من أوصل لبنان الى ما وصل اليه، ومن جعل النار السورية تمتد اليه رغم تحذير الدول الشقيقة والصديقة من مغبة ذلك، فدفع الجيش وقوى الأمن الداخلي غالياً ثمن تصحيح اخطاء بعض السياسيين وتناحرهم دماء ودموعاً بفعل ارتباط سياسيين بالخارج لا بل ارتهانهم له؟
الجواب عن ذلك يعرفه الشعب وقد عاشه منذ العام 2005. انهم، كما يقول قطب في 14 آذار، أولئك الذين رفضوا قيام الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل الاراضي اللبنانية، بحيث لا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها. إنهم أولئك الذين رفضوا تنفيذ قرارات هيئة الحوار الوطني ولا سيما منها قرارات ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وازالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه داخلها. انهم أولئك الذين رفضوا الموافقة على أي استراتيجية دفاعية تضع سلاح المقاومة في كنف الدولة لتستفيد من قدراتها وطاقاتها في التصدي لأي اعتداء على لبنان ولا سيما اعتداء اسرائيل، وأصروا على أن يبقى استخدام هذا السلاح بقرار من “حزب الله” وحده في الزمان والمكان اللذين يحددهما. فاتخذ الحزب قرار الحرب مع اسرائيل عام 2006 من دون الرجوع الى الدولة اللبنانية ولا الى مجلس الوزراء وفقاً لما ينص عليه الدستور لجهة اعلان الحرب والسلم، وتدخل عسكرياً في الحرب السورية من دون أن يعود الى الدولة ولا الى مجلس الوزراء ولا حتى الى الجيش احتراماً منه للثلاثية التي يتمسك بها وهي: “الجيش والشعب والمقاومة” هذه الثلاثية التي ينبغي أن تكون بادارة الدولة أو أقله بادارة مشتركة ليكون لها فعاليتها والا فإنها لا تعود “مثالثة”، بل احادية.
إنهم أولئك الذين رفضوا أو عرقلوا تنفيذ بنود القرار 1701 بكاملها، لأن بتنفيذها تقوم الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها ولا يبقى سلاح غير سلاحها ولا قانون غير قانونها، ومن أهم بنود هذا القرار ضبط الحدود اللبنانية مع سوريا والاستعانة بقوات دولية إذا لزم الامر لمنع مختلف اشكال التهريب والتسلل ونزع سلاح الجماعات المسلحة، لكن الخلافات السياسية ولا سيما بين 8 و14 آذار حالت دون تنفيذ ذلك وكأن ثمة من يرى مصلحة له في ابقاء هذه الحدود سائبة، والمجموعات اللبنانية وغير اللبنانية المسلحة تعمل خارج سيطرة الدولة. ولم يتم تفكيك القواعد العسكرية التي تحتفظ بها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة وفتح الانتفاضة) على رغم القرارات التي اتخذت في هذا الصدد، وهي قواعد لا تقع تحت سيطرة الدولة ومعظمها ينتشر على طول الحدود بين لبنان وسوريا وتمثل تهديداً لسيادة لبنان وتحد من قدرته على ادارة حدوده البرية ومراقبتها. وقد ابدى الأمين العام للامم المتحدة بان كي – مون في تقرير له اسفه حيال “عدم التقدم في مجال تحديد وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا لتمكين لبنان من توسيع سيطرته وممارسة سيادته الكاملة على اراضيه كما ينص القرار 1701”.
وكان خروج “حزب الله” على سياسة النأي بالنفس التي قررتها حكومة الرئيس ميقاتي هو الذي جاء بدب الجماعات الاصولية والارهابية الى لبنان التي تستفيد من انقسام اللبنانيين بين من هم مع النظام السوري ومن هم ضده، ولعلها تجد من خلال هذا الانقسام بيئة تحتضنها لا سيما في منطقة البقاع ومنطقة الشمال، فكان أول صدام خطير بين هذه المجموعات والجيش اللبناني في عرسال، ما جعل اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم يقفون صفاً واحداً خلف الجيش خوفاً من بطش هذه الجماعات التي ارتكبت وترتكب المجازر في العراق وفي سوريا ولا تميّز بين مسيحي ومسلم. فلو ان اللبنانيين او بعض قادتهم ساعدوا على اقامة الدولة القوية القادرة على بسط سيادتها وسلطتها على كل اراضيها وعلى نزع كل سلاح خارجها وعلى نشر الجيش وقوى الامن الداخلي على طول الحدود مع سوريا والاستعانة بقوات دولية، اذا قضت الحاجة، لضبط هذه الحدود ومنع اي تسلل عبرها، لكانت التضحيات اقل بكثير مما يتحمل الجيش وقوى الامن الداخلي في المواجهة مع المجموعات الارهابية في البقاع وربما في مناطق اخرى اذا لم يقض عليها. ولو ان هؤلاء القادة التزموا سياسة النأي بالنفس عما يجري في سوريا وفي المنطقة لكانوا وفروا على لبنان واللبنانيين الكثير من المعاناة والويلات.
ولا بد هنا من التذكير بحديث للوزير السابق محمد شطح، رحمه الله، أكد فيه “ان لبنان يحتاج الى استراتيجية وطنية لحمايته على خلفية ما يجري في سوريا وان اي استراتيجية حقيقية لحماية لبنان تنطلق من تحييده وان القرار 1701 هو خارطة طريق دولية لحمايته”.
فهل يعقل ان تصبح حدود لبنان مع العدو الاسرائيلي هادئة بفضل القرار 1701 والحدود مع الدولة الشقيقة سوريا تبقى مضطربة بسبب عدم تنفيذ هذا القرار؟