الحكومة تتضامن مع نفسها: لا مقايضة ولا مفاوضات مباشرة مع الخاطفين
داعش والنصرة ترفعان سقف شروطهما .. توسيع خلية الأزمة واتصالات خارجية
خرجت الحكومة من «معضلة» العسكريين المحتجزين، لدى المجموعات السورية المسلحة في جرود عرسال متماسكة ومتباهية في الوقت عينه بالتضامن بين اطيافها، وهذا امر «جيد» بحسب وصف احد الوزراء، نظراً للانقسامات التي عصفت في صفوفها ازاء سبل معالجة هذه القضية الداهمة، لكنها لم تكن على قدر الخطر الذي يواجه لبنان (والتعبير للوزير نفسه)، على اعتبار ان الخطر يتجاوز صعوبة مواجهته للإرهاب وتثبيت استقراره الامني والسياسي، الى الخوف على الكيان وعلى سلمه الاهلي وتماسك نسيجه الاجتماعي، نتيجة للتداعيات التي ما يزال يتسبب بها استمرار النزوح السكاني الكثيف من سوريا وغيرها من الدول المجاورة.
ولم تحتاج الحكومة الى اكثر من ست ساعات من النقاش المستفيض بين الوزراء، لتؤكد باجماع اعضائها على التضامن الحكومي، وعلى التأكيد بأن سلامة العسكريين لا يمكن ان تكون موضع مساومة او مقايضة، داعية اللبنانيين الى «عدم الانجرار لمحاولة تحويل مسار المعركة كي تصبح مع الدولة، وكأن الدولة هي خاطفة العسكريين، في حين ان الجهود يجب ان تكون مشتركة بين الدولة والمواطنين معاً في مكافحة الارهابيين، في وقت اشارت معلومات الى ان جبهة «النصرة» التي تحتجز 14 عسكرياً ابلغت وسطاء انها لن تفرج عن عسكريين جدد الا في اطار موافقة الحكومة على عملية تبادل تتضمن الافراج عن 15 موقوفاً اسلامياً، مقابل كل عسكري مخطوف.
وفي تقدير مصادر وزارية، ان صرخات اهالي العسكريين الذين اعتصموا لساعات في ساحة رياض الصلح وعلى قدر ساعات الجلسة الماراتونية للحكومة، وصلت اصداؤها فعلاً الى السراي الحكومي، ولا سيما اتهام الحكومة بمنع الجيش من تحرير العسكريين المخطوفين، وهو اتهام فعل فعله داخل جدران القاعة الكبرى، مما دفع الوزراء الى وضع خلافاتهم السياسية في قضية العسكريين جانباً، والانتقال الى المواجهة والتصدي لهذا الاتهام غير الصحيح بالمطلق، انطلاقاً من ان الدولة ليست عاجزة، وليست في موقع ضعف، وبالتالي فانها لن تتخلى عن مسؤوليتها باتجاه مواطنيها، ولا باتجاه العسكريين الذين هم ابناء مؤسسة حامية للوطن، على حد تعبير الرئيس تمام سلام، في كلمته تعقيباً علىمداخلات الوزراء، وصرخة اهالي العسكريين.
وبحسب المصادر الوزارية، فان النقاش في الجلسة بشأن ملف العسكريين المخطوفين، تركز على كيفية تظهير الموقف الجامع للحكومة، مؤكدة ان ما من احد من الوزراء طرح موضوع المقايضة ومبادلة العسكريين بالموقوفين الاسلاميين في سجن رومية، وان الكل ابدى رفضه لهذا الموضوع وابرزهم وزير العدل اللواء اشرف ريفي الذي شدد على ان القضية يجب ان تعالج من بابها الوطني العريض وليس السياسي او الطائفي، مؤكداً ان التضامن له انعكاس ايجابي على المصلحة الوطنية.
وقالت المصادر ان الحكومة على لسان الرئيس سلام، كشفت صراحة عن حصول مفاوضات او اتصالات جرت مع دول، على غرار ما حصل بالنسبة الى مخطوفي اعزاز، مؤكدة ان المداولات داخل الجلسة لم تظهر انقساماً في الآراء، وان النقاش دار حول كيفية تحرير المخطوفين، حتى ان وزراء اثاروا مطالب الجهات الخاطفة، مشيرين الى ان الحديث عن فتح باب السجون لاخراج موقوفين سيكون مكلفاً، كما ان هناك انعكاساً له على الامن القومي، وكيف بالامكان اخراجهم، هل من خلال عفو او ماذا؟ كما ان هناك اشخاصاً عليهم احكام معينة، واصفة الامر بالمعقد.
وفي المقابل كان هناك من توقف عند ضرورة تفهم مشاعر الاهالي والعائلات، لكن في المقابل يجب التأكيد لهؤلاء الاهالي ان الدولة ليست الجهة الخاطفة، مشيرة الى ان مسار الاحداث اظهر وكأن المواجهة تحولت بين الاهالي والحكومة، وان وسائل الاعلام ساهمت بنقل مواقف تحريضية ضد الحكومة.
واشارت المصادر الى ان معظم الوزراء الذين كانت لهم مداخلات شددوا على اهمية الحزم وعدم حصول اي مشكلة بين الحكومة والاهالي، مؤكدة ان البيان الذي صدر عن الاهالي وفيه اتهام للحكومة بأنها منعت الجيش من مواصلة تحركه في موضوع المخطوفين في عرسال ليس صحيحاً ابداً.
ونفت وجود مهلة لعمل الخلية الوزارية المكلفة ملف العسكريين بعد توسيعها بضم الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل، مشيرة الى ان عمليات الخطف تحصل في اعرق دول العالم والمسألة تأخذ وقتاً، ولذلك لا بد من ان يتفهم الاهالي هذا الامر، لا سيما وان الجهات الخاطفة تنتمي الى منظمات لا فكر لها ولا دين.
وعلمت «اللواء» ان الرئيس سلام هو الذي اقترح ضم وزيري المال والخارجية الى خلية الازمة، نظراً لطبيعة موقع الاول، وللاتصالات التي ستجري مع دول خارجية للسعي لاطلاق المخطوفين.
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«اللواء» ان الموضوع يتابع بجدية، وان هناك خطراً على لبنان، لافتاً الى ان تنظيم «داعش» يصدّر الازمة لنا، في حين انه هو من خطف ويدفع في اتجاه خلق ازمة بين الحكومة واهالي المخطوفين.
ورأى الوزير درباس أن بعض الخطابات التي صدرت مؤخراً يقصد بها إحداث فتنة، وقال: «لانفهم لماذا يجب تضييع البوصلة فعدو الأهالي هو عدو كل لبنان، ونحن نتفهم مشاعرهم وقطعهم للطرق والتجمّع أمام السراي، لكننا نقوم بكل ما في وسعنا لتحرير العسكريين وهذه مسألة لها أولوية مطلقة وسنتواصل مع كل دول العالم تحقيقاً لهذه لغاية.
المشنوق
وفي المعلومات الخاصة بـ «اللواء» أن وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كانت له مداخلة عرض فيها للمراحل التي مرت فيها الاتصالات لتحرير العسكريين، والتي بدأت بتفاوض تطوعي مشكور من قبل «هيئة العلماء المسلمين» أسفر عن إطلاق عشرة من العسكريين من دون مبادلة أو تنازل، وجّه حديثه الى مجلس الوزراء، طالباً بأن يأخذ قرارات واضحة ومحددة حول ثلاثة مواضيع وثلاثة أسئلة وهي:
– إقرار مبدأ التفاوض نعم أم لا؟
– إقرار مبدأ المبادلة نعم أم لا؟
– وضع النازحين في عرسال ومحيطها.
وأوضحت مصادر وزارية، أنه استناداً الى هذه التساؤلات اتخذ مجلس الوزراء قراره بأن سلامة العسكريين لن تكون موضع مساومة أو تخاذل أومقايضة، مشيرة الى أن النقاش كان هادئاً وميّالاً نحو تساهلات معينة، الى أن أتى الى المجلس خبر إعدام «داعش» للمواطن العرسالي كايد غدادة الذي كان خطف من البلدة منذ أقل من أسبوع، بتهمة التعامل مع «حزب الله»، فتغيّر جو الجلسة في اتجاه منطق المواجهة.
وبحسب المعلومات أيضاً، فقد أقر المجلس مبدأ التفاوض مع الدول وليس مع أطراف، والتي تؤثر على الخاطفين، من دون تحديد هذه الدول، كما أقر مبدأ ما يمكن تسميته بالتساهل ضمن الأصول والقوانين بالنسبة للموقوفين، وتحديداً تسريع المحاكمات، فيما ترك موضوع كيفية استرداد عرسال للمناقشة في مرحلة لاحقة، خصوصاً وأن «التيار الوطني الحر» ما زال مصرّاً على إقامة مخيمات للنازحين في المناطق العازلة بين سوريا ولبنان.
وأوضح مصدر وزاري أن قرار الحكومة بالطلب من قيادتي الجيش والقوى الأمنية اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لضبط الوضع الأمني في عرسال وتحرير العسكريين المخطوفين، لا يعني قيام الجيش بعملية عسكرية، لكنه يعني دعم الجيش في أي خيار يأخذه شرط ضمان سلامة العسكريين، مشيراً الى أن تحرك أهالي العسكريين وتمكنهم من إقفال مجموعة طرق في وقت واحد وتنظيم اعتصامات وتجمعات في أماكن عدة، ليس نتيجة جهود مجموعة عائلات، بل لا بد أن تكون هناك أجهزة تساعدهم على هذا الأمر وتشجعهم.
وكشف المصدر أن أكثر من4 أو 5 وزراء كانت لهم مداخلات في هذا السياق، ولا سيّما اتهام الأجهزة بتشجيع الأهالي على مواصلة تحركاتهم، واعتبر هؤلاء الوزراء أن البيان الذي أصدره المعتصمون في ساحة رياض الصلح كان سياسياً بامتياز، وأن الوزير الوحيد الذي قال كلمة طيبة برفض الاستعجال باتهام الأجهزة كان الوزير المشنوق.
قزي
أما وزير العمل سجعان قزي، فقد أكد في مداخلته على ضرورة أن تترجم الحكومة مواقفها الى اجراءات، لأن الشعب يريد تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وليس فقط الاستماع الى آراء تتكرر يومياً، طالباً أن يعلن موقف يجسد وحدة الحكومة وتضامنها في ما بين مكوناتها، لأن مثل هذا الموقف يضع حداً للأقاويل والأخبار الملفقة، مشدداً على أن مساعي الافراج عن المخطوفين يجب ألا تتم في إطار أية مقايضة، وأن ملف النازحين السوريين يجب أن يحسم بشكل واضح، ويجب أن تبدأ عملية إعادة النازحين الى سوريا، على أن يختار النازح العائد المنطقة التي يرتاح إليها في سوريا، أما إذا انتظرنا نصائح المنظمات الدولية فسيتحولون الى مستوطنين.
وأطلع وزير العمل المجلس على اللقاء الذي جمعه ووزير العمل الفلسطيني السابق أحمد مجدلاني الذي نقل إليه رسالة من القيادة الفلسطينية تؤكد دعم القوى الفلسطينية في لبنان للدولة اللبنانية، وبأن الفلسطينيين في لبنان لن يقوموا بأي عمل يضر بأمن لبنان، وان هناك توافقاً بين مختلف المنظمات الفلسطينية على تأييد أي تدبير تقوم به الدولة من خلال الجيش لضبط الأمن في المخيمات.
بري: الانتخابات النيابية أولاً
وسط هذا المناخ الملبد، ولا سيما اذا ما تأكد أن أهالي العسكريين البقاعيين المخطوفين يرفضون الاجتماع برئيس الحكومة وخلية الأزمة اليوم، كان لافتاً للاهتمام تقديم رئيس مجلس النواب نبيه بري طلب ترشحه للانتخابات النيابية، قبل سفره إلى الخارج في زيارة خاصة لم يعلن وجهتها، كما تقدم عضو كتلته النائب علي بزي بطلب ترشحه، على أن يلحق بهما باقي أعضاء كتلة «التنمية والتحرير» الأسبوع المقبل، وكذلك نواب «التغيير والاصلاح» والوفاء للمقاومة».
وفي حين حرصت مصادر بري على التأكيد بأن خطوته طبيعية ضمن المهلة الدستورية والتي سبق ان حددتها وزارة الداخلية بفتح قبول الترشيحات حتى 16 أيلول الحالي، والدلالة أيضاً على رفضه التمديد لمجلس معطل، لاحظت مصادر في 8 آذار ان الخطوة من شأنها أن تحرج فريق 14 آذار، متهمة اياه بالسعي إلى التمديد.
إلا أن مصدراً في كتلة «المستقبل» أبلغ «اللــواء» ان عملية تقديم الترشيحات لن تقتصر علی 8 آذار، بل ان معظم نواب 14 آذار سيبدأون اعتباراً من الاسبوع المقبل بتقديم أوراق ترشحهم إلى الداخلية، من دون أن يعني ذلك حصراً، ان الانتخابات النيابية ستتم في المواعيد المؤجلة إلى تشرين ثاني، لاعتبارات قانونية ودستورية وأخرى أمنية، وخصوصاً ان هذه الانتخابات تحتاج إلى قانون لتعديل أو تقصير المهل غير متيسر إصداره من المجلس النيابي المعطل، بسبب استمرار شغور منصب رئاسة الجمهورية، وإلى قرار من مجلس الوزراء وتشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات.