لم يدرج مراقبون سياسيون الغارات التي شنها الطيران التابع للنظام السوري على مواقع للتنظيم المعروف تحت اسم داعش في العراق، على ما كشف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وهو تحرك جديد لم يقم به النظام السوري ضد هذا التنظيم في مواقعه داخل المناطق السورية، الا في اطار سعي النظام الى توظيف الفرصة المتاحة من اجل استعادة فائدته وامكان توظيف قدراته ضد تنظيم ارهابي بدا ملحاً بالنسبة الى الاميركيين توظيف كل الجهود من اجل وقف قضمه المدن العراقية. وسارع مسؤولون اميركيون الى الرد بان ما يقوم به النظام ليس هو الحل في ضوء حض اعلامي اميركي على توظيف النظام السوري او الاستفادة منه في ضرب تنظيم داعش بدلا من التورط او الظهور في موقع المنخرط الى جانب الشيعة ضد السنّة في العراق. وهذا التصرف للنظام السوري غير مستبعد في اطار سعيه الى توظيف الورقة التي احسن استخدامها اي محاربته الارهاب في بلاده ومن ثم انخراطه حتى في حرب اقليمية وصولا الى العراق في مسعاه الى استعادة فائدته وملاقاة مصالح الولايات المتحدة من خلال ذلك.
وثمة نظريات سياسية تروّج ويتم تداولها في تفسير هذا المنحى للامور، وهي ان ما حصل في سوريا من خلال “شيطنة” المعارضة ومحاولة صبغ كل فصائلها بالطابع الارهابي من خلال سيطرة تنظيمات متطرفة كداعش وسواها وانتقال هذه التنظيمات الى العراق حيث المصالح الاميركية اكثر حيوية في حين تصطف ايران وتنظيماتها الممتدة من العراق الى لبنان الى جانب ما سمي محاربة التكفيريين كعنوان من عناوين الانخراط في الصراع الاقليمي انما يحاول ان يبرز مساوئ التطرف السنّي في مقابل تعقل التطرف الشيعي، اذا صح التعبير، وحتمية الرهان على العامل الشيعي بدلا من الرهان على العامل السنّي. اذ يتردد في هذا السياق ان التطرف الشيعي الذي انطلق قبل 35 سنة ربما قد بدأ يتعقل نسبيا. ويتوقف اصحاب هذه النظرية عند ما قاله الموفد الاممي السابق الى سوريا الاخضر الابرهيمي في حديث الى الزميلة “الحياة” قبل ايام من انه “في ايام الرئيس حسن روحاني صارت صياغة الموقف الايراني اكثر اتقانا وبراعة”. ما يعني بالنسبة الى هؤلاء ان الواقعية السياسية قد غدت احدى سمات السياسة الخارجية الايرانية والتنظيمات الاسلامية الشيعية كـ”حزب الله” وسواه من التنظيمات الموزعة في بعض الدول العربية لها مرجعية واحدة يمكن التحدث اليها في نهاية الامر في حين ان التنظيمات السنّية الصاعدة لا مرجعية لها يمكن العودة اليها من اجل ان تمون ماليا او معنويا عليها، خصوصا متى كانت في الاساس من فبركة النظام السوري كما اثبتت الاوضاع في سوريا حيث عجزت كل الجهود، ان من جانب المملكة السعودية او قطر، عن اطلاق المطرانين المخطوفين مثلا، فضلا عن ان هذه التنظيمات في طور الصعود ومن المبكر الكلام على تعقلها او افولها في المدى المنظور خصوصا اذا صحت المعلومات عن سيطرتها على اموال عراقية واسلحة قد تسمح لها باستقلالية لاشهر قد تكون كافية لبدء دفع الامور وتوظيفها في اتجاهات سياسية محددة.
استنادا الى هذه النظرية يعتقد ان الولايات المتحدة قد تميل في ضوء الجامع المشترك في العراق في محاربة التنظيمات المتطرفة الى تفاهم قد تراه مجديا مع ايران في المنطقة وفتح صفحة جديدة بينهما، خصوصا ان اصحاب هذه النظرية يعتبرون ان ثمة تحولا او انعطافا جوهريا طرأ على المقاربات او حتى الافكار الاميركية استنادا الى التطورات الدرامية في سوريا في العام الماضي. فالاسلام ولو المتطرف كان الدرع الواقية التي لجأت اليها الولايات المتحدة عبر العقدين او الثلاثة الماضية في وجه تمدد الشيوعية ومواجهة السوفيات في افغانستان، ومن ثم حتى في وجه القومية العربية المخيفة بالنسبة الى اسرائيل باعتبار هذه الاخيرة ساهمت في هزيمة اسرائيل، ولم يكن عبثا تدمير العراق بعد تولي اسرائيل تدمير مفاعل تموز العراقي، ولاحقا سقوط النظام السوري في فخ تدمير سوريا كما وتسليم اسلحته الكيميائية. وبحسب اصحاب هذه النظرية، فان الرئيس الاميركي باراك اوباما قد يكون ادرك ولاول مرة من عقود على سياسة اميركية سارت في اتجاه واحد ان الرهان على الاسلام المتطرف خاطئ فضلا عن ان تجربة مصر مع الاخوان المسلمين كانت مخيبة جدا. وهذا التحول انطلق، يقول هؤلاء، من الانفتاح الذي فتحت ابوابه سلطنة عمان على تفاوض اميركي ايراني على الملف النووي الايراني في حين ينقل ديبلوماسيون مطلعون على هندسة هذا الانفتاح ان هذا الاخير طاول نقاطا عدة وسيطاول اخرى تزامنا مع انهاء التفاوض على الملف النووي.
ومع ان ثمة اقتناعا شاملا بان الحرب على الارهاب اصبحت ستارا للصراع المذهبي في كل من سوريا والعراق في شكل خاص حيث يواجه الحكم فيهما المدعوم من طهران اكثرية سنّية في الاولى واقلية سنّية في الثانية، فيما اصبحت هذه الحرب ستارا في كلتا الدولتين وغالبية دول المنطقة من اجل سحق المعارضة السياسية، فان لعبة المصالح هي التي تطغى في نهاية الامر وتملي قواعدها. ومن هذه الزاوية يتم التطلع الى موقف للدول العربية المؤثرة اكثر حزما وشمولية في منع نشوء معادلات على وقع مفاهيم او تطورات قد تأتي على حسابها في نهاية الامر.