الأحزاب المسيحية تتمسك بمظلة الدولة
الخوف يعيد طرح التسلح.. أو الهجرة
تضج الأوساط المسيحية بفكرتين تحولتا أحاديث الناس وهاجسهم: وجوب التسلح، والتفكير بالهجرة. فكرتان تبدوان متناقضتين، إلا أنهما مترابطتان ترابطاً جوهرياً في هذا الزمن البائس.
يدفع الخوف المسيحيين، خصوصاً أبناء الأطراف، إلى إعادة التفكير بالسلاح. منهم من أعاد فعلا تنظيف سلاحه وإعداده، ومنهم من اشترى سلاحاً جديداً. وتسري شائعات كثيرة، عن توزيع أسلحة قام به نواب مسيحيون في بيروت والبقاع!
إلا أن «الموقف الرسمي» للأحزاب المسيحية يبقى متحفظاً على طرح التسلح، وإن كان فريق يبدي تشدداً أكثر من الآخر. ففي حين يُنقل عن «التيار الوطني الحر» تفهمه لـ«حاجة الناس الى الشعور بالأمان عبر اقتناء السلاح للدفاع عن انفسهم، وهذا حق مشروع»، تبدي «القوات اللبنانية» تشدداً مطلقاً في موضوع السلاح على أساس «أننا اختبرناه وهو لا يأتي إلا بالويلات ويفتح أبواب حروب لا يُعرف بعدها كيفية إغلاقها».
إلا أن المفارقة أن جمهور الفريقين مقتنع أنه «إذا كان لا بد من مواجهة عسكرية، فالقوات اللبنانية وخلفها الكتائب اللبنانية هي من ستحمل السلاح وتدافع عن المناطق المسيحية».
لا شك ان لثقل التاريخ القريب، وللصورة الراسخة عن كل حزب في الوجدان المسيحي، إسهاماً كبيراً في رسم هذا السيناريو.
فـ«القوات» كما «الكتائب» تعتبران اليوم أن العودة الى حمل السلاح والأمن الذاتي خط أحمر لا يمكن تجاوزه. يقول مسؤول في «الكتائب» ان «الدولة وأجهزتها الأمنية هي الضمانة الوحيدة للمسيحيين. وإن لم يبق من هيبتها الا الصورة، فنحن نتمسك بها تمسك الغريق بطوق النجاة». وهو ما يردده مسؤولون ونواب «قواتيون»، وإن بتعابير مختلفة، ويؤكدون أن «من اختبر الحرب وخاض ويلاتها يكون مثلنا احرص الناس على السلام». وفي خطاب «التيار الوطني الحر» ما يشبه الخطاب نفسه. يقول احد نواب «التيار» معلقاً «نحن في تكويننا تيار مدني قام على حلم بناء الدولة القوية التي تحتكر وحدها السلاح. فهل يمكن ان نكون اليوم من المطالبين بالأمن الذاتي؟». لكنه يضيف شارحاً أن «الواقعية تقتضي منا الاعتراف بأن معظم اللبنانيين خائفون، والمسيحيون من بينهم. بالتالي، لا يمكن منع الناس من اقتناء السلاح الفردي، وهو موجود اصلا، ومعظمه مرخص. ونحن متأكدون بأن أحداً من المسيحيين لن يستعمل السلاح إلا مكرهاً ودفاعاً عن نفسه وبيته».
فيما تتفق «الاحزاب المسيحية» على رفض السلاح والتسلح، تختلف في تشخيص اسباب وصول الامور الى حد عودة الكلام عن السلاح والشروع في تخزينه لدى بعضهم.
«القوات» و«الكتائب» يحمّلان «حزب الله» الجزء الاكبر من المسؤولية. بحسب احد المسؤولين القواتيين فإن «السلاح المتفلت يستدرج سلاحاً مقابلا. والامن الذاتي يستدرج أمناً ذاتياً آخر. والاستقواء على الدولة يفرض إحساساً بالظلم لدى شرائح كبيرة اخرى من اللبنانيين».
وفي السياق نفسه يقول مسؤول كتائبي «يمكن استخلاص عبر كثيرة من ماضينا القريب لمن شاء ان يكون صادقاً مع نفسه. فالسلاح الفلسطيني المتفلت اضاع هيبة الدولة واستدعى سلاحاً مقابلا. وتحولت قضايا كبرى الى صراعات ازقة صغيرة. على حزب الله، ومعه كثيرون، ان ينتبهوا الى هذه المعطيات. فاذا كانت قضية بحجم القضية الفلسطينية ضاعت في طريقها الى القدس حين اختارات عبورها من جونية، فماذا يمكن القول عن واقع حزب يحارب على ارض اخرى شعباً يلقى تعاطف نحو مليار شخص؟ في اقل تقدير سيستدعي الرد على ارضه وسيطال ذلك كل اللبنانيين».
لا يدافع احد مسؤولي «التيار الوطني الحر» عن مشاركة «حزب الله» في القتال في سوريا، لكنه لا يراه «مصدراً لكل الشرور كما يحاول الآخرون تصويره». يضيف «سواء شارك او لم يشارك الحزب داعش هي اليوم بيننا. وعلينا التفكير جميعاً في كيفية مواجهتها. كلٌ بحسب قدراته. وعوض اتهام حزب الله بمواجهتها عسكرياً، وحسناً يفعل إن كان قادراً، على الآخرين أن يواجهوها سياسياً وشعبياً عبر تحصين الساحة الداخلية والتخفيف من الخطابات التحريضية والتبريرية التي تفاقم الأزمة عوض تخفيفها».