ثمّة بشائر إيجابية وسط هذا البركان المشتعل من العراق إلى غزّة وصولاً إلى اليمن، فالتوصّل لانتخاب رئيس لمجلس النوّاب العراقي يحمل في طيّاته الكثيرَ من الإشارات الواعدة. ذلك أنّ نجاح الكُتل المختلفة في التفاهم على رئيس لمجلس النوّاب يعني حُكماً حصول توافق من خلف الستارة ما بين واشنطن وطهران في ما يشبه حصول المصافحة ما بين الاثنين فوق الساحة العراقية.
وما بين الأخبار المتناقضة الصادرة عن اجتماعات دوَل السِتّ مع إيران حول الملف النووي، بدا أنّ سعي وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإقناع الرئيس الاميركي للقبول بتمديد مهلة التفاوض إنّما يحمل في طيّاته إشارات إيجابية أيضاً. فصحيح أنّ تمديد مهلة التفاوض يحصل بسبب وجود عراقيل لم يجرِ التفاهم حولها، إلّا أنّ الصحيح أكثر أنّ هذا التمديد لا يمكن أن يقبل به أيّ طرف لولا وجود آمال كبيرة بالتوصّل إلى توافق في مرحلة لاحقة.
وفي غزّة بدا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على قاب قوسين من السقوط، بعدما عاش مرحلته السياسية الثانية في رئاسة الحكومة على قاعدة التطرّف ورفض التسويات السياسية مع الفلسطينيين، وهو ما دفعَ المندوب الاميركي في عملية التفاوض الاسرائيلية ـ الفلسطينية مارتن انديك إلى تقديم استقالته احتجاجاً على سياسة التعنُّت التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية.
وتبدو واشنطن غير منزعجة من المأزق الذي وقع فيه نتنياهو. فمن جهة يبدو عاجزاً امام منع الصواريخ من بلوغ كافة المناطق الإسرائيلية، بما فيها تل أبيب والقدس، وسط تصاعد موجة المعارضة الاسرائيلية بسبب الخوف والخسائر الاقتصادية الكبيرة، ومن جهة أخرى يُحاذر تعميق خسائره من خلال خوض مغامرة الحرب البرّية، وحيث تبدو «حماس» كمَن يستدرج نتنياهو للوقوع في هذا الفخّ، يبدو أنّها تخفي مزيداً من المفاجآت غير السارّة له.
ما يعني أنّ نتنياهو غير قادر لا على البقاء مكانه ولا على التقدّم، وبالتالي اقتراب سقوطه، وهو ما تراهن عليه إدارة أوباما للإتيان بحكومة جديدة قادرة على توقيع اتّفاق سلام مع السلطة الفلسطينية في مرحلة لاحقة. ضمن هذا الواقع يعيش الشرق الأوسط ومضات تفاؤل وسط الحرائق المشتعلة. ولكنّ هذا يستوجب أن يكون لبنان في أقصى درجات الحذر، وليس التهوّر أو الدخول في المجهول.
ففي الجنوب، بدا واضحاً أن هنالك من يسعى لإدخال لبنان في أتون اللهيب المشتعل. ففي بلد يعيش واقعاً سياسياً هشّاً وصراعاً سياسياً يغلب عليه الحسّ الغرائزي على الوعي السياسي العميق، كان لا بدّ من سدّ كلّ الثغرات المفتوحة. ووفق التعاون المفتوح ما بين قوات الطوارئ الدولية والجيش اللبناني، والتعاون الخفي الحاصل مع حزب الله، جرى الإمساك بالخلايا التي تُحاول ضمَّ الساحة اللبنانية الى ساحة القتال في غزّة.
واللافت هو التعاون الذي أبدته قيادة حركة «حماس» في مخيّم عين الحلوة مع جهود الجيش اللبناني، فالحركة وافقَت فوراً على اعتقال ومن ثمّ تسليم الفلسطيني الثالث الذي شارك في إطلاق الصواريخ في اتّجاه إسرائيل. وصحيح أنّ هذه المجموعة الفلسطينية تنتمي الى «حماس»، إلّا أنّه تبيّنَ وفق التحقيقات أنّ هذه الخلية تحرّكت بلا قرار للحركة.
وتبيّن من التحقيقات الجارية أنّ هذه المجموعة كانت قد نجحت في تهريب الصواريخ من خلال مخابئ تمّ تجهيزُها في أسفل سيارة الـ»بيك آب»، بحيث يصعب على حاجز الجيش الموجود عند مدخل المخيّم اكتشافها.
وفيما تبدو قيادة القوات الدولية (اليونيفيل) مرتاحة إلى التنسيق الأمني الحاصل في الجنوب، فإنّها تبلّغت أنّ الجيش اللبناني أرسلَ مجموعات من المجوقل إضافةً إلى قوّة أخرى، لسدّ الفراغ الحاصل عن سحبِ اللواء الثامن إلى منطقة الشمال في مرحلة سابقة.
أمّا في البقاع الشمالي، حيث المواجهة الأخطر، فبدا أنّ الامور ستكون أصعب ممّا كان متوقّعاً. فحزب الله الذي كان قد باشرَ معركة إنهاء آخر جيوب المجموعات المتطرّفة المتمركزة في الأراضي المتداخلة بين لبنان وسوريا والمعروفة بجرود عرسال، وفيما تشير التقديرات الأوّلية الى وجود نحو ستة آلاف مسلّح يشكّلون خليطاً من «جبهة النصرة» ومجموعات متطرّفة أخرى، باشرَ حزب الله عملياته من خلال تقطيع هذا الجيب إلى أربعة أجزاء جرى فصلها تماماً بعضُها عن بعض.
ووفق المرحلة الأولى من المعارك بدا أنّ هذه المجموعات لم تكن منهكة كما كان متوقّعاً، لا بل على العكس، فهي امتازت بقدرة قتالية عالية، خصوصاً أنّها تدرك أن لا خيار أمامها إلّا الموت أو الأسر، ما يجعلها أكثر شراسة.
وفيما تضمّ هذه المجموعات خليطاً من جنسيات عربية متنوّعة، أدّت المرحلة الأولى من المواجهات إلى سقوط سبعة عناصر لحزب الله وفقدان اثنين آخرين، فيما سُجّل سقوط العشرات من المسلّحين، وهو ما يدلّ على شراسة المعارك الدائرة. وتشير التقديرات الأوّلية إلى أنّ المدّة الزمنية لإنهاء هذه الجيوب قد تصل إلى شهرين.
لكنّ الخطورة تكمن في مكان آخر. فالتحقيقات في تفجيرَي ضهر البيدر والضاحية دلّت إلى أنّ تفخيخ هاتين السيارتين إنّما حصل في إحدى المناطق السكنية البقاعية. ما يعني التداخل الأمني السوري والفلسطيني بالمناطق السكنية اللبنانية.
وبالتالي فإنّ اشتداد المعارك في جرود عرسال قد يفتح «شهيّة» هذه الخلايا لاستعادة حركتها «التفجيرية»، فيما تحاول خلايا أخرى توتير الوضع جنوباً لإدخال إسرائيل في مواجهة مباشرة مع حزب الله. حسابات خطيرة ولكنّها ما تزال تحت سقف السيطرة.