إلى جانب الخيار التفاوضي الذي يقوده المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم سعياً للإفراج عن العسكريين والدركيين المخطوفين، قررت السلطة السياسية التلويح بالخيار العسكري، للضغط على الإرهابيين الخاطفين. عملية تؤكد مصادر وزارية انها ستمضي ابعد من فصل عرسال عن جرودها، لكنها ستبقى دون حملة تحرير الجرود المحتلة
هل صدر فعلاً القرار السياسي بأن يضرب الجيش المسلحين في جرود عرسال؟ لم يقل أعضاء «خلية أزمة» ملف المخطوفين العسكريين، الذين اجتمعوا على طاولة رئيس الحكومة تمام سلام في السراي الكبير أمس، هذه الخلاصة مباشرة، لكنهم لمّحوا إليها. بعضهم رمى الكرة في ملعب قيادة الجيش، فيما البعض الآخر تحدّث عن «وضع جميع الخيارات على الطاولة»، ومن بينها الخيار العسكري. ولا يقتصر ذلك، بحسب مصادر «الخلية»، على فصل بلدة عرسال عن جرودها المحتلة، بل يشمل أيضاً تنفيذ عمليات في عمق الجرود، للضغط على خاطفي الجنود والدركيين.
وقالت مصادر وزارية بارزة لـ«الأخبار»: «سنقوم بكل ما يجب لتخليص المخطوفين، ولتخليص عرسال». صحيح أن كل «ما يجب» يشمل تنفيذ عمليات عسكرية، ولكنه، بحسب مصادر وزارية، لا يعني خوض عملية شاملة لتحرير الجرود من محتليها. خلاصة الأمر إذاً عدم ترك خاطفي العسكريين يشعرون كما لو أن أحداً لا يلاحقهم، وعدم تعريض عرسال لاحتلال جديد.
وقال وزير الخارجية جبران باسيل لـ«الأخبار» إنه «كان واضحاً في اجتماع خلية الأزمة أن طلب الحكومة من الجيش تنفيذ قرارها بضبط الوضع الأمني في عرسال وتحرير العسكريين المخطوفين لا لبس فيه». وأوضح أنه «لا يوجد أي التباس بأن القرار السياسي في هذا الشأن واضح، وهو يحظى بتغطية كاملة محلياً وعربياً وإسلامياً وإقليمياً ودولياً وقانونياً. والجيش، من جهته، أكّد استعداده وقدرته على تنفيذ ذلك. وبالتالي، كل الظروف باتت مؤاتية لضبط الوضع في عرسال، ويفترض أن نرى وضعاً مختلفاً فيها قريباً».
باسيل: لا لبسفي طلب الحكومة من الجيش ضبط الأمن في عرسال وتحرير المخطوفين
وأضاف باسيل أن «خلية الأزمة» تطرّقت الى موضوع النازحين، «وكان تأكيد على أن فكرة إقامة مخيمات على الأراضي اللبنانية غير واردة». لكنه أشار الى أن «هناك خيارات عدة يجري درسها لتخفيف التداخل في عرسال بين النازحين والعراسلة، حفاظاً على البلدة وأهلها»، من دون أن يوضح ماهية هذه الخيارات.
من جهتها، أكّدت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» أن الجيش لم يتوقف عن استهداف مواقع المسلحين في الجرود. ويوم أمس تعرّض عدد من مواقع الجيش في محيط عرسال لإطلاق نار، فردت القوى العسكرية بكثافة على مصادر النيران، وعلى مواقع المسلحين في وادي الرعيان وفي محيط قلعة الحصن.
وكان الرئيس سلام قد أكّد أن المساعي الهادفة إلى الإفراج عن العسكريين المخطوفين «جارية عن طريق وساطة قطرية». وكان سلام يتحدّث أمام وفد كبير من أهالي العسكريين والدركيين المخطوفين زاره في السراي، في حضور أعضاء خليّة الأزمة: نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل، ووزير الخارجية جبران باسيل، ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، ووزير العدل اللواء أشرف ريفي. وتغيب وزير المال علي حسن خليل بداعي السفر. وانضم الى الاجتماع قائد الجيش العماد جان قهوجي، والمدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص، ومدير المخابرات العميد إدمون فاضل، ومدير العمليات العميد زياد حمصي، ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد عماد عثمان.
وقال سلام إن «مطالب الخاطفين ما زالت غير واضحة حتى الآن. إنهم يتصرفون بدهاء ويلعبون على غرائزنا وخلافاتنا السياسية بهدف شق صفوفنا». وتابع أن «المساعي التي تقوم بها الحكومة تجري بعيداً عن الأضواء بمسؤولية عالية وبجدّية كبيرة، والمطلوب التحلي بالصبر والثقة بالحكومة وبعملها». واستمع سلام وأعضاء الخلية الى أهالي المخطوفين الذين أجمعوا على المطالبة بإبعاد هذا الملف عن التجاذبات السياسية، ودعوا الحكومة إلى القيام بواجباتها في إعادة أبنائهم بأي ثمن.
بدوره، لفت المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، لدى دخوله الى لقاء أهالي العسكريين الرهائن، إلى «أننا لم نفقد الأمل بإطلاق الرهائن ولا تفاوض مع الإرهابيين». وكشف اللواء إبراهيم أن «التواصل موجود مع قطر وسأتوجه اليها في الساعات المقبلة».
من جهته، أعلن ريفي أن «علينا أن نكون واقعيين. فقصة العسكريين المخطوفين لن تحل بين ليلة وضحاها».
وفي السياق عينه، رأى الرئيس سعد الحريري في بيان أن «هذه أيام للتضامن مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية، وليست أياماً للفلتان من سلطة الدولة والقانون وإنشاء الجيوش الخاصة». ورأى أن «العودة الى الخطف والخطف المضاد، والعودة الى التحريض المذهبي، هما أسوأ ما يمكن أن نقع فيه». وناشد الحريري «جميع اللبنانيين التحلي بالصبر والحكمة»، مجدّداً «الثقة بالحكومة بإدارتها وقراراتها». وتساءل عمّا إذا كانت «الحملة المركزة على بلدة عرسال وأهلها وتطوع بعض الأقلام وكتبة المقالات والتقارير للتحريض على طرابلس وعكار والنفخ في رماد البحث عن الفتنة، هما الوسيلة الناجعة لحل مشاكلنا وتحرير العسكريين الرهائن من قبضة الارهاب وأعداء الدين؟». وأوضح أن «حماية البلد من الانزلاق الى الفتنة بأيدينا، وبإرادتنا نحن من كل الأطياف والمذاهب، بل هي في الدرجة الاولى بإرادة المسلمين في لبنان، سنّة وشيعة، الذين يمتلكون قرار إخماد الفتنة في مهدها».
أمنياً، أثيرت بلبلة امس بسبب نقل عدد من جرحى الجماعات الإرهابية التي تحتل عرسال إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت. وعلمت «الاخبار» ان عدد الجرحى يبلغ ستة، وربما سيرتفع إلى عشرة اليوم او غداً. ولفتت مصادر امنية إلى ان هؤلاء الجرحى وضعوا في جناح معزول داخل المستشفى، ويخضعون لحراسة مشددة. ولفتت إلى أن بعض هؤلاء يملك معلومات قيمة يُستفاد منها ميدانياً، فضلاً عن إمكان استخدام بعضهم، في حال الحفاظ على حياتهم، للضغط على المسلحين. وذكر موقع «النشرة» الالكتروني أن نقلهم من البقاع إلى بيروت كان من ضمن مفاوضات غير مباشرة مع «جبهة النصرة»، كواحدة من الخطوات التي أدت إلى الافراج عن عدد من المخطوفين سابقاً.