بين ظهور «المرشد» والصعود الداعشي
«الحروب الدينية» لتدمير الصعود الإيراني من بغداد إلى بيروت؟
للمرة الثانية في أقل من أسبوع يخرج «المرشد» السيد علي الخامنئي إلى الرأي العام، في مناسبات دينية أو غيرها، ليعلن مواقف، تتصل بالأحداث الجارية في العراق وعموم المنطقة العربية، لا سيما ذي الإمتداد الإمبراطوري، الجغرافي والتاريخي، والطامح إلى بناء مجدٍ تليد، للعرقية، على جغرافيا تلامس حدود روسيا السوفياتية (سابقاً) وبلاد السلاجقة (تركيا رجب طيب أردوغان)، فضلاً عن جغرافيا الخلافة العربية، سواء في بغداد وقبلها في دمشق، إلى حدود مصر المتجدّدة بين حقبتي محمد علي باشا وجمال عبد الناصر.
ليست فارس من الزاوية التاريخية، بعيدة عن مؤثرات الحرب الأولى والحرب الثانية، وبروز الكتلة السوفياتية، وحلول الولايات المتحدة الأميركية محلّ بريطانيا العظمى في إدارة البلدان التي كانت تخضع «للتاج البريطاني» في آسيا وأفريقيا، لا سيّما البلدان الغنية بالثروات المادية (بترول – غاز) أو الثروات الحضارية، أو الفعالية العرقية والدينية والثقافية..
خروج «المرشد الأعلى» للجمهورية الإسلامية في إيران على النحو المتكرّر، والمتوقع أن يتكرر في الأشهر وربما السنوات المقبلة، يعني، أمراً لا يحتاج إلى برهان، بأن إدارة المواجهة في المنطقة، خرجت عن دائرة رئيس الجمهورية أو الحكومة التي تعمل بتوجيهاته، وهي حكومته أساساً، ويعني أن المواجهة كبيرة لدرجة تتطلب تدخل المرشد، وإخضاع كل مقدرات الأمة الإيرانية، والقوى الحليفة، من سوريا إلى العراق ولبنان، وصولاً إلى أفغانستان، وأذربيجان تحت «إدارته الرشيدة»..
تزامن خروج المرشد إلى الساحة (وهو لم يغب عنها أصلاً) في وقت كثفت الولايات المتحدة الأميركية جهودها الدبلوماسية لاستثمار «الصعود الناري» غير المفاجئ لتنظيم دولة الإسلام في العراق وسوريا» المعروف بـ«داعش» على أرض الميدان، وتضخيم دوره في إبعاد القوات المركزية العراقية عن شمال العراق، وربط الحدود السورية بالعراقية، والكلام المتضخم عن تهديده بغداد، فضلاً عن الحشد المخيف على حدود الأردن، والمعلومات التي راحت تتضخم عن إمكانية بلوغ الحدود السعودية المتاخمة لحدود العراق اضافة إلى الإعلان عن تبني عمليات التفجير المحدود في بيروت، والزعم أن بعض عناصر التنظيم كانوا يستهدفون المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، واغتياله، فضلا عن تجمعات بشرية، تنتمي إلى حزب الله وحركة أمل (وهما تنظيمان شيعيان) وجمعيات ومؤسسات في ضاحية بيروت الجنوبية..
لا يختلف اثنان عن أن الصعود «الداعشي»، بصرف النظر عن البنية الجغرافية، البشرية، والسياسية، التي يتحرك فيها، وضربته الكبيرة في شمال العراق، والإستثمار السريع للطرف الكردي، في استثماره لضم كركوك إلى كردستان (الإقليم النواة للدولة الكردية) شكّل ضربة موجعة للإستراتيجية الإيرانية، التي نجحت في تحييد نظام بشار الاسد عن الهجوم الدولي في آب الماضي، على خلفية الترسانة الكيماوية من الأسلحة الفتاكة، والتي نجحت في تمكين هذا النظام من الصمود واجراء انتخابات رئاسية لولاية ثالثة، للرئيس بشار الأسد، فضلاً عن تعزيز قوة حزب الله اللبناني، والفصائل العراقية، التي تنتمي إلى تشكيلات مثل لواء أبو الفضل العباس، وآخر تابعة للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، عبر حرب ميدانية، رجحت قوة الأسد، وأثبتت قدرة الاستراتيجية الإيرانية على التكيّف مع المتغيرات وتمرير العواصف الكبرى، في ظل عودة التجاذب إلى «الثنائية القطبية» حول العالم، مع المواقف المتشدّدة لفلاديمير بوتين الرئيس الروسي، وضعف القرار الاجرائي لدى إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما..
ولعلّ الضربة الكبرى، لا تتمثل في توجيه ضربة لنوري المالكي، الحليف الإستراتيجي لطهران في العراق، والطريق البرّي الذي يربط ايران بسوريا، امتداداً إلى المنافذ على البحر المتوسط من شواطئ طرطوس واللاذقية إلى الأوزاعي امتداداً إلى رأس الناقورة، أي بمحاذاة الشاطئ الشرقي للمتوسط في المناطق التي تمتد عليها سيطرة «حزب الله» الحليف الاستراتيجي» الأقوى في حرب العصابات على الأرض، بعد نجاح التجربة بمواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ونجح بالتجربة الأخرى، بمواجهة «الجماعات المسلحة» والمدربة، والمقاتلة لنظام الأسد في سوريا .. بل أن الضربة موجهة أساساً لقطع أوصال «الاتصال البرّي» والاتصال الميداني، وبعثرة هذه القوة التي عمل «نظام المرشد» على بنائها على امتداد السنوات الثلاثين الماضية، مع المواجهة المعقدة التي خاضتها ايران مع العراق أيام صدام حسين..
لا غرو في أن التطورات العسكرية على الأرض، حيث يلعب الإيراني بالواسطة، حيناً، وبالمباشر حيناً آخر، شكلت ضربة و صدمة في آن، لمجمل العقل الإمبراطوري، الحربي، العسكري، في مرحلة العودة إلى الحروب، لا سيما في الشرق الأدنى، والشرق الأوسط، لإعادة توليد خطوط المصالح، بعد ما أثبتت التكنولوجيا في حقول المال والإستخبارات والمعلومات انها غير قادرة لا على «حماية المصالح الكبرى» ولا على رسم الخرائط من جديد، في عالم يشهد سباقاً غير مسبوق على الموارد، وسباقاً محموماً على الأسواق غير المفتوحة، بل المقفلة أيضاً، يضاف إلى كل ذلك الحاجة إلى الحروب، لوضع اليد على «الأموال المتراكمة» أو نهبها عن طريق التسلّح وإعادة إعمار ما تهدّم، بعدما، ضربت البطالة العالم الغربي «بالمديونية القاتلة» من أوروبا الصناعية إلى الولايات المتحدة الأميركية.،.. التي تدعم «جهات الحروب الدائرة» في المنطقة العربية، وعينها المفتوحة على تنامي القدرة الإقتصادية و التكنولوجية الصينية التي غزت العالم من أقصاه إلى أقصاه..
في المعلومات غير المتداولة، إلا على نطاق ضيّق أن الضربات لن تقتصر، في ما خصّ إضعاف «الاستراتيجية الإيرانية» على تهديد هذ ا البلد من الجار الذي لطالما اعتبره «خصماً لدوداً» أو دعم المعارضة المدنية والمسلحة، فضلاً علی استهداف «الجغرافيا الخاضعة» لقرار المرشد الأعلى، من سوريا إلى لبنان، عبر العمليات الأمنية، التفجيرات، السيارات المفخخة، والقنابل البشرية، التي تجهز بالعشرات، كما تضع القنابل والأحزمة الناسفة وكل ادوات الحرب الاخرى.
بصرف النظر عن مآل الملف النووي، ثمة خطط لإضعاف القو الايرانية تسبق «الحرب المدمرة»، ولا بأس بالتالي من إغراق المنطقة، ومنها جغرافيا الشيعة في لبنان، في بحار من الدماء، ملونة بالإنقسام بين المسلمين سنة وشيعة، ولا همّ بعد ذلك من التصنيفات، فالمهم النتائج؟!