وسط المعارك الكبرى والمصيرية والجدّية التي يخوضها ميشال عون، تفتح دكاكين الحساسيات العالية أبوابها داخل البيت البرتقالي الصغير، تحديدا على أرض المتن. في السابق شهد العونيون جولات من النقار بين النائبين ابراهيم كنعان ونبيل نقولا. الثنائي العجائبي الذي يتفق دائما على عدم الاتفاق.
الملاكمة الصامتة مستمرة، لكن دخول الياس بو صعب الى عمق التركيبة العونية حوّل الأنظار الى «عرض» أكثر إثارة. ابراهيم كنعان ضد الياس بو صعب! رجلان لم تجمعهما الكيمياء، ولا التعاون ولا التنسيق، منذ كان وزير التربية رئيسا لبلدية ضهور الشوير.
يقتضي بداية التسليم بواقع يصعب تجاهله. نائب المتن عنده حساسية مفرّطة تجاه الجميع تقريبا، وليس فقط تجاه الموارنة ممّن ينافسونه في الكار الانتخابي. شهادة تسمع على لسان كل عوني، من «الجنرال» ونزولا. هؤلاء يشيرون بالاصبع الى نائب «يغار حتّى من جلده»!
الداعمون لنائب المتن لهم وجهة نظر أخرى: ليس فقط الاحصاءات في المتن تبرزه دائما من الأوائل، هو أيضا الأكثر نشاطا وانتاجية واندفاعا في مجلس النواب.. وفي «التيار الوطني الحر». لذلك، «يكثر الخصوم من حوله».
يفترض، بالمنطق، ان لا ينزعج نائب المتن الماروني من زميله الوزير الأرثوذكسي، والمرشّح الدائم للنيابة. لكن واقع الحال غير ذلك. يكفي حجزه أول طائرة الى لندن، يوم رسا التعيين على صديق جبران.
قبل أن يختاره ميشال عون وزيرا للتربية، مستثنيا من لائحة خياراته العونيين عدداً من القيادات، وحتى قبل أن يستقيل من رئاسة بلدية ضهور الشوير، كان الياس بو صعب قد أثبت وجوده في دارة الرابية ضمن حلقتها الضيّقة.
خط مباشر مع «الجنرال»، وصداقة متينة مع جبران باسيل، الرجل الثاني في المنظومة العونية، وثقة متبادلة مع قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز. وهل يحتاج أكثر من ذلك؟
عطاءات فضفاضة سابقا في البلدية، وحاليا في الصحن العوني. عارفوه يتحدثون عن قدرات مالية ملفتة يستفيد منها أهل «التيار». التمتمات تلاحقه حيال الصلة الحديدية التي تجمعه بباسيل والتي زكّته في دوائر الرابية. لاحقا صارت الرحلات المشتركة لوزيري الخارجية والتربية الى الخارج مدعاة للرصد.
المرشّح لأحد المقعدين الأرثوذكسيين تخطى بأشواط حلم النيابة. لن يكون تفصيلا أن يصبح حامل بعض أسرار الرابية، وناقل رسائل ومفاوضا بين عون ونبيه بري، المهمّة التي كان ينفّذها كنعان من وقت الى آخر.
حدث هذا الأمر، بعد أن سحبت سجادة سلسلة الرتب والرواتب من تحت أقدام كنعان «الداهية» في لغة الأرقام، يوم سارت الرابية في مشروع تأجيلها وأحالتها الى لجنة فرعية مجددا، واضعة على الرفّ جهود النائب المتني على مدى أشهر للخروج بـ «سلسلة» توازي بين الايرادات والقدرات.
يومها اختار كنعان مرّة جديدة «اللجوء» القسري الى لندن لأيام تخفّف عنه وطأة الصدمة، بعد أن شكا همّه وقرفه!
لم يتمكّن آنذاك النائب العوني من تمالك أعصابه، فـ«فشّ خلقه» على «تويتر» منتقدا، ومتحدّثا عن «فنّ تعلّم انقلاب الكتل على مواقفها». فما كان من الوزير بو صعب إلا أن تواصل معه سائلا ومعاتبا.
لا تبدأ قصة ابراهيم كنعان مع الشعور بالتهميش من «السلسلة». كتاب «الابراء المستحيل» ليس البداية أيضا ولا النهاية. بعد الانتهاء من جمع المعطيات والأرقام، أصرّ كنعان على أن يصدر الكتاب باسم «تكتل التغيير والاصلاح»، بعد أن رفض ميشال عون وضع توقيعه عليه شخصيا.
بالمحصّلة، جال «الابراء المستحيل» على المنابر مترافقا مع «مهرجانات» التوقيع عليه من قبل كنعان بعد أن اكتفى عون بحفل إطلاقه. وفيما كانت «قنبلة» نائب المتن تجد طريقها الى المكتبات والمؤسسات ومنازل السياسيين، كانت الأخبار السارة ترد تباعا مبشّرة بـ«ربيع» يزهر بين الرابية وبيت الوسط.
وصل الأمر الى حدّ حديث بعض نواب «التكتل» عن «أن بعض المعلومات الواردة في الكتاب غير دقيقة، والمسؤولية المباشرة تقع على عاتق كنعان وليس التكتل»!.
كنعان الخائب أتته المصائب من جميع الاتجاهات: قريب وبعيد عن «السلسلة». مبعدٌ عن الملف الرئاسي. الياس بو صعب واحد من الذين ينافسونه على قلب وعقل ميشال عون.أصبح له شركاء مضاربون في العلاقة مع بري وبكركي. «الإبراء المستحيل» صار ممكنا، وبقوة.. وهو مستبعد اليوم عن أحد أهمّ وأبرز العناوين المتنية: ميشال المر.
تصبح المصيبة أكبر حين ينتقل الملف الى يديّ الياس بو صعب الذي يجتمع باستمرار مع النائب «الأخطبوط». وفق المعلومات، سعى كنعان مع أكثر من قناة لتأمين لقاء مع ميشال المر، لكن هذا الأمر لم يحدث حتى الساعة، مع العلم أن العلاقة بين الرجلين لم تكن يوما مرضية للطرفين. التقيا لمرّة وحيدة بعد العام 2009 في شاليه والد كنعان في الزعرور، علما أن الاخير نفى لاحقا حصول هذا اللقاء.
جسر جل الديب عنوان آخر من عناوين التوتّر. ذهب كنعان بعيدا في تبنّي قضية الجسر، الى الحدّ الذي لوّح بطرح الثقة بالحكومة إذا لم يتخذ القرار بتنفيذه في مجلس الوزراء.
لكن نعمة الإنسجام الحكومي حوّلت بو صعب الى «بطل الجسر». اجتماع مصوّر مع ميشال عون يبدو فيه حاملا الخرائط ويعرضها على «الجنرال»، سبق بساعات إقرار مجلس الوزراء للمبلغ المالي المطلوب لإنشائه، مع تأليف لجنة متابعة من بين أعضائها بو صعب. كَدَح ابراهيم و«قطفها» الوزير.
في أوائل شهر آذار دعا كنعان الى اجتماع لبلديات المتن في بلدية الجديدة – البوشرية – السد. وحين بدأ يتلقّى تسريبات عن مقاطعة رؤساء البلديات لهذا اللقاء، اختار نقله الى الرابية ليكون برئاسة عون، قاصدا بذلك إحراج المقاطعين.
حصل الاجتماع في 14 آذار الماضي في ظلّ مقاطعة العديد من رؤساء البلديات الذين اختار بعضهم إرسال ممثلين عنهم. في الوقت نفسه الذي كان يعقد الاجتماع في منزل عون، كان أحد أبرز رؤساء البلديات في المتن يتناول الغداء على مائدة أحد المقرّبين جدا من «الجنرال»، وكان كنعان محور الحديث الذي انتهى بتطمين لرئيس البلديّة.
بعد ذلك بأيّام حلّ الأخير ضيفاً مسائيّاً على عون الذي بدا، وفق ما نقل عنه رئيس البلديّة، غير آبه بالمقاطعة وغير مهتمّ باللقاء أصلاً.. في النتيجة، لم يخسر المقاطعون النائب المر المحسوبين عليه، كما لم يقطعوا حبل التواصل المتين مع عون.
كل الهموم المتنية والسياسية شيء، ورئاسة «التيار الوطني الحر» شيء آخر. ابراهيم كنعان، العوني، النشيط، الدينامو، خرّيج ساحة النجمة في حسابات الدولة ودهاليزها، المحنّك، صاحب «السكورات» العالية في إحصاءات المتن، يمنّي النفس بدور تنظيمي أكبر بكثير.
هو واحد من الطامحين الكثر لهذا الموقع، على رأسهم جبران باسيل. مع ذلك، معركته من أجل إقرار نظام داخلي يُخرج «التيار» من تحت عباءة العائلة، لا يلغي استنفاره الدائم بوجه الجميع.
«الجميع» يعني اي أحد يمكن أن «يغبّر» على نيابته أو موقعه عند ميشال عون.. بدءاً من قلب البيت.