IMLebanon

الجيش يقاتل بلا غطاء مستقبليّ

معركة الإمارة

الجيش يقاتل بلا غطاء مستقبليّ

حرب منع إقامة إمارة «داعشية» في عرسال، هي التي يخوضها الجيش اللبناني في البقاع الشمالي. حتى يوم أمس، لم تكن المؤسسة العسكرية تحظى بالغطاء السياسي الواجب على القوى السياسية تأمينه في معركة تحدّد معالم مستقبل لبنان برمته: يكون او لا يكون

حتى ساعات الفجر، لم تنجح مساعي هيئة علماء المسلمين بالتوصل إلى اتفاق على إعلان «هدنة إنسانية» بين الجيش اللبناني والجماعات الإرهابية التي احتلت بلدة عرسال. ففيما الوسطاء يسعون سعيهم، كان شهداء الجيش يسقطون وهم يدافعون عن مواقعه التي دخلت «جبهة النصرة» إلى جانب «داعش»، على خط محاولة احتلالها. آخر الشهداء، أمس، ضابطان برتبة مقدّم، جرى تناقل معلومات عن قتلهما بطريقة وحشية.

حتى ما قبل المؤتمر الصحافي الذي عقده قائد الجيش العماد جان قهوجي، أمس، بدت المؤسسة العسكرية «بلا غطاء سياسي» في حربها على الإمارة الداعشية التي احتلت بلدة عرسال، والتي تنذر بنقل حربها إلى مناطق لبنانية أخرى. تعمّد قهوجي عقد المؤتمر، وهو إجراء غير مسبوق منذ اتفاق الطائف على الأقل. وتعمّد أيضاً، عدم ذكر السلطة السياسية في كلامه. توجّه إلى السياسيين منبّهاً من إمكان تكرار تجربة عرسال في مناطق أخرى، لكنه لم يخاطبهم كسلطة يتبع لها الجيش. وأسباب هذا التجاهل سرعان ما اتضحت في خبر جرى تسريبه يقول إن رئيس الحكومة تمام سلام يقود مساعي لتأمين وقف إطلاق النار في عرسال. رأس السلطة التنفيذية يتصرّف كوسيط بين جيش بلاده وإرهابيين احتلوا منطقة من هذه البلاد، ويهددون أهلها بالذبح وقطع الرؤوس. لم ينف سلام الخبر. لكن التدقيق به أظهر أن من يقوم بالوساطة حقاً، هو وزير العدل أشرف ريفي.

آخر الشهداء ضابطان برتبة مقدّم جرى تناقل معلومات عن قتلهما بطريقة وحشيةقام اللواء المتقاعد، والذي لا يزال يفاخر بأنه رفض التفاوض مع إرهابيي فتح الإسلام في أيار 2007، بسلسلة اتصالات مع قوى يعتقد أنها تمون على مقاتلي داعش من جهة، ومع قيادة الجيش من جهة أخرى، عارضاً وقف إطلاق النار ابتداء من وقت يجري الاتفاق عليه ابتداءً بين الساعة الرابعة والساعة السادسة من بعد ظهر أمس. قيادة الجيش ردّت بأنها لن توقف إطلاق النار قبل تحرير العسكريين (13 عسكرياً من الجيش مفقودون) وأفراد الأمن الداخلي (22 مخطوفاً)، وقبل بدء انسحاب المسلحين من البلدة نحو الأراضي السورية، لا إلى الجرود اللبنانية.

لم يكن الجيش يراهن على «حكمة الداعشيين»، لكنه كان يستنفد كل الحلول المتاحة، لتجنيب أهالي عرسال الضرر. يقول مصدر عسكري: «نعرف أنهم احتلوا البلدة، لكننا لم نقصف أماكن تجمعهم داخلها. تضررت بعض المنازل في أطراف البلدة، وهي خالية من أهلها، بعدما استخدمها المسلحون للاعتداء على مركز الجيش وحواجزه. أما داخل عرسال، فالجيش لم يقصف أماكن وجود المسلحين. ورغم توفر معلومات لنا عن اجتماع عقده قادة المجموعات التكفيرية ليل (أول من) أمس، لم نستهدف مكان اجتماعهم حرصاً على أرواح المدنيين».

يضع الجيش في المرحلة الأولى من المعركة نصب عينيه استعادة كل مراكزه وحواجزه وثكنه التي احتلها المسلحون، وتحصينها. وحتى ليل أمس، تمكن من استعادتها جميعها. وعلى هامش المؤتمر الصحافي لقائد الجيش، كان ضباط وعسكريون يتحدّثون عن «استبسال ضباط وجنود في الدفاع عن مراكزهم. في وادي حميّد، بقي أحد الضباط يقاتل وحده دفاعاً عن موقعه، بعدما استشهد وجرح كل الذين كانوا معه، إلى أن وصلت تعزيزات الفوج المجوقل فجر أمس».

وفي مقابل الواقع الميداني، برز أمس تخاذل سياسي عن نصرة الجيش، وتحديداً من تيار المستقبل الذي لامس بعض نوابه ومسؤوليه حدود الدفاع عن «داعش»، علماً بأن حليفة التيار، الجماعة الإسلامية، أسبغت على المنتمي إلى «داعش»، الموقوف عماد جمعة لقب «المعارض السوري»، محتجة، بلسان نائبها عماد الحوت، على توقيفه. وجمعة هو الذي استغل مقاتلو «داعش» و«جبهة النصرة» توقيفه لتنفيذ المخطط الذي أكّد قهوجي أمس أن «داعش» كانت قد وضعته لاحتلال عرسال من خلال السيطرة على المراكز العسكرية والأمنية في محيطها، والذي كان مقرراً أن يبدأ العمل به خلال الساعات الـ 48 المقبلة. وفي هذا السياق، تقاطع ما أعلنه قهوجي نقلاً عن اعترافات الموقوف بشأن المخطط «الداعشي» لعرسال، مع معلومات توفرت لمسؤولين أمنيين محسوبين على تيار المستقبل، بحسب ما أكّد بعضهم لـ«الأخبار».

الرئيس سعد الحريري كان قد اتصل بقهوجي، ليبلغه وقوفه إلى جانب الجيش «حتى النهاية. نحن معكم في كل ما ستقومون به». الرئيس فؤاد السنيورة طالب بانسحاب المسلحين من لبنان. لكن سرعان ما خرج مرؤوسو الحريري ــ السنيورة في التيار، لنقض ما قالاه. الوزير ريفي تحدّث عن فشل الحلول العسكرية والأمنية في عرسال، وعن أن الحل سياسي (مع «داعش» و«جبهة النصرة»). ثلاثي الشمال، النواب محمد كبارة وخالد ضاهر ومعين المرعبي، هاجموا الجيش بكل ما أوتوا من قوة. بدا تيار المستقبل مقسوماً إلى جزءين: وسيط بين الجيش و«داعش»، أو موالٍ لـ«داعش». الاجتماع الأمني في السرايا الحكومية أمس وضع حداً لطموحات ريفي «التوسطية»، إذ أوكل إلى الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير إجراء كل الاتصالات اللازمة لحقن دماء المدنيين في عرسال. ماذا يعني هذا القرار؟ هل هو تغليب لرأي ريفي بإيجاد حل سياسي مع «داعش» و«النصرة»؟ ينفي أحد المشاركين في الاجتماع ذلك قائلاً: «العملية العسكرية يجب أن تستمر، وتيار المستقبل لن يقف إلا في صف الجيش. لكن بموازاة العملية العسكرية، سنجري اتصالاتنا بأي كان، حتى مع الشياطين، لحقن الدماء». وفي الإطار ذاته، أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس لمن سألوه عن موقف تيار المستقبل الحقيقي مما يجري في عرسال، فرد قائلاً: «الجيش هو خيارنا الوحيد. وكل من يقول غير ذلك لا يمثل إلا نفسه». وتوقعت مصادر سياسية قريبة من رئيس التيار الأزرق أن يصدر من الأخير موقف واضح خلال الساعات المقبلة، لتأكيد الوقوف مع الجيش. وماذا عن السعودية؟ تجيب المصادر ذاتها: «وهل تريدون أكثر من موقف الملك عبد الله؟ ولننتظر، ربما يصدر موقف عن مجلس وزرائها اليوم». فالسعودية لا تزال صامتة عما يدور في لبنان. تماماً كما معظم الدول العربية. لم تحذُ الدول العربية بعد حذو السفير الأميركي دايفيد هايل الذي زار قائد الجيش وأبلغه «وقوف بلاده إلى جانب الجيش في معركته ضد الإرهاب».

المصادر العسكرية ترفض الإفصاح عما سيقوم به الجيش بعد انتهاء المرحلة الأولى من القتال. لكنها تتحدّث عن أن ما بعد معركة عرسال لن يكون كما قبلها: «منذ ثلاث سنوات، والجيش يطالب بوضع أطر للتعامل مع الأزمة الأمنية الناتجة من النزوح السوري إلى لبنان. بنت منظمة تابعة للأمم المتحدة مخيمين في جرود عرسال للاجئين السوريين، من دون أي إشراف حكومي، فبات المخيمان اليوم مركزين لانطلاق التكفيريين للهجوم على الجيش. لم نكن ندقق في الكثير من الأمور في السابق، إلا أننا لن نغضّ الطرف بعد اليوم».

وعلى نقيض المواقف الملتبسة لتيار المستقبل، برزت أمس مواقف لعدد من القوى والشخصيات أبرزها لكل من الرئيس نبيه بري وحزب الله والنائب وليد جنبلاط، عبّروا فيها عن الدعم المطلق للجيش.

من جهة أخرى، ردّ حزب الله، بلسان نائبه علي المقداد، على المؤتمر الصحافي للنواب كبارة والمرعبي وضاهر، نافياً «نفياً قاطعاً أي علاقة لحزب الله بالأحداث الجارية في عرسال، وأي تدخل في المجريات الميدانية وتطوراتها، فحماية عرسال من الإرهاب التكفيري والمجموعات الخارجة على القانون وكذلك الدفاع عنها وعن أبنائها وعائلاتها، هي مسؤولية الدولة اللبنانية وجيشها الوطني الباسل وقواها الأمنية، كما هي مسؤولية القوى السياسية في إنقاذ هذه البلدة اللبنانية من براثن المعتدين عليها».

(الأخبار)

الجيش ينعى 9 شهداء

نعى الجيش اللبناني العسكريين الذين استشهدوا في الإشتباكات ضد المجموعات المسلحة في عرسال وهم:

العريف ابراهيم محمد العموري (10/1/1984، قب الياس – قضاء زحلة)

العريف وليد نسيم المجدلاني (10/12/1987 عين كفر زبد – قضاء زحلة)

العريف نادر حسن يوسف (12/1/1981، مشتى حمود – قضاء عكار)

العريف عمر وليد النحيلي (1/3/1991 القبيات – قضاء عكار)

العريف جعفر حسن ناصر الدين (18/3/1986، العين – قضاء بعلبك)

الجندي حسين علي حميه (1/2/1994 طاريا – قضاء بعلبك)

المجند خلدون رؤوف حمود (22/11/1995 العقبة – قضاء راشيا)

المجند حسن وليد محي الدين (2/9/1992 الفاكهة – قضاء بعلبك)

المجند محمد علي العجل (31/7/1993، جديدة القيطع – قضاء عكار)