اعلان عودة الخلافة لم يثر حماسة كبيرة لدى الجهاديين حول العالم. الحلم الاكبر للاسلاميين الذي صار “حقيقة” لم يدغدغ مشاعرهم. مبايعة “الدولة الاسلامية” قائدها أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين حول العالم لم تحظ بنصرة واسعة. وفي ما عدا جماعة “بيت المقدس” الناشطة في سيناء و”لواء أحرار سنّة بعلبك” نزيل فندق “دي روي” و”جيش الصحابة” في سوريا، لم يعلن كثيرون من ذوي “الايادي البيض” السمعة والطاعة للخليفة إبرهيم.
بعد أشهر من المكاسب في سوريا والعراق، يلعب “داعش” بالنار. نصّب نفسه زعيماً للحركات الجهادية حول العالم. تجاهل “القاعدة” الأم وزعيمها أيمن الظواهري، في انعطاف هو الاكبر في الجهاد العالمي منذ هجمات 11 أيلول. عيّن نفسه “إماماً وخليفة للمسلمين في كل مكان”، أي على نحو مليار ونصف مليار مسلم حول العالم، وليس فقط على مسلمي بوادي العراق وسوريا التي شملتها غزوته الاخيرة. حضّ كل الجماعات الجهادية حول العالم على مبايعته. لم يتحدّ أعداءه فحسب من المسلمين، وإنما أيضاً الحركات الاسلامية والخلفاء المفترضين الحالمين أيضاً بالخلافة. فهل يبايع تنظيم “القاعدة” الذي كان يعدّ نفسه الى وقت قريب زعيما للجهاد العالمي، “داعش”؟ أم يعلن الظواهري تمرده فيصير عدواً للخلافة، ويُعاقب بالقتل؟ ماذا عن “بوكو حرام” النيجيرية و”حركة الشباب” الصومالية و”طالبان” الباكستانية، و”القاعدة في المغرب الاسلامي”، و”القاعدة في شبه الجزيرة العربية”؟ ماذا لو بايع بعض هذه الجماعات “الدولة الاسلامية” ورفض بعض آخر، فهل تدخل هذه الجماعات الجهادية في حرب “أهلية”؟ وما سيكون موقف المتعاطفين الغربيين مع “حزب التحرير” مثلاً؟ هل ينتقل هؤلاء الى العراق للعيش في دولة الخلافة التي طالما حلموا بها، أم يتريثون؟
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو كيف ينعكس اعلان الخلافة على الحرب في سوريا والعراق. حتى الامس، كان مقاتلو “النصرة” يقاتلون “داعش” عند معبر البوكمال ويتعاونون مع فصائل أخرى، بما فيها “الجيش السوري الحر” في دير الزور. فهل نشهد خلطاً جديداً للأوراق وانشقاقات في صفوف الحركات الاسلامية المتناحرة أصلاً في سوريا؟ وماذا يكون موقف العشائر والبعثيين السابقين الذين حاربوا الجيش العراقي الى جانبه؟
لعل “داعش” أساء تقدير حجم التعاطف الذي يحظى به بين أبناء المناطق التي غزاها أخيراً وبين المسلمين عموماً. ربما يأمل في أن يدفع إعلان “الخلافة” قبائل وقرى الى مبايعة أبو بكر. حتى الآن لا دلائل كبيرة على ذلك، لكن الاعلان نفسه كفيل بإثارة حالات جديدة من الفوضى والانشقاقات داخل دول عربية بدأت تعيش تحت تأثير تسونامي “داعش”، منها الأردن ولبنان وحتى السعودية، وهو ما قد يلائم مخططات “داعش” ويفتح له آفاقا جديدة لإكمال غزوته