يكسب الرئيس سعد الحريري من جعل انتخاب رئيس للجمهورية اولوية الاولويات قبل اي خطوة أخرى بما فيها الانتخابات النيابية التقاءه مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي دأب في المرحلة الاخيرة على تصعيد خطابه وتوجيه الانتقادات للمعطلين احراجاً لهم امام الرأي العام اللبناني وضغطاً عليهم للتخلي عن مصالحهم الشخصية وصولاً الى انتقاده الرئيس نبيه بري ولو من دون ان يسميه، من خلال انتقاده اقفال مجلس النواب فيما يفترض ببري عقد جلسات متواصلة للمجلس احراجاً للمعطّلين ووضعهم امام مسؤولياتهم، في رأي البطريرك. وهو الامر الذي يعجز عنه بري واقعياً، اقله في معايير اللعبة الداخلية من دون الاعتبارات الخارجية المؤثرة ايضاً، كونه يحرج حليفه “حزب الله” اساساً ثم حليف حليفه العماد ميشال عون الذي لا يزال مصراُ على مقاطعة جلسات المجلس ما لم يتم انتخابه هو رئيساً فيما يختبىء وراءه “حزب الله” في انتظار ان يقرر عون اي اتجاه يسلك. يظهر الرئيس الحريري في اصراره على هذه الاولوية حرصاً على موقع الرئاسة الاولى المعقودة للموارنة اكثر من بعض القادة الموارنة انفسهم بحيث يشكل تلاقيه مع بكركي في المواقف نفسها معطوفة على نقطتين اساسيتين كانتا دوما في خطاب الحريري اي الحرص على المناصفة من ضمن الحرص على اتفاق الطائف ورفض التطرف السني اياً كان شكله، ما يمكن ان يبعد بكركي الحالية برئاسة البطريرك الراعي عن المنطق الذي دفع الكنيسة المارونية الى اعتماده منذ وصوله الى سدة البطريركية . واهمية هذه المواقف المكررة انها تكتسب معنى ابعد مع الطفرة الداعشية في المنطقة وتهديدها المسيحيين في العراق بحيث يقفل الحريري، اقله من زاوية ما يمثله على صعيد السنة في لبنان مخاوف المسيحيين من امر مماثل. وتاليا فمن احتضن مواقف البطريرك من القوى السياسية او المواقف التي وجدت احتضاناً لها في مواقف البطريرك باتت تشعر بانها باتت تفتقد حليفاً وداعماً او هي عدته كذلك في كل المواقف التي اتخذها في العامين الماضيين وقبل زيارته الاراضي المحتلة في فلسطين، فيما ان التقاء مواقف بكركي مع خصومهم يوسع مروحة منطق فريق 14 آذار وتيار المستقبل في الداخل كما في الخارج الداعم للبنان على حد سواء. وهذا أمر لا يستهان به اذا اخذ في الاعتبار ان الرأي المسيحي كمرجعية مرجحة هي لبكركي في الدرجة الاولى في غياب اي مرجعية اخرى خصوصاً رئاسة الجمهورية.
يضاف الى ذلك ان خارطة الطريق التي حددها الرئيس الحريري تجد صدى ايجابياً لدى بعثات ديبلوماسية مؤثرة تجد ان الاولوية القصوى راهناً هي لانتخاب رئيس للجمهورية وليس لأي استحقاق آخر اياً كانت اهميته بما فيها استحقاق الانتخابات النيابية، كما باتت ترى المنطق نفسه من ان اي استباق او اهمال لانتخاب رئيس الجمهورية يمكن ان يؤدي الى فراغ على مستوى المؤسسات الاخرى بحيث يشكل الامر مخاطرة لا تبدي الدول المؤثرة المعنية اي استعداد لخوض هذه المخاطرة. وهي تجد ايضاً صدى ايجابياً داخلياً في حال أخذ في الاعتبار تلاقي موقف الحريري وكتلته وما تترجمه من موقف مماثل لقوى 14 آذار مع موقف بكركي في الدرجة الاولى، اضافة الى التقاء موضوعي مع موقف النائب وليد جنبلاط الذي يفضل اولوية انتخاب رئيس للجمهورية اولا على الاولويات الاخرى والتقاء موضوعي مع قوى اخرى عدة ومن ضمنها الرئيس نجيب ميقاتي الذي لا يخفي خشية من حرب أهلية مسيحية في حال إجراء انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية، نتيجة التنافس على الحصول على اكثرية ضامنة للثلثين في مجلس النواب من اجل انتخاب رئيس جديد.
لم يعتد اللبنانيون ان يسلم أي طرف بفاعلية او جدوى اي مبادرة يتقدم بها اي طرف خصم اياً تكن الايجابيات التي تتضمنها وحتى لو تضمنت نقاطاً مختلفاً عليها يمكن ان تكون مثار نقاش داخلي، أقله في الاعوام القليلة الماضية. فقوى 8 آذار ارتبكت بالمبادرة التي تقدم بها العماد عون لانتخابات رئاسية من الشعب ولانتخابات نيابية على اساس كل طائفة تنتخب نوابها ولم تتحمس لان توافق عليها او انها لم تجدها عملية لاعتبارات لا مجال للدخول فيها، لكنها لن تسلم بمبادرة الحريري التي تضمنت رفضاً علنياً وصريحاً لمبادرة عون من خلال اصرار الحريري على المناصفة التي وردت في اتفاق الطائف وعلى رغم موضوعية الاولويات التي تضمنتها، وذلك نتيجة مطالبة الحريري “حزب الله” بالانسحاب من سوريا او لاصراره على اتفاق الطائف وعدم التخلي عنه
هذا التلاقي الموضوعي بين رؤى سياسية لقوى متعددة تضع الاولوية المطلقة لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية يفترض من حيث المبدأ ان يشكل عوامل ضاغطة معنويا على معرقلي حصول انتخابات رئاسية في الوقت التي تشتد المخاطر الاقليمية على لبنان . لكن لا حياة لمن تنادي.