IMLebanon

الدولة الفاشلة»: ماذا لو وقع الزلزال؟ 

تشبه الخطط الحكومية اللبنانية للوقاية من الزلازل حركة الصفائح التكتونية نفسها. الاخيرة تتحرك عادة من صفر إلى 100 ملم سنوياً، فيما يسجل الاداء الحكومي تجاه هذا النوع من الكوارث المرتقبة في بلد مثل لبنان نتيجة هي الأقرب الى الصفر. والصفر هنا له فعل تدميري هائل

فجر يوم أمس، أفاد المركز الوطني للجيوفيزياء «عن حدوث هزة أرضية في تمام الساعة 12 والدقيقة 41 بالتوقيت المحلي، بقوة ٤.٢ درجات على مقياس ريختر، تبعتها هزة ارتدادية بقوة 3.6 عند الساعة الواحدة والدقيقة 25. تلتها خمس هزات أخرى ارتدادية خفّت تباعاً وتيرة قوتها».

سمع سكان المناطق المحيطة بصيدا وصولاً الى إقليمي التفاح والخروب صوتاً قوياً، ترافق مع هزة دامت لعدة ثوان، الامر الذي يؤشر الى أن الهزة وقعت في البر وليس في البحر، وأن احتكاك الفالق عند نقطة معينة أحدث هذا الصوت الذي قد يكون نتج منه انكسار في طبقة الارض لم يحدد عمقه بدقه، حيث أعلنت وكالة المسح الجيولوجي الأميركي أنه بعمق ١٤.٨ كلم، في حين أعلن المركز الوطني للجيوفيزياء أن الهزة سطحية ولم تتجاوز عمق ٥ الى ٦ كلم في باطن الارض.

شائعات تثير الهلع

طيلة الفترة الماضية، لم يجر لبنان أي مناورة وطنية للوقاية من الهزات والزلازل، باستثناء مناورة يتيمة صغيرة أجريت في صريفا عام ٢٠٠٨. بدا واضحاً أمس أن لبنان الرسمي لم يهتز كفاية ليتحرك، في وقت اكتفى فيه بعض المسؤولين الكبار بالاتصال بالمعنيين للاستفسار عما إذا كان ينبغي عليهم أن يخلوا أماكن سكنهم (قصورهم وشققهم الفارهة).

المدير السابق للمركز الوطني للجيوفيزياء في بحنس، إسكندر سرسق، قال في اتصال مع «الأخبار» إن وتيرة الهزات الارتدادية قد توقفت عند الساعة الثامنة من قبل ظهر أمس، الامر الذي يؤشر الى أن تداعيات الهزة الاولى قد بدأت بالتراجع الى حد كبير.

وقال الأمين العام للمجلس الوطني البحوث العلمية معين حمزة لـ«الأخبار» إن محطة الرصد، الموجودة في منطقة دير القمر في الشوف، استطاعت أن تحدد بدقة مركز وقوع الهزة الاولى في المغيرية في إقليم الخروب، وهي تبعد حوالى ٨ كلم شمالي شرقي صيدا، في حين أن الهزة الثانية الارتدادية حدد موقعها في داريا في إقليم الخروب. وأشار حمزة الى أن الهزة الاولى وما تبعها من هزات ارتدادية أقرب إلى «فالق روم» من جهة إقليمي الخروب والتفاح». وأوضح حمزة أن «الهزة الارتدادية الاولى بقوة 3.6 جعلتنا حذرين أكثر من المرات السابقة التي وقعت فيها هزات أرضية، وقد تلقينا تحذيرات من عشرات مراكز الرصد حول العالم تفيد بأن هذه الهزة غير عادية وغير نمطية، الأمر الذي قادنا الى التحليل أنها قد تكون بداية نوبة زلزالية. ففي عام 2008 سجّل نحو ألف هزة في منطقة صريفا وحوض الليطاني، ما عكس وجود نشاط زلزالي كبير».

وقد ندد حمزة بالشائعات التي أطلقت عبر تطبيق Whats App واستخدام تسمية وهمية «المرصد اللبناني للهزات الأرضية ودراسة الجيولوجيا». ولفت الى أن هذا النوع من الشائعات يهدد الامن القومي اللبناني، ويجب أن يتم تتبعها لمعرفة الفاعل، كاشفاً أنه أجرى اتصال برئاسة مجلس الوزراء طالباً أن تتحرك الشرطة القضائية عبر مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية لتتبع وكشف من أطلق هذه الشائعة وسوقه الى العدالة.

تناقل اللبنانيون بعد دقائق على وقوع الهزة الاولى رسالة نصية عبر الهاتف تفيد عن احتمال وقوع هزة أرضية قد تكون عنيفة ستضرب لبنان وشمال فلسطين عند الساعة الرابعة صباحاً. وحذرت الرسالة «جميع السكان الموجودين في أماكن الهزة في حال حصلت أن يتوجهوا مباشرة الى المناطق الخالية المزروعة ويبتعدوا عن المناطق السكنية». وكشف حمزة أن هذه الرسالة قد أحدثت حالة من الهلع، لا سيما لدى سكان إقليم الخروب الذين أمضى عدد غير قليل منهم ليلتهم في العراء خوفاً من حدوث هزة جديدة، خصوصاً أنه عندما انقضت الساعة الرابعة ولم يحدث شيء، تم إرسال رسالة نصية جديدة تفيد بوقوع هزة عند الساعة السادسة صباحاً، الامر الذي جدد موجة الهلع لدى السكان، وإن كان بوتيرة أقل من الشائعة الاولى.

سرقة مراكز الرصد

كشف حمزة أن المركز الوطني للجيوفيزياء يعمل بثلاثة موظفين، واحد منهم محال على التقاعد، وأنه من أصل ٢١ مرصداً يفترض أن تكون مجهزة وتعمل في مختلف المناطق اللبنانية يوجد حالياً خمسة مراصد عاملة هي بحنس ودير حوقا في الشمال وبئر حسن في بيروت وحاصبيا ودير القمر في الشوف. وشكا حمزة من غياب الاعتمادات اللازمة لتركيب محطات رصد جديدة وإجراء أعمال الصيانة للمحطات الحالية، مشيراً الى أن بعض مراكز الرصد التي كانت تعمل تعرضت للسرقة، ما أدى الى توقفها. وأضاف حمزة «أبلغت رئاسة مجلس الوزراء بواقع الحال وطلبت رصد الاعتمادات اللازمة لمركز الجيوفيزياء، لأنه لا يمكن أن يطلب منا أن نحدد بدقة الانشطة الزلزالية في ظل الامكانيات المتواضعة جداً التي نعمل بها». كذلك أعلن حمزة أن الدفاع المدني والصليب الاحمر والهيئة العليا للإغاثة قد وضعوا في حالة جاهزية بعد وقوع الهزة، آملاً أن تكون جميع الادارات والاجهزة المعنية بإدارة الكوارث ضمن الجاهزية المطلوبة في حال وقوع هزات جديدة وبقوة أكبر.

بدوره، أكد إسكندر سرسق لـ«الأخبار» أن إمكانيات المركز الوطني للجيوفيزياء، في وضعها الحالي، دون المستوى المطلوب. «هناك ضعف في المعلومات، لأن لدينا نقصاً في أجهزة الرصد، ولا نستطيع القيام بأعمال الصيانة، وهناك آلات في بحنس لم يتم تبديلها منذ ٤٠ عاماً. قبل عامين كان وضعنا أفضل من اليوم. الاعتمادات التي ترصد لنا قليلة جداً، وكل عام تنقص عن العام الذي سبقه». وأضاف سرسق: «يعمل في بحنس ثلاثة أشخاص هم رشيد جمعة ومارلين براكس وأنا. إذا مرض واحد منا ماذا يحصل؟ أين جيل الشباب الجديد الذي سيتسلم المهمات من بعدنا؟ في سوريا، ورغم ظروف الحرب المدمرة، لا تزال عمليات الرصد الزلزالي أفضل من لبنان. وحالياً نتلقى بعض المعلومات من الرصد الذي تقوم به الدولة التركية، وعملية تحديد موقع الهزة أمر مفصلي لتحليل ما حدث ولاتخاذ التدابير.

وكان حمزة قد عقد مؤتمراً صحافياً أمس أكد فيه أن «الحل والتدبير الذي يجب أن يتخذ هو تطبيق نظام التنظيم المدني ببناء أبنية مقاومة للهزات». وأشار الى أن «النشاط الزلزالي في لبنان موزع بحسب الخريطة الزلزالية على كل لبنان، وعندما تحصل الهزة في الليل يشعر بها المواطنون أكثر منها في النهار. ولكن هزة بقوة ٤.١ درجات جديرة بدراستها».

نظام إنذار مبكر

بدوره أكد ناشر مجلة «علم وعالم» المتخصصة، مجدي سعد، في اتصال مع «الأخبار»، أنه آن الأوان للاستعانة بالقدرات العلمية اللبنانية الاغترابية لتقوية القدرات اللبنانية القادرة على رصد الهزات والزلازل. لا بل يمكن القول إنه يمكن أن نصل الى مرحلة تمكننا من توقّع ما يمكن حدوثه في مناطق الفوالق. وأضاف: «اللبناني شارل عشي يشغل منصب مدير مركز الدفع النفاث في وكالة الفضاء الاميركية، وأحد أقسام هذا المركز يضم معهد الابحاث الجيوفيزيائية الذي يدرس الزلازل، واستطاع أن يتوقع ١٥ من أصل ١٦ هزة أرضية في ولاية كاليفورنيا. العلم يقول اليوم بإمكانية التوقع العام وليس التوقع الدقيق للزلازل، لأن المعطيات العلمية وقاعدة بيانات الفوالق يمكن أن تفيد بوجود خطر معين.

اتصل بعضالمسؤولين للاستفسار عن إخلاء مساكنهم

وأضاف سعد: «العالم اللبناني عطا الياس اكتشف فالق جبل لبنان الذي يمتد من عكار الى صور في البحر، لذلك من حقنا أن نطالب بتفسير علمي دقيق. حتى الآن لم يخبرنا أحد لماذا تحصل هذه الهزات في البحر، لأن ليس هناك أجهزة وعلماء يخبروننا بذلك. وإذا استعدنا النشاط الزلزالي خلال الاعوام الماضية يتبين بوضوح أن هناك حركة نشطة ضمن فالق روم في البر وفالق جبل لبنان في البحر. والمطلوب أن يتم رصد الاعتمادات لتقوية مراكز الرصد، خصوصاً عند البحر. ويمكن الاستفادة من قدرات الأكاديمية اللبنانية للعلوم، التي يرأسها ادغار الشويري عالم الفزياء في جامعة برنستون، التي تضم في عضويتها الدكتور عشي. وهذا التعاون يمكن أن يتيح إمكانية إقامة مركز جيوفيزيائي متطور بكادر بشري مؤهل والاستعانة بقدرات علمية عملت في لبنان، كالخبير في نشاط الفوالق الزلزالية البروفسور بول تابونيه، وهو أستاذ الجيوفيزياء في معهد فيزياء الأرض في باريس، وعمل في لبنان في الماضي، ونبّه في عام ٢٠٠٨ إلى إمكانية وقوع زلزلال كبير في لبنان. ويجب أن يكون هذا المركز مجهزاً بأحدث التكنولوجيات المتوافرة في العالم. كذلك يجب على هذا المركز التعاون مع مركز الجيوفيزياء التابع لوكالة ناسا، وهذا ممكن بوجود الدكتور عشي، إضافة الى التعاون مع مراكز أخرى في اليابان وتايوان وإيطاليا، وهذه دول تعاني على الدوام من هزات أرضية. وطالب سعد بأن يكون هناك تدريب لطلاب المدارس، وبرامج عبر البلديات والمحافظات، وإعداد لقوى الامن، ومعدات تكشف وجود الأحياء تحت الانقاض. كذلك فإن مراكز فرق الإنقاذ والجيش يجب أن تكون مجهزة كأولوية، لأنه إذا وقعت الكارثة يجب أن يستطيع هؤلاء مغادرة مراكزهم والبدء بعمليات الإنقاذ. وليس من قبيل المبالغة القول إن لبنان يفتقد الحد الادنى من الجاهزية فيما لو وقعت الكارثة، حيث لم تجر عملية رصد للمباني القديمة التي ينبغي إخلاؤها فوراً لأنها قد تسقط في حال وقوع زلزال بقوة ٦.٥ أو أكثر. كذلك فإن العديد من الأبنية العامة التي بنيت حديثاً تعاني من خلل في مواد البناء، وهي بدورها معرضة للسقوط.

تعمل وحدة إدارة الكوارث في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدى رئاسة مجلس الوزراء على تطوير إدارة الكوارث واستراتيجيات الحد من المخاطر المحتملة. ورغم مرور عدة سنوات على إنشاء هذه الوحدة لا يبدو أن أحداً من المعنيين متحمس لإقرار اقتراح القانون لإنشاء هيئة وطنية لإدارة الكوارث القابع في أدراج مجلس النواب، ويبدو الجميع سعيداً بأن تبقى وكالات الأمم المتحدة، تدير المشاريع والبرامج الوطنية، في مؤشر واضح على تعريف «الدولة الفاشلة» الذي ينطبق على لبنان.