إذا كان استحقاق رئاسة الجمهورية قد بلَغ درجات متقدّمة من النسيان، إلّا أنّ قرب انتهاء ولاية مجلس النوّاب، الممّدَّد له، في ظلّ تزايد الهمّ الأمني، سيطفو على واجهة الأحداث في لبنان.
قد يكون التمديد لمجلس النوّاب بات أمراً واقعاً، لكنَّ السؤال الأساس يبقى: من سيتجرّأ على طلب هذا الأمر المُخيّب لآمال اللبنانيّين، والذي يضرب الدستور عرض الحائط؟
تتصاعد أسهم التمديد وتتلاقى مع موقف المجتمع الدولي، حيث يكشف مصدر ديبلوماسي لـ«الجمهوريّة»، أنّ «مسؤولي وسفراء الدول الكبرى، يُشدّدون خلال لقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين على أمرَين: الأوّل وجوب الحفاظ على الأمن والإستقرار وإبقاء الساحة اللبنانية معزولة عن تطوّرات المنطقة، والثاني إحترام الاستحقاقات الدستوريّة. لكنّ همَّهم الأساس يبقى انتخاب رئيس للجمهورية، إذ إنّهم لا يريدون أن تتقدّم الإنتخابات النيابية على الرئاسية وتسرق كلّ الاهتمام».
هذا الجوّ الديبلوماسي الغربي، الذي يؤكِّد أنَّ الرئاسة أوّلاً، يتَّفق مع موقف بكركي وبعض الأقطاب اللبنانيين. لكنّ وزارة الداخلية مصمّمة على احترام القانون وإجراء الانتخابات في موعدها. وفي غياب أيّ مشروع قانون يقضي بالتمديد لمجلس النواب، يستكمل وزير الداخلية نهاد المشنوق التحضيرات وفق القانون النافذ، أي 25/ 2008.
تعمل وزارة الداخلية لكَي تكون جاهزة تقنيّاً، إذا تمَّت دعوة الهيئات الناخبة، التي تترافق مع تأليف هيئة الإشراف على الإنتخابات، علماً أنّ هذين الأمرين يحتاجان الى مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الداخلية. وفي التوازي، تنصرف «الداخليّة» إلى تحضير المسائل اللوجستية والتقنية لإدارة العملية الإنتخابية وتنظيمها عبر مديرية الشؤون السياسية في الوزارة، التي تُعتبر مديرية قائمة بحدّ ذاتها، وتعمل تماشياً مع منطق إستمرارية عمل المؤسسات مثل كلّ انتخابات محلية أو نيابية.
ويقول مستشار وزير الداخلية لشؤون الإنتخابات خليل جبارة لـ«الجمهورية»، إنّ «الانتخابات تتطلّب تحضيراً تقنياً كبيراً من أجهزة الوزارة التي تُنسّق مع بعضها البعض لإنجاح العملية، والوزارة تعمل في معزل عن النقاش السياسي، ولا ندخل في التفاصيل والنقاشات التي تشهدها الأروقة السياسيّة»، لافتاً إلى «عملية تسلسليّة لإجراء الانتخابات، مثل توزيع مراكز الاقتراع، تأليف لجان القيد، تحديد سقف الإنفاق الإنتخابي، درس القائمّقامين لمراكز الاقتراع، إضافةً إلى مسائل لوجستية ضرورية».
دعوة الهيئات الناخبة يجب أن تتمّ قبل 90 يوماً من انتهاء ولاية التمديد للمجلس النيابي، أي في 20-11- 2014، على أن تجري الانتخابات يوم الأحد. ويُركّز المشنوق على أهمّية تعاون كلّ المديريات والأجهزة التابعة للوزارة لكي تنجح العملية، ومن أجل ذلك، شكّل لجنة تنسيق للتحضير للعملية الانتخابية، وهو سيوجّه الدعوة هذه المرّة إلى الهيئات الناخبة في الداخل والخارج، أي اللبنانيين المغتربين، لكنّ بعض منظمات المجتمع المدني اعترضَ على آلية السماح للمغتربين المسجّلين في الانتخاب، وبرَز رأيان: الأوَّل يقول بوجوب أن يكون هناك 200 لبناني مسجّلون، بصرف النظر إلى أيّ دائرة ينتمون، أمّا الثاني والمعتمد، فيقول بوجوب أن يكونوا من الدائرة نفسها، وبذلك، لن يتمكّن من الانتخاب إلّا اللبنانيون في الكويت لأنّهم من دائرة مرجعيون وحاصبيا، ولبنانيّو أستراليا الذين ينتمون إلى أقضية الشمال، على أن ينتخب المغتربون خلال مهلة 10 أيام من انتخابات
الداخل.
الهمّ الأمني لا يدخل حاليّاً في الحسابات الجارية للتحضير للعملية الانتخابية، وعندما يقترب الموعد ستُقدّر الأجهزة الوضع، وفي هذا السياق، يركّز جبارة على أنّ «الاهتمام ينصبّ على المسائل التقنية»، ويميِّز «بين تعديل في قانون الانتخابات يلحظ إدارة العملية الإنتخابية لأنّه شِقّ تقني إجرائي ويسهُل التعامل معه، وبين تعديل يلحظ تغييراً في النظام الانتخابي، ما يتطلب وقتاً لتعليم الناخبين وتكييف أجهزة الإدارة مع القانون الجديد».
في السابق، كان اللبنانيون ينتخبون في صناديق حديد لها قفل، أمّا الآن فستُستخدم الصناديق البلاستيكيّة الشفّافة، وحبر سرّي وعازل إلزامي. ويقول جبارة إنّ المشنوق أعطى تعليماته لتطوير إدارة العملية، ما قد يُساعد مستقبلاً على تسهيل شؤون الناخبين وإدخال بعض الوسائل التكنولوجية والمكننة، وهو يحاول التطوير ضمن القانون وإعطاء التسهيلات الممكنة لتحديث إدارة العملية الانتخابية.
منذ أكثر من عام تقريباً، جنَّدت الداخلية طاقاتها للتحضير للإنتخابات، وحاليّاً تشهد الأمر نفسه، لكن لا أفق سياسياً لإجراء الإنتخابات النيابية بسبب عدم الوضوح لجهة إمكان انتخاب رئيس للجمهورية، فهل يمدّد للمجلس مرّة أخيرة، فتكون الثالثة ثابتة لتحضيرات الموظفين، أم ندخل في فترة شبيهة لبداية الحرب اللبنانية؟