IMLebanon

الحريري لن يعطي جوابه قريباً

بدأت الحركة الاقليمية التي يعوّل عليها اللبنانيون للخروج من مأزق الشغور الرئاسي. فقبل نهاية هذا الشهر سيعقد الاجتماع السعودي – الايراني العلني الاول بعد سلسلة لقاءات عُقِدت بعيداً من الاضواء ساعدت عليها دول خليجية عدة أبرزها سلطنة عمان والكويت.

إلّا أنّ انطلاق هذه الحركة يجب ألّا يعطي جرعات تفاؤلية مبالغ فيها، ذلك أنّ الملفات الاقليمية والتي تشكّل أولوية مطلقة بين البلدين لا يبدو الملف اللبناني أحدها، ما يعني أنّ علينا الانتظار بعض الوقت لكي يبدأ دور لبنان. فحين انطلق التواصل بين البلدين في الكواليس السرية بعد مرحلة طويلة من المواجهات العنيفة في ساحات المنطقة، بَدا أنّ الملف العراقي يشكل الاولوية المطلقة على ما عداه من ملفات أخرى. فالانتخابات العراقيّة كانت على الأبواب وهي تأتي بعد الانتخابات السابقة التي خسرت فيها السعودية رهانها مع أياد علاوي وأوصلت نوري المالكي بمباركة أميركية، شكلت إشارة مبكرة لِما ستؤول اليه العلاقات بين البلدين بعد سنوات.

صحيح أنّ المالكي لم يستطع الامساك بكلّ مفاصل السلطة وسط يوميات السيارات المفخخة، إلّا أنّ إيران نجحت في انتزاع ورقة الشرعية العراقية، ما عزَّز ثقتها وقدرتها لتحقيق الهلال الشيعي الذي يصل الى شواطئ البحر الابيض المتوسط جنوب لبنان.

لذلك بَدا الملف العراقي متقدماً في أهميته على غيره من ملفات المواجهة بين البلدين. وما فاقمَ من خطورة الملف العراقي، وبالتالي وضعه في إطار المعالجة السريعة، المناطق الواسعة التي سيطرت عليها «داعش» بسبب اختراقات مهمة في الجيش العراقي ما أدّى الى انهيارات خطيرة واقتراب هذا التنظيم من فرض خريطة جغرافية جديدة تكون بمثابة افغانستان في قلب المربّع العراقي ـ السوري ـ الايراني ـ التركي والكردي مع كل الثروات النفطية والطبيعية التي تختزنها هذه المنطقة.

وعلى رغم خطورة هذا الوضع، إلّا أنّ له ايجابية لجهة تنشيط خطوط التواصل وتسريعه بين الجبّارين الاقليميين، ما يجعل الملف اللبناني قابلاً للتأخير، ولكن ليس لفترة طويلة، خشية عودة التشقّق السريع الى ساحته الشديدة الحساسية.

وانطلاقاً من كل ذلك، كان لا بد من وضع تنظيم لبناني داخلي خاص هدفه ضبط الفوضى في مرحلة الشغور الرئاسي. صحيح أنّ واشنطن كانت قد عملت على استباق هذه المرحلة من خلال الضغط لتأمين ولادة حكومة وحدة وطنية قادرة على ملء «الفراغ» الرئاسي الآتي، إلّا أنّ آليات تنظيم العمل الحكومي لم تكن واضحة في ظلّ الانقسام السياسي الداخلي الكبير والخلافات العاصفة.

وخشية صحّة المعلومات التي وصلت الى واشنطن عن سَعي «حزب الله» الى استغلال الفوضى السياسية الحاصلة، لا بل تأجيجها للوصول الى هدم النظام السياسي القائم لمصلحة «المثالثة»، حضر وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى بيروت ليؤكد أنّ ضرب الحكومة خط اميركي أحمر. وجاء ردّ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سريعاً بأن لا نية لدى الحزب للذهاب الى «المثالثة» وأنّ ما يهمه هو رئيس «مضمون».

ومع زيارة كيري تحرَّكت «الايجابيات» الداخلية وحصل اتفاق سريع بين الأفرقاء اللبنانيين الاساسيين على حماية آلية عمل المؤسسات في ظل الشغور الرئاسي وفق النقاط الثلاث الآتية:

1- طرح بنود جدول اعمال مجلس الوزراء سلفاً على اللجنة الوزارية التي تمثل الكتل السياسية الاساسية بحيث يتمّ إسقاط ايّ بند لا يحظى بالموافقة المسبقة لجميع اعضائه. على أن تكون صفة هذه البنود استثنائية لكي يبقى عمل الحكومة استثنائياً في ظل الوضع العام الاستثنائي المتمثّل بشغور موقع رئاسة الجمهورية. وتؤخذ بعدها القرارات في مجلس الوزراء بموافقة الاكثرية الوزارية.

2- اعتماد صيغة مشابهة بالنسبة الى جلسات مجلس النواب من خلال التوافق المسبق بين الكتل النيابية الاساسية على جدول الاعمال.

3- أيّ تعطيل يصيب عمل الحكومة يبادَل بالمثل مع مجلس النواب والعكس صحيح.

وهذه التسوية الموقتة من المفترض أن تؤمن مساراً معقولاً للبلاد في انتظار التوصل الى تسوية لملف الاستحقاق الرئاسي عندما تسمح الاتصالات السعودية ـ الايرانية بذلك.

ويروي سفير دولة اوروبية بارزة أنّ عاصمة بلاده فهمت أنّ النائب ميشال عون قابل لأن يعلن انسحابه من السباق الرئاسي في حال سمع من الرئيس سعد الحريري مباشرة جواباً سلبياً حيال ذلك.

أمّا عن أسباب تردّد الحريري في إعطاء جوابه الحاسم في هذا الشأن، فيعزوه السفير الاوروبي إلى اقتناع الحريري بأنّ الاجواء الإقليمية لم تنضج بعد لإنجاز تسوية رئاسية في لبنان، وهو يخشى بالتالي في حال إعطاء جواب حاسم لعون أن يضع ذلك ترشيح سليمان فرنجية على الطاولة، ما سيجعل الامور أصعب على تيار «المستقبل» الذي سيُصبح من ناحية محشوراً أكثر على مستوى اللعبة الرئاسية، ومن ناحية اخرى يخسر العلاقة الجيدة التي نسجها مع «التيار الوطني الحر»، والتي تشكّل له مكسباً كبيراً على مستوى اللعبة السياسية الداخلية.