IMLebanon

الحسم، في السياسة والأيديولوجيا أولاً

بهدوء |

الحسم العسكري في مواجهة الفاشية الإسلامية في المشرق، يتطلّب، أولا، الحسم السياسي، ويفرض، ثانياً، حلاً سياسياً جذرياً للهواجس المذهبية، ولا يستقيم، ثالثاً، من دون خطاب أيديولوجي جديد.

يبدأ الحسم السياسي من الإعلان الصريح الجماعي، لدى محور المقاومة، عن أربع دول معتدية على سوريا هي تركيا والسعودية وقطر؛ تمارس هذه الدول، الحرب الفعلية شبه المعلنة على الجمهورية العربية السورية. ومن غير المفهوم ألا تعلن دمشق، هذه الدول كقوى معتدية، ووضع النقاط على الحروف، في كل ما يتصل باعتداءاتها على السيادة السورية.

من الواضح أن المشكلة الخلافية، هنا، تتصل بتركيا ودورها؛ ولا تقلّ الأطراف الخليجية المعادية، حقداً على سوريا، وإيذاءً لها، ولكن تركيا، على وجه الخصوص، هي الوحيدة التي تملك المشروع الأخطر في البلاد. وهو مشروع مثلث الأركان، يتضمن (1) تقسيم الجمهورية العربية السورية، وفرض الحماية على مناطق الكيان السني المقترح. وهو المأمول، أيضاً، في ما يتصل بالكيان السني العراقي، (2) اغتصاب أراضٍ سورية جديدة، (3) وفي هذا السياق، تقويض المشروع الكردي، السوري ــــ التركي. وبالخلاصة، استعادة صيغة “عصرية” للسيطرة العثمانية على المشرق.

×××

تركيا الأردوغانية هي العدوّ الوحيد لسوريا الذي يملك أجندته الخاصة الاستعمارية التوسعية. ولذلك، فإن علاقة النظام التركي بالتنظيمات الإرهابية، ليست علاقة برّانية أو تهدف إلى استخدام تلك التنظيمات، فحسب، في تقويض النظام السوري؛ أنقرة، تحت حكم الإخونج، أقامت، مبكرا، علاقات وثيقة للغاية، مع العديد من الجماعات الإرهابية، خصوصا بين اسلاميي آسيا، ولعبت الدور المركزي في تأسيس ما يُعرَف بـ “الجيش الحر”، ومنح المقاتلين السوريين والعرب والأجانب، تسهيلات المرور والتسلّح، بالكمّ والنوع، والخدمات الاستخبارية والقواعد الخلفية والعلاج وحتى تأمين فترات استراحة المقاتلين الخ. وإلى ذلك، قدّم الأتراك، أشكالاً عديدة من الدعم الميداني لكل التنظيمات التكفيرية الإرهابية المسلحة ــــ من النصرة وأخواتها ــــ المنضوية الآن في ما يسمى “جيش الفتح” ــــ بل وشارك الأتراك في القتال مباشرة، كما حدث، سابقاً، في كَسب، وكما يحدث، اليوم، في إدلب وجسر الشغور. إلا أن أخطر مشاريع تركيا الأردوغانية الإرهابية، يكمن في علاقاتها الاستخبارية والتسليحية والسياسية والمالية، مع تنظيم “داعش” الإجرامي.

وعدا عن هذين المسارين التدخّلين، تزمع أنقرة، تدريب المزيد من المقاتلين الإرهابيين، وتعلن، صراحة، أنها اتفقت مع الولايات المتحدة، على استخدام الطيران التركي لدعم القوى الإرهابية، في مواجهة الجيش السوري.

استمرار الصمت على العدوان التركي على سوريا، بات موضع التباس في سياسات محور المقاومة، بل هناك، على هوامشه، مَن يتحدث عن “الجمهورية التركية الشقيقة والصديقة”! وينطبق ذلك على الموقف الملتبس من الإخونج، و حركة حماس، الوالغة في الدم السوري، وما تزال تُعتَبَر في صف المقاومة.

×××

قوة الإرهابيين من “جيش الفتح ــــ القاعدة” إلى “داعش”، وعلى رغم اعتمادها الكبير على التواطؤ الأميركي، وعلى الدعم العسكري والاستخباري التركي والتمويل السعودي ــــ القَطري ــــ الخليجي في سوريا والعراق، لا تأتي من خارج المجتمع؛ بل من قلب المجتمع نفسه، بالنظر إلى ما تصاعد من هوس جماعات وطنية بالمظلومية المذهبية، حتى أن أكثر عناصر تلك الجماعات، وطنيةً وعقلانيةً، تنطوي على تأييد ضمني للإرهاب، تحت شعار “عليّ وعلى أعدائي”.

لا مجال للحوار مع الإرهابيين إلا بالسلاح، وعلى منهج هجومي لا يقع أسيرا لأي حسابات؛ ولا جدوى من الحوار مع الشخصيات “المعارضة”، المحسوبة على المثقفين وأنصاف المثقفين، كون تلك الشخصيات لا تقدم ولا تؤخّر في واقع الحرب؛ إنما المطلوب خطاب وطني شامل لاستيعاب الهواجس الناجمة من مشاعر “مظلومية سنية”، خصوصا في العراق، وبالدرجة الثانية في سوريا؛ بالنسبة للأزمة العراقية، فإن حلها واضح بفسخ دستور “بريمر” القائم على المحاصصة الطائفية، والذهاب إلى مؤتمر وطني تأسيسي، يرفض الفدرالية والمحاصصة والانفصالية، ويعيد تأسيس الدولة الوطنية العراقية على أساس المواطنة. في سوريا، المشكلة أسهل؛ فالدستور وطني، وبنية الدولة وطنية، والجيش الوطني الفعّال موجود؛ وما يبقى مبادرة سياسية جذرية، يقررها السوريون من دون حوار مع أحد، من خلال حكومة حرب مفوّضة بإدارة شؤون الحرب، العسكرية والمدنية، برئاسة وزير الدفاع مثلاً، واعلان حالة الطوارئ والحرب الوطنية، والشروع في هجوم معاكس.

×××

نأتي أخيراً إلى الخطاب الأيديولوجي اللازم، حتماً، لمنح المقاومة، الغطاء السياسي والمعنوي، لقرارها بأن تكون “حيث يجب أن تكون”، لخوض الحرب ضد الفاشية الإسلامية، من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى الأردن، كما لمواجهة العدو الإسرائيلي في فلسطين. هذه الحركة النضالية الشجاعة التي تكسر الحدود المشرقية، لا يمكنها أن تعبّد طريقها إلا بكسر الحدود الأيديولوجية أساسا؛ لا يستطيع حزب الله، الاسلامي الشيعي اللبناني، أن يتمدد ــــ ونحن نريده أن يتمدد ــــ بصفاته تلك؛ لا يمكنه ذلك من دون تبني الأيديولوجية القومية المشرقية العربية، فكرا وصيغا تنظيمية. وهذه الأيديولوجية هي، وحدها، القادرة على منح الشرعية الكاملة للمقاومة للتحرك في كل مكان من المشرق، واجتذاب كل المناضلين والمجاهدين، على أساس الرابطة المشرقية العروبية الانسانية الواحدة.