إذا كان التفاهم قد تمّ بين السعودية وإيران وأميركا على تسوية الوضع في العراق بإبعاد نوري المالكي عن رئاسة الحكومة والمجيء بحيدر العبادي خلفاً له، فهل يساعد هذا التفاهم على تشكيل حكومة جديدة تتمثل فيها كل القوى السياسية الأساسية في البلاد لتصبح قادرة على التصدي لـ”داعش” وأخواتها بمساندة إيرانية وأميركية وسعودية مالية وعسكرية، وقادرة أيضاً على إعادة بناء جيش عراقي قوي يستطيع أن يسطير على المناطق التي تسيطر عليها حالياً “داعش” بعد إخراجها منها، وأن يلغي كل الميليشيات وينزع أسلحتها، وأن يطبق في العراق نظام الأقاليم الذي صار الاتفاق عليه في الدستور لقطع الطريق على إقامة دولة كردية مستقلة تفتح الباب لإقامة دولة سنّية ودولة شيعية تتقاسم الثروة النفطية حتى إذا ما نجح التقسيم في العراق فإنه يمتد عندئذ إلى دول أخرى في المنطقة فيتحقق إذ ذاك المخطط الاسرائيلي الموضوع من زمن للمنطقة لأنه يجعل اسرائيل الدولة الأقوى فيها عسكرياً واقتصادياً. وهذا المخطط يصبح تنفيذه محتوماً إذا لم يحقق التفاهم الايراني – السعودي – الأميركي حلاً جذرياً للوضع الكارثي في العراق وفي سوريا.
والسؤال المطروح هو: هل يصير تفاهم سعودي – إيراني – أميركي على معالجة الوضع الكارثي في سوريا كما تحقق في العراق، أم ينبغي انتظار نجاحه في العراق أولاً ومن ثم يأتي دور سوريا؟
ثمة من يقول إن الوضع في العراق قد يكون مختلفاً عنه في سوريا. ففي العراق تمّ التفاهم على إزاحة نوري المالكي عن رئاسة الحكومة وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تستطيع التصدي لهجمات “داعش” بتضامن بين كل مكونات الشعب العراقي مذاهب وعشائر. فهل يصير تفاهم على إزاحة الرئيس بشار الأسد ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تنتقل اليها كل صلاحياته تطبيقاً لاتفاق جنيف بحيث تعمل على بناء جيش قوي يستطيع التصدي لـ”داعش” ولغيره من التنظيمات الأصولية والدينية المتطرفة كي يحلّ في المناطق التي يتمّ إخراج “داعش” منها لأن سوريا في وضعها الراهن لا يُعرف مَنْ من الجيوش ينبغي أن تحلّ في المناطق التي تنسحب منها التنظيمات الأصولية، أهو جيش النظام أم “الجيش السوري الحر” أم جيش مختلط… وهل يكون الخلاف على تنحي الأسد سبباً لعدم التفاهم الاقليمي والدولي على معالجة الوضع في سوريا فتستمر الحرب ويستمر خطر تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات لتبقى ليس سوريا وحدها في دائرة الخطر إنما العراق ودول أخرى في المنطقة ولا يعود ثمة سبيل لإزالة هذا الخطر إلا بتحالف اقليمي ودولي يوجه ضربة عسكرية تنفيذاً للقرار 2170 الذي وضع تنفيذه تحت الفصل السابع كي يزال منه ليس دول المنطقة وحدها إنما كل دول العالم، أم إن قيام هذا التحالف قد يثير خلافاً على تنفيذ هذا القرار ولا سيما من جانب رسويا إذا لم يتم التفاهم على تقاسم النفوذ.
ومن جهة أخرى، ماذا في استطاعة لبنان أن يجني من التقارب السعودي – الإيراني إذا تحقق، خصوصاً ان الوضع فيه هو أقل تعقيدا بكثير منه في سوريا والعراق إذ إنه لا يحتاج إلا للاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية يكون مقبولاً من الجميع، وهذا الرئيس غير موجود في 8 آذار ولا في 14 آذار إنما خارجهما. وهذا الاتفاق يمكن التوصل إليه من دون انتظار تشكيل حكومة في العراق واختبار مدى قدرتها على وقف أعمال العنف، ومن دون انتظار حل للوضع المعقد في سوريا، وعلى حساب من سيكون هذا الحل، أعلى حساب المعارضة أم على حساب الموالاة أم على حساب الجميع ليكون حلاً لا غالب فيه ولا مغلوب؟
الواقع أن المسؤول عن جعل رئيس الجمهورية يُصنع في الخارج هو من يعرقل انتخابه بتعمّد تعطيل نصاب الجلسات على رغم كل الجهود المبذولة لجعله يصنع في لبنان، وعلى رغم أن من يتمسك بترشحه للرئاسة الأولى يعلم كما يعلم مؤيدوه أن لا حظوظ له بالفوز، وإن اختيار الرئيس بتوافق داخلي يظل أفضل بمواصفاته وصفاته من رئيس يختاره الخارج أو يتوافق عليه. فهل لا تزال الفرصة متاحة للتوصل إلى اتفاق وتوافق بين الزعماء اللبنانيين على صنع الرئيس في لبنان ليتم عندئذ فصل أزمة انتخابه عن أزمات المنطقة؟
لقد جمع الخوف من خطر “داعش” من لم يكن في الإمكان جمعهم عربياً وإقليمياً ودولياً، فلماذا لا يجمع الخوف منه الزعماء اللبنانيين إنقاذاً للبنان؟