بعد أن تأخر مجلس الوزراء في إصدار المراسيم المتعلقة باستحقاق الانتخابات النيابية، تكون السلطة الإجرائية برأسيها قد حشرت مجلس النواب بضرورة تجديد ولايته باعتبار أن تلك المراسيم المتعلقة بالمهل مسقطة وليست مهلة حث، وبذلك تكون الحكومة قد ضمنت الاستئثار بهدايا البندورة قبل ان تنزل إلى الأسواق من جديد…
وكان يمكن للمجلس ان يبعد كأس التمديد عنه لو أن فريقاً واسعاً من النواب يعود عن مقاطعة الجلسات التشريعية، فيعمد عندها إلى تعديل القوانين المرعية لتقصير المهل، إلا ان مجلس الوزراء قد أخذ ذلك بالاعتبار لإدراكه ان تعطيل الجلسات التشريعية سيستمر إلى ما بعد انتهاء ولاية المجلس القانونية.
ان هذا الواقع التعيس نشأ عن سببين كان يمكن لأي منهما أن يعالج ما هو سائد، حتى في ظل واقع الانقسامات النيابية الحاصلة اليوم. فصيغة الإجماع التي اعتمدها مجلس الوزراء لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة عملاً بالمادة 62 ـ دستور ليست منطقية ومستغربة قانوناً. ففي مثل هذه الحالة لا يكون مجلس الوزراء هو الذي يمارس صلاحيات الرئيس إنما يكون هناك 24 رئيساً للجمهورية، لأن كل واحد من الوزراء يستطيع وحده تعطيل المراسيم التي تصدر عن الرئاسة.
وفي القانون لا وجود لقرار أو مرسوم يتطلب إجماع أعضاء المؤسسة من دون استثناء، لا في لبنان ولا في أي دولة من دول العالم. فالدستور اللبناني حاول الا يسجل على نفسه مثل هذه السقطة عندما قال «بالتوافق» في جلسات مجلس الوزراء وإذا لم يحصل «التوافق» الذي يعني عملياً الإجماع فيطرح الموضوع على التصويت ليصدق بالأكثرية، إلا في حالات تتطلب أكثرية الثلثين وهي محددة حصراً، وهذه الأكثرية هي أقصى ما ورد في دستورنا، باستثناء حالة واحدة تتطلب أكثرية ثلاثة أرباع (4/3) وردت في المادة 77 وهي ليست إنشائية أصلاً ولم تحدث ولو لمرة واحدة منذ صدور الدستور سنة 1926.
أما الأمر الثاني فهو المتعلق بمقاطعة جلسات المجلس، أي تغيب النواب عن حضور الجلسات. فرغم ان لا نص دستورياً يقضي بإلزام النائب حضور جلسات المجلس، فإن نية المشترع تفرض ذلك إذا ما فسرت بعض المواد بدقة وشفافية، ولا يحد من ذلك اعتبار النيابة تمثيلاً للشعب الذي لا إرادة فوقه إلا الله، ولكن عشرات الألوف التي تنزل إلى الشارع لمعالجة مطالب محقة بشهادة الجميع ولا تعالج بفعل تعطيل فريق نيابي الجلسات التي تدرج المشاريع فيها على جدول الأعمال. هل يكون المعطلون في مثل هذه الحالة يمثلون شعب؟!
وبصرف النظر عن ذلك، فإن القاعدة تقول ان التغيب عن المسؤولية وعدم ممارستها يقتضيان وجوباً المساءلة. ولذلك عمدت دول كثيرة إلى تغريم النائب المتغيب عن حضور الجلسات. ففي فرنسا مثلاً يخضع المتغيب من دون عذر لغرامات دسمة، وفي اليابان والنمسا تسقط نيابته وهكذا في دول الكومنولث البريطاني ودول عديدة أخرى. وفي لبنان كان النظام الداخلي لمجلس النواب الصادر سنة 1953 واستمر نافذاً حتى سنة 1982 قد نص على «ان النائب الذي يتكرر غيابه عشر جلسات من جلسات المجلس أو اللجان ينشر أمر غيابه في الجريدة الرسمية ويطبع به اعلان على نفقة النائب يوزع في دائرته الانتخابية ويقطع راتبه عن المدة التي تغيب عنها». وقد نفذت عقوبات على نواب متغيبين لأقل من عشر جلسات، إنما كان ذلك محصوراً بحسم التعويض النيابي. فلماذا لا يعود المجلس النيابي إلى إقرار صيغة ما لمعاقبة النواب المتغيبين؟ لو كان ذلك قد حصل من بدء ولاية المجلس الحالي لكان ذلك قد أدى إلى تمويل سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام!
أمام هذه المعطيات والأسباب، هل يمكن القول ان المقاطعين لجلسات المجلس التشريعية ومعهم الحكومة، قد «حشرت» مجلس النواب وتحديداً رئيسه نبيه بري في تحمل وزر تمديد ولاية المجلس؟
يبدو واضحاً انه إذا كانت مثل هذه النية موجودة، فإنها سترتد على أصحابها. لأن تمديد الولاية يتطلب عقد جلسة تشريعية، فهل سينهي المقاطعون المقاطعة لحضور الجلسة؟ وتحديداً عندما يكون جدول أعمالها متضمناً مشاريع وافتراحات عديدة آخرها اقتراح التمديد؟ في كل الاحتمالات سيكون هناك خاسر ورابح، ومن اعتاد على الربح لن يخسر!