IMLebanon

الحكومة في مرمى المقايضة

وضع اعدام داعش لجندي لبناني آخر، حكومة المصلحة الوطنية على المفترق الصعب، إما الاستجابة لشروط الخاطفين، كما يفعل معظم الدول في المنطقة والعالم، وتصبح أمام خطر انفراط عقدها في زمن الفراغ الرئاسي المتّسع، وإما ان تكابر وترفض المقايضة، كما تلزمها به قوى الثامن من آذار، لتغدو أمام خطر المزيد من الأعمال الهمجية…

في المنحى الأول، قد تمسّ الهيبة، أو ما تبقّى منها، وقد نصبح في عهدة حكومة بتراء، كما وصفت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بعد استقالة وزراء أمل وحزب الله، لكن بالمقابل نتجنّب المزيد من هدر دماء العسكريين والأمنيين العالقين في فم التنين، ونتفادى استدراج الجيش الى مواجهة التطرّف الأعمى – في توقيت ليس توقيته وحساب ليس في حسابه، وفي ظروف صنعتها وسائل اللعبة الاقليمية، بمساعدة الطحالب السياسية التي تعيش على التبعية، وتتغذّى مما تنقله حركة المياه في أعماق البحر…

والراهن ان حكومة تمام سلام حاولت الاعتماد على خيار ثالث، بقرعها أبواب الدوحة واسطنبول، لكن حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر، مع اعدام الجندي الشهيد عباس مدلج، بسكين التوحش والهمجية، والذي عكس اغتياله فشل مهمة الوسطاء القطريين، بفعل اصرار الدواعش والنصرة على ربط المفاوضة بالمقايضة، بمقابل خشية الحكومة من الدعسات الناقصة، في ظلّ تمسك حزب الله ومن خلفه فريق ٨ آذار، باعتبار المقايضة ببعض السجناء، إهانة للدولة ومسّ بهيبة الجيش، وخطر أكيد على سلامة الاستقرار الحكومي…

وتقول مصادر قريبة من ٨ آذار، انه تمّ إبلاغ رئيس الحكومة وبعض أركان ١٤ آذار بأن القبول بالمقايضة، يعني التضحية بالحكومة، والتضحية بالحكومة، تعني امتداد الفراغ من رئاسة الجمهورية الى الحكومة القائمة بأعمال الرئاسة، مروراً بمجلس النواب الهائم بين التمديد السهل والانتخابات الممتنعة…

وذكّرت هذه المصادر بما حصل لحكومة الرئيس سعد الحريري التي استقال ثلثها المعطّل فيما هو على باب البيت الأبيض…

ولما قيل لها ان لا ثلث معطّلاً في حكومة المصلحة الوطنية، بحسب الظاهر على الأقل، كان التذكير بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، التي وردت في أدبيات الثامن من آذار بصفة الحكومة البتراء…

وهكذا تحوّلت اللعبة، من المفاوضة لأجل المقايضة، بين الجنود الأسرى القابعين على حدّ السكين، وبين بعض نزلاء سجن رومية المزمنين، أو الحديثي الاقامة من الأصوليين، الى حشر الحكومة في زاوية مصيرها، وبالتالي مصير الاستقرار السياسي العام، اذا ما اقتنعت أو فكّرت بأن مخطوفي أعزاز على أهميتهم كمواطنين أبرياء، ليسوا أعزّ من الجنود والأمنيين المهدّدين بالذبح، كما ان راهبات معلولا، لم يبصروا نور الحرية لولا ان النظام السوري الذي يعتبره بعض الثماني آذاريين قدوة تحتذى، قايضهن بإحدى رموز داعش، زوجة أبو بكر البغدادي…

والأكثر غرابة ان رافضي المقايضة، لا يطرحون بدائل لتحرير الجنود، انما يكتفون بهجاء الدواعش واخواتهم، ايهاماً لذوي المخطوفين بأنهم ابرياء من مصير هؤلاء الصديقين، وكأن عقول اللبنانيين اصابها الشلل التام، فغابت عنها الحقائق أو غيبت، وضاعت ثقتهم بأنفسهم وببلدهم، وجرفتهم الفوضى المدمرة، التي ايقظت افاعي الفتنة من السبات…

ثمة قول مأثور: الجمرة لا تحرق الا في موضعها… وقول آخر فيه حكمة: يسخر من الجراح من لا يعرف الألم… لقد أظهر ذوو الشهيدين علي السيد وعباس مدلج مستوى رفيعاً من الوعي ونكران الذات، مساهمة في اطفاء الحريق الذي هدد البلد، فكانوا عنواناً للوفاء والتضحية اللذين هما شعار الجيش، وعسى أن توفر تضحيتهم مخرجاً لرفاق السلاح الغارقين في مستنقع المصالح الاقليمية التي لا ترحم.