لم يكن رفع رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام “التوافق” عنوانا ثابتا حصريا لعمل الحكومة ومجلس الوزراء، بوكالته عن رئيس الجمهورية في زمن الفراغ الرئاسي، سوى مؤشر اساسي لطبيعة الرد الحكومي السياسي على مرحلة تنذر بتصاعد التحديات الأمنية في ظل الاستهدافات الارهابية الاخيرة.
وتزامن انعقاد جلسة مجلس الوزراء أمس مع استمرار الاستنفار الامني الواسع الذي تمثل في حملة تفتيش شملت مزيدا من الفنادق وتوسعت الى مخيم اللاجئين الفلسطينيين في ضبية، بما عكس مناخا مشدودا غداة عملية دهم فندق “دي روي” ومقتل انتحاري وتوقيف آخر، تواصلت معه التحقيقات التي يبدو انها توصلت الى خيوط مهمة. ونفذت قوة أمنية عملية دهم لفندق “رامادا” المجاور لفندق “دي روي” في الروشة وأسفرت العملية عن توقيف شخصين، فيما استهدفت عملية دهم مكان في مخيم ضبية البحث عن سيارة “جيب شيروكي” سوداء وعن امرأة سورية تقودها. وأفادت معلومات أمنية ان هدف الانتحاريين السعوديين اللذين ضبطا في فندق “دي روي” كان مطعم الساحة الملاصق لمستشفى الرسول الاعظم في الضاحية الجنوبية، فيما عمم الامن العام صورة شخص لبناني لتأمينه الاحزمة الناسفة والمتفجرات للشبكة التي دهمت. واذ اعلن ان هذا الشخص هو منذر الحسن من بلدة بزبينا في عكار، أوضحت مصادر أمنية انه كان يتجول بسيارتين يرجح انهما مفخختان. وذكر ان الحسن كان هاجر قبل سنوات الى أسوج مع أبويه وشقيقيه اللذين عادا كجهاديين وقضيا في عملية انتحارية في الحصن السورية ودفنا في البداوي قبل نحو سنة.
ونقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” عن مصادر سعودية في الرياض ان الانتحاري الذي فجر نفسه في الفندق هو سعودي يدعى عبد الرحمن ناصر الشنيفي وهو مطلوب أمنيا لدى وزارة الداخلية السعودية، وقد غادر المملكة قبل فترة قريبة من غير أن يبلغ عن وجهته. اما السعودي الآخر، الذي كان في رفقته وأصيب بحروق، فهو علي ابرهيم الثويني. واصدرت السفارة السعودية في بيروت بيانا امس نددت فيه بشدة بـ”العمل الارهابي الذي وقع في منطقة الروشة لانه لا يمت الى القيم الانسانية او الاسلامية بأي صلة ويمثل اعتداء على الابرياء والحرمات”. وهنأت الحكومة اللبنانية بـ”ما تحققه من نجاحات في ملاحقة الخلايا الارهابية”. واعلن السفير السعودي علي عواض عسيري ان السعودية “مستعدة للتعاون مع السلطات اللبنانية عبر فريق عمل يساعد في تقديم الادلة”، مشيرا الى ان مندوبا من بلاده يتابع التأكد من هوية الانتحاريين.
مجلس الوزراء
أما خلاصة جلسة مجلس الوزراء امس، فأعلنها الرئيس سلام، قائلا: “إننا سنعتمد التوافق وكل ما لا يحوز التوافق سنضعه جانبا ولن نذهب الى مكان خلافي”. وأضاف: “تمكنا من استباق الاعداء وأفشلنا أهدافهم ونحن مصممون على المواجهة”.
وعلمت “النهار” ان الرئيس سلام تطرق في مستهل الجلسة الى الوضع الامني، فقال: “إننا نسمع البعض يرمي فكرة اعتماد تأشيرات في التعامل مع رعايا الدول الخليجية وهي بدعة، إذ لا يجوز ان يتم التعامل مع هؤلاء الاشقاء بسبب ارهابي او عشرة ارهابيين وكأنه عقاب لكل رعايا الدول الخليجية الشقيقة”. ولاحظ “ان التهديدات الامنية باتت تشعرنا بأننا دخلنا مرحلة صعبة تهدد وحدتنا واستقرارنا. لكن مناعتنا في مواجهة التحديات تكمن في وحدتنا من غير ان نظن ان أوضاعنا في احسن احوالها وان المرحلة المقبلة ستكون جيدة. من هنا إن المطلوب التكاتف باعتبار ان المرحلة دقيقة للغاية وتتطلب ان نكون حذرين والعمل بمنطق التوافق وسيكون الامن اولويتنا”، مشيدا بأداء الاجهزة الامنية والعسكرية. وفي ما يتعلق بعمل مجلس الوزراء، قال ان المواطنين ينتظرون من الحكومة انتاجا من دون اعطاء انطباع ان الحكومة هي بديل من رئيس الجمهورية. لذا يجب التأكيد بعد كل جلسة أهمية انجاز الاستحقاق الرئاسي. وأفاد الى ان الاتصالات التي أجراها قبل الجلسة أدت الى التوافق على منهجية العمل المقترحة على اساس توزيع جدول الاعمال قبل 96 ساعة من اجل التوافق على بنوده واعتماده للمناقشة. وسيكون التوافق أساسا لاقرار البنود وليس التصويت. أما توقيع القرارات، فسيكون على محضر ما يصدر عبر مجموعة تمثل مكونات الحكومة. ويمكن أي وزير راغب ان ينضم الى المجموعة.
وعلمت “النهار” ان المجموعة تضم: الرئيس سلام، نائب رئيس الوزراء سمير مقبل، والوزراء: سجعان قزي (الكتائب)، علي حسن خليل (أمل)، محمد فنيش (“حزب الله”)، أشرف ريفي (المستقبل)، جبران باسيل (التيار الوطني الحر)، بطرس حرب أو ميشال فرعون (المسيحيون المستقلون) وارتور نظاريان عن الارمن.
وعلم ان الوزير ريفي ادلى بمداخلة اعتبر فيها ان الوضع الامني صعب لكنه ليس مستحيلا على المعالجة، وان الحل لا يكمن فقط في الجانب الامني بل في انسحاب “حزب الله” من سوريا وضبط الحدود. ودعا مجددا الى جلسة لمجلس الوزراء يحضرها القادة العسكريون والامنيون.
وصرّح الوزير قزي لـ”النهار” بأن الجلسة امس كانت “ولادة جديدة للحكومة”، موضحاً “ان موضوع التأشيرات للخليجيين لم يكن مطروحا إطلاقاً بل جاء في معرض كلام الرئيس سلام وحده والذي لم يثر أي ردود أو مناقشة”.
أما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس فقال لـ”النهار” إن معركة الامن “لن نخسرها كما قال زميلي وزير الداخلية وما نشهده من اعمال ارهابية فهي من تنظيم فاشل لم يجد منزلا او فندقا يؤويه”.
على صعيد آخر، كشف الوزير درباس لـ”النهار” انه تعرّض قبل أيام لمضايقة عند مدخل نهر البارد في الشمال لدى محاولته زيارة المخيم لتفقد أوضاع اللاجئين فيه. وعندما اعترضه عنصر من الحاجز الامني حاول الاخير منعه من مغادرة المكان غير آبه لصفته الرسمية، لكن الوزير تابع طريق العودة ورفع الامر الى الرئيس سلام ووزير الدفاع سمير مقبل لاجراء التحقيق اللازم.
الى ذلك شدد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره أمس على “الاستثمار في الامن وتأكيد هذا الامر الحيوي”، موضحا انه “يبلغ كل سفير يسأله ماذا تريدون، الاسراع في دعم الجيش والمؤسسات الامنية”. وقال: “باختصار انا فاتح دكانة لدعم هذه المؤسسات في هذه الايام وعندما تكون هذه المؤسسات قوية فان احداً من الارهابيين لا يستطيع القيام بشيء”. واعتبر ان “هذا البلد الصغير هو مقبرة للمتطرفين وكل من يلجأ الى التطييف وكل سياسي يتطرف ينتهي”. وكرر حرصه الشديد على اجراء الانتخابات الرئاسية والعمل على تفعيل عمل مجلسي النواب والوزراء “اذ لا يعقل تعطيل اي من المؤسستين الاخيرتين حتى لو لم نتمكن حتى الآن من انتخاب رئيس”.
الحريري وكيري
في غضون ذلك، التقى امس في باريس الرئيس سعد الحريري وزير الخارجية الاميركي جون كيري وعرضا التطورات في لبنان والمنطقة. وأفاد المكتب الاعلامي للحريري انه جرى التركيز خصوصا على الشأن اللبناني ولا سيما منه ضرورة انهاء الفراغ الرئاسي والعمل بكل الجهود الممكنة لانتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت، كما تناول اللقاء الخطوات الآيلة الى ضمان الاستقرار في لبنان وتعزيز القوى الامنية والعسكرية.
واشنطن
وأفاد مراسل “النهار” في واشنطن هشام ملحم ان لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الاميركي وافقت بالاجماع امس على قانون يهدف الى منع المؤسسات المالية واللوجستية التابعة لـ”حزب الله ” من العمل، وذلك من خلال تضييق الخناق على المؤسسات المالية الدولية التي يمكن ان تتعامل مع مؤسسات الحزب. ويقضي مشروع القانون واسمه الرسمي “قانون منع النشاط المالي الدولي لحزب الله”، بان تكون سياسة الولايات المتحدة العمل على “منع شبكة حزب الله المالية واللوجستية الدولية من العمل من اجل عرقلة تمويل نشاطاته الداخلية (في لبنان) والدولية، واستخدام كل الوسائل الديبلوماسية والتشريعية والتنفيذية لمحاربة النشاطات الجنائية لحزب الله كوسيلة لعرقلة قدرة هذا التنظيم على تمويل نشاطاته الارهابية الدولية”.
واللافت في نص مشروع القانون انه لا يذكر لبنان بالاسم، وذلك في محاولة لطمأنة المؤسسات المالية اللبنانية الى انه لا يستهدفها، بل يستهدف فقط تلك المؤسسات الدولية التي تتعامل مع مؤسسات مالية ايرانية او غيرها تقوم بدورها بتسهيل نشاطات “حزب الله” ومؤسساته المالية واللوجستية، بما فيها قناة “المنار” التلفزيونية.