يلعب العماد ميشال عون ورقته الأخيرة في جلسة 22 أيّار واليومين التاليين. وبعدها تحترق الورقة ويتحرَّر «حزب الله»، ويبدأ مفاوضاته الجدِّية. ويقال إنّ الأسماء الجدِّية باتت في الجَيب لا في الغيب!
تبلَّغَ الدكتور سمير جعجع من حليفه الرئيس سعد الحريري، في باريس، ما يأتي: كُن مطمئناً، ولا توصِ حريصاً. لن أدعم عون لرئاسة الجمهورية. فأنا ملتزم حلفائي ووفيّ لهم. وفي المقابل، لا أنسى إساءات عون، ولا سيّما تلك التي ارتكبها خلال اجتماعي بالرئيس باراك أوباما في أيّار 2010، ودوره يومذاك في إسقاط حكومتي. يومذاك، دخلتُ إلى الاجتماع رئيساً لحكومة لبنان وخرجتُ منه رئيساً لحكومة مستقيلة.
وتبلّغَ القريبون من الحريري تأكيده في الإجتماعات الـ14 آذارية، الضيّقة والموسّعة، في باريس، حيث كان أيضاً وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل والنائب وليد جنبلاط، أنّه لن يسهِّل وصول عون لا بالمباشرة ولا بالمناورة (أي بتأمين النصاب لإنتخابه، إذا تبيَّن أنّ بعض الوسطيين سيدعمونه من تحت الطاولة)، وأنّه سبق أن أبلغ عون بعدم تأييده. لكنّ الرابية مُصرَّة على الوساطات معه ومع السعودية، لعلَّها تثمر.
أمّا في بيروت، فالمعلومات تشير إلى أنّ هناك إتفاقاً ضمنياً بين «حزب الله» وعون، يتمتّع بموجبه الأخير بدعم «الحزب» كمرشّح طوال المهلة الدستورية، أي حتى انتهاء ولاية سليمان. ولكن، بعد الفراغ، سيتحرَّر «الحزب» من هذا التفرُّد، وينتقل إلى الجزء الثاني من خطته، أي الدخول في المفاوضات الجدّية، بحثاً عن رئيس.
فليس عون مرشّح «حزب الله». وبالنسبة إلى «الحزب»، هو يصلح لدور الحليف، وأمّا الرئيس فله مواصفات أخرى. وفي أيّ حال، لم يقصِّر «الحزب» مع عون بالمكافآت على اختلافها… ولا داعي للرئاسة أيضاً!
ولذلك، ستتمّ المفاوضات بين «الحزب» و»المستقبل»، وفي مشاركة الرئيس نبيه برّي وجنبلاط. وستكون هناك تغطية إقليمية للمفاوضات من خلال الحوار السعودي – الإيراني، بمشاركة أميركية وأوروبية وفاتيكانية. وأمّا التسوية وتوقيتها فمرتبطان بالحوار ومجريات الإنتخابات السورية والعراقية والمصرية. فـ»الطبخة» الإقليمية ستكون شاملة، والشقّ اللبناني منها سيكون شاملاً أيضاً، أي سيشمل إستحقاقات الرئاسة والحكومة والمجلس النيابي المقبل. فهي كلّها تتزاحم في الصيف الحارّ.
واتّجاه المعركة الرئاسية قيد التبلوُر. لكنّ المراجع الفاعلة تتداول جدّياً إسم العماد جان قهوجي. وثمّة مَن يعتقد أنّ القوى المسيحية وبكركي ستدعمه في النهاية، كونه الخيار التوافقي المُتاح. وهو يَلقى تشجيع «8 آذار» والحلفاء الإقليميّين، ويمكن أن يحظى بقبول «المستقبل» وحلفائه العرب، بعد أن تتكفّل المفاوضات الجارية والمرتقبة بتظهير المعطيات.
والمرحلة الحسّاسة أمنيّاً تدعم فُرَص قهوجي وتوفير الإجماع النيابي الذي يقتضيه تعديل الدستور، على غرار الإجماع على تكليف الرئيس تمّام سلام رئاسة الحكومة.
ووفقاً لأوساط 14 آذارية، فإنّ الحريري لا يستطيع دعم عون لأسباب مبدئية أوّلاً، ثم للسببَين الآتيين:
– يدرك الحريري أنّ عون ليس مرشّحاً توافقياً أو توفيقياً. و»الوجه الحلو» الذي يُظهره أخيراً لا يمحو سنوات «الإبراء المستحيل» والـ»وان واي تيكت». وعندما يصل عون إلى بعبدا سيعود إلى مكانه.
– إنّ هذا الخيار الإنقلابي، يقضي على «14 آذار». وسيكون درساً لمسيحيّيها مفادُه أنّ تحالف عون و»حزب الله» كان صائباً، وأنّ خيار «القوات اللبنانية» والكتائب والقوى المسيحية الأخرى إلى جانب «المستقبل» كان خاطئاً، وأنّ مَن يعتمد على «الحزب» وسوريا وإيران لا يخيب، وأنّ على المسيحيين جميعاً، بعد اليوم، أن يرتبطوا مباشرةً بالأقوياء، بدل أن يتركوا الآخرين يبيعونهم للأقوياء. وهذا ما فعله الدروز الذين كانوا على حقّ عندما «دبَّروا رأسَهم»، بعد الدرس الذي تلقّنوه في 7 و8 أيار 2008، والذي كاد يكلّفهم الكثير.
لقد نجح جعجع في إنقاذ «14 آذار»، وإنقاذ الحريري من الصدمة، وإنقاذ الخيار المسيحي الحليف. ويبقى للحريري إنقاذ الرئاسة، وهذا هو التحدّي الأكبر!