كان المراقبون يُدركون أنّ رئيس حكومة الـ»مصلحة الوطنية» الذي أمضى 11 شهراً في المصيطبة معتصماً ينتظر مَن يؤلّفها، سيمضي على الأقل فترةً مماثلة في السراي الكبير، وأنها ليست حكومة الأشهر الثلاثة، ولذلك أعدّوا العدّة للعمل طويلاً، في ظلّ الشغور الرئاسي وكأنّ الحكومة تعيش أبداً. ما هو دورها؟ وماذا لو تعثرت؟
يقول الدستور في حال الشغور، إنه على المجلس النيابي إعطاءَ الأولوية لإنتخاب رئيسٍ للجمهورية «قبل القيام بأيّ عمل آخر»، وبالتالي على الحكومة اللبنانية التي تسلمت مَهماتِ رئيس الجمهورية بحدها الأدنى عمل ما في وسعها من أجل تهيئة الأجواء لإجراء هذه الإنتخابات في افضل الظروف الممكنة بالتفاهم والتعاون بينها والمجلس النيابي.
ما يقول به الدستور مقدسٌ ويتقدّم على ما عداه من نظرياتٍ ومفاهيم، إلّا في لبنان. فللدستور بكلّ مواده مفاهيم وتفسيرات عدة قد تتناقض او تتلاقى حسب الأهواء والإنتماءات، فيجنّدون مِن رجال القانون الدستوري المؤهلين لإصدار نظريات من نوع «غب الطلب».
ومن هذه المنطلقات تراقب المراجع المعنية حجمَ ومضمونَ الدراسات التي عبّر عنها بعض رجال القانون الدستوري، فتبدلت الآراء بين يوم وآخر ودراسة وأخرى. فمنهم مَن كان يقول بحق الحكومة ممارسة أقصى صلاحيات رئيس الجمهورية، في ما يحتفظ آخرون بتحديد الحدّ الأدنى منها الذي يضمن تسييرَ شؤون الدولة من دون المسّ بما لا يمكن أن يكون إلّا من صلاحياتِ «سيد قصر بعبدا».
وعلى هذه الخلفيات ستشهد جلسةُ مجلس الوزراء اليوم نقاشاً في أربعِ صيغ مقترَحة لصلاحيات الحكومة وآلية العمل فيها وسبل ممارسة أدوارها نيابةً عن رئيس الجمهورية.
الصيغة الأولى تقول إنّ وضع جدول الأعمال من صلاحية رئيس الحكومة بلا أيّ شريك، وإنّ مهلة الـ 72 ساعة لتعميمه على الوزراء كافية للإطلاع عليه وتحديد الموقف النهائي من مضمونه في الجلسة، فإذا وافقت عليه الأكثرية كان به وفي حال العكس يكون ذلك صحيحاً. ويصرّ أصحاب هذا الرأي على أنّ حقَ نشر المرسوم هو من صلاحية رئيس الحكومة والوزير المختص فقط لا غير.
الصيغة الثانية تقول بحق الوزراء مشاركة رئيس الحكومة في وضع جدول الأعمال وتحديد البنود التي يمكن تناولها، وتوقيعهم المراسيم كمجموعة من 24 شخصاً لكلّ واحد منهم قيراطٌ في الحلول محل الرئيس من اصل 24 قيراطاً.
الصيغة الثالثة تقول إنّ ثلثَي أعضاء الحكومة قادرون على بت قضايا عدة مدرَجة على جدول الأعمال عندما يتولّون صلاحياتِ الرئيس، وطالما أنّ الإجماع مستحيل فإنّ ثلثَي اعضاء المجلس قادرون على البت سلباً ام إيجاباً، ويوقعون جميعاً المراسيم.
وتتحدث الصيغة الرابعة عن قضايا لا تحتاج أكثر من نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً ويصرون بذلك على موافقة 13 وزيراً للبت في أيّ موضوع ويوقعون المرسوم إيذاناً بصدوره.
وفي الحالين الأخيرين لم يُحدِّد أصحابها طريقة وضع جدول الأعمال، وقد يكون من إعداد رئيس الحكومة الذي يوزعه قبل 72 ساعة على موعد الجلسة ويستمزج رأيَ رئيس الجمهورية في مضمونه، عدا عن الحق الذي أُعطي اليهما بمخاطبة مجلس الوزراء في ايّ جلسة يعقدها وطرح ايّ بند من خارج جدول الأعمال شرط أن يحمل صفة «العجلة» او «الطارئ» بفعل قوة قاهرة غير محسوبة سلفاً». وبذلك ربط اصحاب هاتين النظريتين الموافقةَ على جدول الأعمال بمجرد البت بأيّ بند من بنوده، والبند الذي يسقط بالتصويت على مضمونه يكون قد سقط من الجدول حكماً والعكس صحيح.
وأمام هذه الحالات يتوقف البحث في جلسة اليوم على البت النهائي بصيغة يمكن التوافق حولها لإعتمادها في آلية العمل للمرحلة المقبلة. ويتوقف على تفاهم اعضائها تحديد مصيرها وما يمكن أن تقوم به فيما لو طالت فترة الشغور، وهو أمر مرجح، ولكن هناك مَن يحتسب حساباً لإمكان انتقال عدوى الشلل المنتظر في مجلس النواب على مستوى دوره التشريعي لا الإنتخابي وعندها فقط تكون كلّ هذه النظريات قد سقطت. فماذا لو سقط «العلم الدستوري» في لبنان؟