيس الحكومة عبّر عن رأينا.
لكن لا بدّ من التحرّك للتضامن مع الجيش ودعمِه على كلّ المستويات وفي مختلف المجالات، وهذا ما قلتُه أخيراً للسفراء الاميركي والسعودي والاتّحاد الأوروبي، بأنّ على دولهم دعمَ الجيش، وقلتُ لهم أيضاً إنّني لا أعرف ما يحتاج إليه الجيش اللبناني، بل يجب تلبية ما يطلبه قائده من مساعدات ماليّة وعسكرية ولوجستية، ويجب أن لا يتذرّع أحد بأنّه لا يمكن تزويد الجيش سلاحاً متطوّراً بسبب إسرائيل. نحن اليوم في معركة أخرى هي مع الإرهاب». ونقلَ برّي عن هؤلاء السفراء تأكيدَهم أنّ دوَلهم جاهزة لتزويد الجيش ما يطلبه.
ونوّه برّي بكلام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي كرّر فيه الاستعداد لدعم الجيش اللبناني، وقال: «إنّ هذا الكلام جاء نتيجة الاتصالات التي أجرِيت مع المملكة العربية السعودية لتحريك هِبة الـ 3 مليارات دولار المخصّصة للجيش. وأشار الى وجود موقف فرنسي متجاوب في هذا الاتجاه.
وسُئل بري عن موقف الرئيس سعد الحريري وكتلة «المستقبل» ممّا يجري في عرسال، فقال: «إنّ موقف الرئيس الحريري جيّد، ولكن ما يهمّني هو دعم الجيش، أمّا مَن يتّهم مَن، فهذا لا يهمّني الآن، بل يهمّني دعم الجيش عديداً وتسليحاً». وأدرَجَ مواقف بعض نوّاب الشمال وبعض أصوات النشاز «في إطار المزايدات والتنكيل السياسي».
وردّاً على سؤال عن بعض التحرّكات الجارية لإيجاد تسوية للوضع في عرسال، قال بري: «لا علاقة للجيش بالتسويات السياسية، وهو يعرف ما يقوم به. أمّا إذا نجحت وساطة وأدّت الى إخراج المسلحين من عرسال وتحرير العسكريين المخطوفين، فهذا أمر جيّد لتجنيب أهالي عرسال كلفة المواجهة.
لكن بعد أن تنتهي هذه المعركة يجب الالتفات فوراً إلى ملفّ النزوح السوري، إذ في ضوء ما شهدناه في عرسال لا يمكن القبول بما يحصل، ولا بدّ من معالجة هذا الملف بضبطه، بعدما تبيّن أنّ مخيّمات النازحين كانت بيئة حاضنة للإرهابيين، وقد سبق أن نبّهتُ الى ذلك، ولكن لم يُصغَ إليّ، أضف إلى ذلك أنّ السلطات السورية جاهزة للتعاون في معالجة ملفّ النازحين، خصوصاً أنّ هناك مناطق آمنة كثيرة في سوريا بات في إمكان النازحين العودة إليها».
الحريري
وأكّد الرئيس سعد الحريري أنّ دعمَه للجيش «في معركته ضد الإرهاب والزُمر المسلحة التي تسَللت الى عرسال، هو دعمٌ حاسم لا يخضع لأيّ نوع من أنواع التأويل والمزايدات السياسية، ولا وظيفة له سوى التضامن على حماية لبنان ودرءِ المخاطر التي تطلّ برأسها من الحروب المحيطة».
وأعلن أنّ معركة الجيش ضد الإرهاب هي معركة جميع اللبنانيين الذين يؤمنون بمرجعية الدولة ومؤسساتها، وأنّنا سنكون ظهيراً سياسياً قويّاً للجيش، مهما تَنادى المشككون الى حشد الادّعاءات الباطلة والتلاعب على العصبيات الصغيرة».
ولاحظ الحريري أنّه «بمثل ما نرفض أن تتّخذ أيّ جهة مسلحة من تدَخّل «حزب الله» في القتال في سوريا ذريعةً لخرقِ السيادة اللبنانية والاعتداء على الجيش، فإنّنا لا يمكن تحت أيّ ذريعة من الذرائع أن نُستدرَج الى تغطية مشاركة «الحزب» في القتال السوري، خلافاً لكلّ قواعد السيادة والإجماع الوطني».
«حزب الله»
في المقابل، جدّد «حزب الله» التأكيد أنّ ما يجري ميدانياً من معالجة للوضع العسكري وحماية الأهالي والتصدّي لجماعات المسلحين الإرهابيين هو حصراً من مسؤولية الجيش، وأكّد أنّه «لم يتدخّل في مجريات ما حصل ويحصل في منطقة عرسال».
«14 آذار»
ومن جهتها عقدَت قوى 14 آذار اجتماعاً استثنائياً موسّعاً مساء أمس أصدرَت بموجبه خطّة إنقاذية اثنَي عشرية كانت أشارَت إليها «الجمهورية» أمس، وتقضي بالآتي: «الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إدانة الاعتداء على الجيش تحت أيّ ذريعة لكونِه اعتداءً على كرامة لبنان واللبنانيين، إنسحاب جميع المسلحين من بلدة عرسال ومحيطها إلى خارج الأراضي اللبنانية، تحميل «حزب الله» ومن يتحالف معه جزءاً كبيراً من مسؤولية ما تعرّضَت له بلدة عرسال وما يتعرّض له لبنان وجيشه ودعوته إلى الانسحاب الفوري من سوريا، دعوة الحكومة اللبنانية إلى أن تطلب رسمياً من مجلس الأمن الدولي أن تشمل الإجراءات التي يتيحها القرار 1701 مؤازرة انتشار الجيش اللبناني على طول الحدود اللبنانية – السورية في اعتباره الوسيلة الوحيدة لحماية لبنان من شرور العنف والإرهاب الذي يجتاح دول المنطقة، الطلب إلى الجيش وحدَه مع سائر القوى الشرعية للدولة اللبنانية، القيام بحماية الأمن الوطني في كلّ المواقع ورفض أيّ سلاح غير شرعيّ على الأرض اللبنانية، والطلب من الحكومة اللبنانية تأمين الحماية الكاملة لأهالي عرسال من العدوان الذي يتعرّضون له».