IMLebanon

تحدّي الإغتيالات: أي حرب إقليمية؟

 

الحرب الإقليمية الشاملة ليست نزهة. ولا حساباتها تقتصر على طرف او طرفين ضمن تصعيد في الفعل ورد الفعل وخطأ في التقدير. هي تكون خياراً لتحقيق أهداف إستراتيجية راديكالية او لا تكون. والذين يهولون بها هم في طليعة من يريدون تفاديها. فلا إسرائيل العاجزة عن تحقيق هدف إستراتيجي واضح في غزة على مدى ثلاثة اشهر من حرب همجية بكل انواع الأسلحة، ستكون أقل عجزاً في لبنان بمواجهة «حزب الله» وكل «محور المقاومة». ولا «حزب الله» يجهل أن الدمار الواسع الذي يستطيع أن يلحقه بالعدو في الجليل والعمق لا يحرر أرضاً في فلسطين ولا يحمي لبنان من التدمير الشامل. ولا الحرب الإقليمية حالياً هي على «الأجندة» لدى أحد الطرفين الكبيرين اللذين يتوليان «ضبط اللعبة»: أميركا وإيران.

 

ذلك أن الحرب القائمة عبر جبهة الجنوب بين «حزب الله» وإسرائيل «مضبوطة» على الإيقاع في حرب غزة، كما على حسابات واشنطن وطهران. إدارة الرئيس جو بايدن تمنع حكومة نتنياهو من شن هجوم واسع على لبنان لأسباب عدة تتعلق بالوطن الصغير والمنطقة والإنتخابات الرئاسية الأميركية. والجمهورية الإسلامية ترد على من يطالبها بالإنخراط المباشر في الحرب الى جانب «حماس والجهاد الإسلامي» وبقية الفصائل المرتبطة بالحرس الثوري في لبنان وسوريا والعراق واليمن بأن «هذا ما يريده النظام الصهيوني لأنه يؤدي الى مواجهة مع أميركا»، كما قال علي غلام عادل مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي في حديث مع صحيفة «إعتماد «. وهما معاً يعرفان أن هذا ليس الوقت المناسب لحرب إقليمية هدفها «عجن» الشرق الأوسط لإعادة تشكيل المنطقة وتبديل هيكليتها.

 

واذا كان إغتيال صالح العاروري القائد في «حماس» وبالذات في الضاحية الجنوبية مركز «حزب الله» جريمة إسرائيلية كاملة الأوصاف وتصعيداً في التحدي والإستفزاز، فإن الإغتيال جزء من حرب غزة، وليس صاعقة في سماء صافية. سبقه بأيام إغتيال المسؤول الإيراني المهم في «فيلق القدس» رضي الموسوي في دمشق. وسبقه من قبل إغتيال مؤسس «حماس» الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من قادتها وقادة «فتح» و»الجهاد الإسلامي» و»الجبهة الشعبية». إغتيالات في غزة والضفة ودمشق وبيروت ودبي وتونس وطهران ومدن أوروبية. و»الثأر يؤكل بارداً»، كما يقول المثل. لا بل إن قتل أكثر من عشرين ألف مواطن في غزة نصفهم من الأطفال والنساء أخطر من إغتيال أي قائد.

 

فضلاً عن أن الحرب الأمنية الصامدة هي حرب مستمرة، سواء كانت هناك حرب عسكرية صاخبة او لا. لا من جهة واحدة بل من جهات عدة. أميركا إغتالت في بغداد قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، واغتالت في الباكستان زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وفي كابول خليفته أيمن الظواهري، وفي سوريا مؤسس «داعش» البغدادي ومجموعة من حلفائه. روسيا اغتالت معارضين لها في أكثر من عاصمة في هدوء بالسم. إيران طاردت المعارضين في الخارج وكان بين الضحايا الزعيم الكردي قاسملو. حتى الهند تغتال زعماء السيخ في كندا. ولا أحد يتعلم أن الإغتيال لعبة عبثية. فكلما جرى قطع رأس تنبت ثلاثة رؤوس. ومن الوهم قتل «فكرة» باغتيال او إضعاف التنظيم الذي يحملها.

 

ما يحدث في أكثر من مكان وعلى يد أكثر من قوة يؤكد بالوقائع قول بسمارك: «الحرب الوقائية مثل الإنتحار خوفاً من الموت».