IMLebanon

الحراك الجنبلاطي ضمن 3 إحتمالات

أولويتان للنائب وليد جنبلاط: الوضع الدرزي، والدور على المستوى الوطني، وفي هذا السياق بالذات يأتي تموضعُه الوسطي الذي يخوّله التنقّل بسهولة بين 8 و14 آذار، وتوزيعُه المواقفَ بما يرضي الفريقين، في ظلّ استمرار حاجتهما إليه.

الإشارة التي أعطاها جنبلاط في الشويفات بالمبادرة على خط الاستحقاق الرئاسي من خلال إعلان استعداده التفاوضَ على ترشيح النائب هنري حلو، وعزمِه عقدَ لقاءات مع القيادات المسيحية، استهلّها بلقاء العماد ميشال عون، وسيستكملها لتشمل آخرين، ومن بينهم الرئيس أمين الجميّل والدكتور سمير جعجع وأمانة 14 آذار، كان سبقها إشارة سياسية أقوى بتبنّيه مقولة «حزب الله» لجهة الفصل بين الإرهاب الذي يضرب لبنان ومشاركة الحزب في القتال السوري، وذلك خلافاً لوجهة نظر 14 آذار التي تتّهم «الحزب» باستجلابه الإرهابَ إلى لبنان.

وعلى رغم تقلّبات جنبلاط السياسية، إلّا أنّ تقديمَه خدمةً استراتيجية لـ«حزب الله» بتغطيته قتالَه في سوريا، خلافاً لمواقفه السابقة نفسها الداعية إلى انسحاب الحزب وتحييد لبنان، لا يمكن تبريرها ولا تفسيرها سوى بأنّها إمّا ناجمة عن ضغط غير مرئيّ يمارسه الحزب على جنبلاط، أو مرتبطة باللقاء الأخير الذي جمعَ رئيس الاشتراكي إلى أمين عام «حزب الله»، والنتيجة في الاحتمالين واحدة، علماً أنّه لا يجب استبعاد أن يكون رئيس الاشتراكي، ولأسبابٍ محض شخصية ومزاجية، قرّر أن يُسلّف الحزب الذي لا يبدو أنّه في وارد المبادرة لبنانياً بفعل ظروف قتاله في سوريا والعوامل المحيطة بمحاور الممانعة في العراق وسوريا وفلسطين، حيث إنّ أوّليته تجميدُ الوضع اللبناني، لا ممارسةُ ضغوط لا يقوى على ترجمتها نتيجة رغبته بالتبريد في هذه المرحلة لا أكثر ولا أقلّ.

ولكنّ التحوّل في الموقف الجنبلاطي من قتال «حزب الله» في سوريا والاستحقاق الرئاسي بدأ فعلاً بعد اللقاء الذي جمعه بالسيّد نصرالله، الأمر الذي فتحَ الباب على تأويلات عدّة، ومن أبرزها:

أوّلاً، أن يكون جنبلاط طلب من نصرالله منحَه فرصة إقناع عون بمقايضة محدّدة تُبعده عن الرئاسة وتجعله مقرّراً أساسياً في من يشغل كرسيّ بعبدا، وذلك من زاوية أنّ الظروف الخارجية والمحلية لا تسمح بانتخابه رئيساً، خصوصاً أنّ موقفه الأخير الداعي إلى التنسيق بين الدولة اللبنانية والنظام السوري في قضيّة عرسال قطعّ كلّ أمَل بدعمِه سعودياً وحريرياً، فيما الحاجة مُلحّة لانتخاب رئيس جديد يؤدّي إلى ترييح المسيحيين ويقفل ثغرةً سياسية مهمّة.

ثانياً، أن يكون نصرالله طلبَ من جنبلاط انتخاب عون، وهذا ما يفسّر إلى حدّ بعيد تموضعَه الجديد الذي يكون استهلّه بدعم خيارات «حزب الله» الاستراتيجية بقتاله في سوريا تمهيداً لإعلان سحب مرشّحه وضمّ أصواته إلى كتلة الأوراق البيضاء التي تتيح انتخاب رئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير» في ظلّ التزام قوى 14 آذار تأمين النصاب.

ثالثاً، أن يكون جنبلاط أبلغَ نصرالله عن نيتِه الخروجَ من تموضعه الرئاسي وجسّ نبض قوى 14 آذار حول إمكانية التقاطع معها على مرشّح وسطي، خصوصاً أنّ هذه القوى كانت أعلنَت على لسان الدكتور سمير جعجع ومن ثمّ الرئيس سعد الحريري استعدادَها التفاوض حول أيّ اسمٍ توافقيّ يؤمّن مساحة مشتركة مع الفريق الآخر، وبالتالي أراد تطمينَ السيّد أنّ تقاطعَه مع 14 آذار رئاسياً لا يعني أنّ هذا التقاطع ينسحب وطنياً، ومن هنا موقفه غير المبرّر وغير المفهوم بتغطية قتال الحزب في سوريا، إنّما كلّ ما يريده هو التقدّم بمبادرة حسن نيّة حيال المسيحيين عموماً والبطريرك الماروني بشارة الراعي خصوصاً، بأنّه غير متمسك بمرشّحه، وأنّه على استعداد لتأمين النصاب لأيّ مرشّح خارج الانقسام العمودي بين 8 و14 آذار.

ومن هذا المنطلق أراد أن يبحث موضوع الذهاب إلى مرشّح تسوية مع نصرالله لكي لا يفسّر الأخير خطوتَه بأنّها موجّهة ضدّه، إلّا أنّ المعلومات المسرّبة والتي رشَحت عن الاجتماع أنّ أمين عام «حزب الله» أبلغَ رئيس الاشتراكي أنّ الحزب لم ينتقل بعد من مرحلة المعركة الى مرحلة التسوية في رئاسة الجمهورية، وأنّه أعطى جنبلاط الضوء الأخضر ليقومَ بالمبادرة التي يريد.

ولكن واقعياً لا أفقَ لهذه المبادرة أو التحرّك، طالما إنّ «حزب الله» لم يغادر خانة دعمِه للعماد عون رئاسياً، حيث إنّ الحزب أبلغَ عون أنّ قراره في موضوع رئاسة الجمهورية مجيَّر له، ويستطيع التصرّف به كما يشاء، إنْ تمسُّكاً بترشيحه أو الذهاب نحو مرشّح تسوية.

وتأسيساً على ما تقدّم يكون الهدف من التحرّك الجنبلاطي مزدوجاً: تبرئة ذمّته حيال المسيحيين والظهور بمظهرَ المُسهّل رئاسياً لا المُعطّل، وتعبئة الوقت الضائع والفراغ السياسي بحراك يؤكّد على محورية دوره كـ«بيضة قبّان» داخل المعادلة الوطنية، الأمر الذي يتنافى مع نعيِه المتواصل للواقع الدرزي، حيث إنّه في الواقع هو الأكثر حراكاً على الساحة اللبنانية…