الذين رصدوا بدقة مسار عمل المجموعات الارهابية التي بدأت حراكاً وفعلاً لافتين منذ أكثر من اسبوع خرجوا باستنتاجات جوهرها الآتي:
– ان هناك جيلاً آخر من العناصر الارهابية يكاد لا يكون له صلة بالمجموعات الارهابية السابقة التي كانت آخر ضرباتها الموجعة استهداف حاجز الجيش على مداخل الهرمل في اقصى البقاع قبل نحو شهرين، ومن ثم جنحت الى الافول لاسيما بعد سيطرة الجيش السوري و”حزب الله” على منطقة القلمون السورية المتاخمة للحدود اللبنانية وبعد القبض على رؤوس ارهابية وازنة.
– ان هذه المجموعات الجديدة قد “صنعت” على عجل وهي لا تعرف طبيعة ميدان حراكها، وليست “بخبرة” من سبقها الذين هم أصلاً ابناء الارض والبيئة، يعرفون تضاريسها وشعابها جيداً وبالتالي فإن بمقدورهم التحرك بحرية أكبر فضلاً عن انهم قادرون على ايقاع الاذى بأهدافهم المنتقاة بدقة، وعلى أن يوجعوا الخصم، وبالتالي يثبتون قدرتهم على الدخول الى عمق خطوطه الخلفية وبالتحديد الى مناطق يعتبرها آمنة أو حصينة.
اما الجيل الارهابي الجديد الذي اقام في الفنادق وقدم الى لبنان عبر مطار بيروت وليس من داخله، فإنه يبدو انه اقل خبرة واقل ايماناً بالقضية التي قطع الحدود من أجلها، وبالتالي فهو لا يعرف هدفه وخصمه بشكل دقيق.
– الواضح ان اهداف الجيل الجديد من الارهابيين مختلفة عن الجيل الريادي في ارهاب الساحة اللبنانية، فهو كان يتعمد التسلل الى مناطق معينة وبالتحديد مناطق “حزب الله” عبر مناطق أخرى تعد خطوط تماس ولها خصوصية مذهبية وعقيدية معينة والهدف تالياً زيادة منسوب الشرخ ورفع وتيرة التوتر والاحتقان، فضلاً عن ارباك “حزب الله” وجعله في موقع الدفاع عن النفس، عوض الذهاب الى الميدان السوري، بينما الجيل الارهابي الجديد يأتي من مشارب الارض العربية بهدف تحقيق أمرين معاً:
الاول: الزعم بأن الساحة اللبنانية قد دخلت تلقائياً معركته العابرة لحدود الدول والساحات الثلاث (سوريا، العراق ولبنان).
الثاني: السعي بشكل دؤوب لكي يرث المجموعات والخلايا المتطرفة النائمة والمتحركة في الداخل اللبناني، بغية اعادة تجميعها وتأهيلها للمرحلة المقبلة. وبمعنى آخر يبدو جلياً أن تنظيم “داعش” قرر فعلاً كما زعم الشروع بـ”غزوه” لبنان عبر تلك المجموعات المتشددة، لاسيما بعدما تناهى الى علمه ان هذه المجموعات صارت “يتيمة” ولا تجد من يغطيها ويدعمها بعد ولادة الحكومة الحالية في لبنان وانطواء وظيفتها ودورها على محاور طرابلس وعلى الحدود اللبنانية – السورية. اضافة الى ذلك كله فإن تنظيم “داعش” يحاول ان يملأ الفراغ في الساحة اللبنانية بعد الضربات المتتالية التي وجهت الى رموز المجموعات الارهابية من ماجد صبرا الى نعيم عباس قبله الى جمال دفتردار وعمر الاطرش وعشرات سواهم من الذين قتلوا أو اعتقلوا أو اضطروا الى مغادرة الساحة اللبنانية قسراً بعدما ضاقت السبل بهم اثر القرار الجاد الذي اتخذته الجهات الأمنية اللبنانية الرسمية وغير الرسمية بمواجهتهم واجتثاث قدرتهم على الحراك والفعل خصوصاً بعدما امتلكت “داتا” متكاملة عن بنيتهم ومصادر تمويلهم وتموينهم بالمتفجرات والسيارات، وعليه كانت خطة هذا الجيل الجديد من الارهابيين ومن يقف وراءهم على النحو الآتي، وفق معلومات صارت بحوزة المعنيين:
– رفد الساحة اللبنانية بمجموعات وعناصر جديدة من خارج البيئة اللبنانية مزودة حيويات وزخم، تكون قادرة على التحرك بسلاسة.
– اغتيال شخصية رسمية أو غير رسمية ويكون لذلك دوي كبير يظهر ان الساحة كلها صارت في قبضة الارهاب الجديد.
– اعادة الربط بين المجموعات المتناثرة أي مجموعة زريقات وبقايا حالة الشيخ أحمد الاسير فضلاً عن خلايا أخرى متناثرة هنا وهناك كخلية القلمون التي قبض عليها.
– الاعلان ان “داعش” صارت في قلب البيئة اللبنانية من خلال رفع راياتها واعلامها ومن خلال الاعلان عن مبايعتها في اماكن عدة على غرار ما حصل في بعض مناطق طرابلس.
– وكل ذلك يدخل ضمن نطاق خطة واحدة جوهرها ان الساحة اللبنانية لم تهدأ ولم تستكن، لان المجموعات المتطرفة فيها ما برحت تملك الفرصة والميدان للتحرك والتأثير.
ولكن، وبصرف النظر عن اهداف هذه المجموعات وعن قدرتها على التجذر في الساحة اللبنانية، فالواضح ان الظروف والمعطيات قد اختلفت امام الجيل الارهابي الجديد، أي جيل الفنادق وليس جيل السيارات المفخخة باتقان والآتية من جهة القلمون وهي تعرف جيداً خطة سيرها وكيفية الوصول الى اهدافها.
والجديد المختلف في ظروف عمل هذه المجموعات هو الآتي:
– ان أجهزة مخابرات غربية بدأت تزود الاجهزة الامنية اللبنانية معلومات عن الجيل الارهابي الجديد انسجاماً مع رغبتها بالدخول في مواجهة مع الخطر المستقتل لهذه المجموعات.
– لقد فقد حراك هذه المجموعات جزءاً اساسياً من البيئة الداخلية الحاضنة له بالنسبة الى الجيل الذي سبقه.
– ان الاجهزة اللبنانية المعنية قد امتلكت الجرأة والقدرة على المواجهة أكثر من أي وقت مضى.
لذا وبصرف النظر عن مبتغى هذه المجموعات وهويتها فالارض لم تعد مفتوحة أمامها كما في السابق.