IMLebanon

الدولة في الأشرفية خطّ أحمر… والأهالي: لسنا حطباً للحرق

لا تختلف منطقة الأشرفية عن المناطق المسيحيّة في نبذ الأمن الذاتي ووقوفها الى جانب الجيش اللبناني والقوى الامنية، ورهانها على الدولة وحيدة، «رافضة العودة الى عصر الإقتتال الطائفي والحرب الأهلية».

يلجأ البعض الى تصوير بطولات وهميّة، تُظهره على أنّه حامٍ للحمى، وحريص على الأشرفية وأهلها ومسيحيّي لبنان، في وقت يُصرّ أبناء الأشرفية على رفع اليافطات المؤيدة للجيش اللبناني والداعمة لمؤسسات الدولة وقوّتها المستمدّة من إحتضان الشعب لها، وقد تجسّد ذلك في الشعارات التي خُطّت وعُلّقت في ساحة ساسين ومختلف شوارع الأشرفية، والتي تدمج الجيش بالشعب بكلمة (الجيشعب)، في دلالة واضحة على رفض منطق الأمن الذاتي و»البَهوَرات» المسلّحة.

يعوّل الأشرفيون على الجيش وقوى الأمن الداخلي لحماية منطقتهم كما كلّ لبنان، ويَسخرون من طروحات البعض إقامة لجان شعبيّة لمساندة القوى الأمنية، ويعتبرون أنّ السلاح في يد الشعب سيخلق المشكلات، خصوصاً أنّ معظم الشباب متهوّر، وأيّ إحتكاك سيوصل الى حرب أهلية. علماً أنّ فكرة اللجان الشعبية مستقاة من تجربة النظام السوري مع بداية الثورة حيث تحوّلت فرقاً شبيحة تعتدي على المواطنين وتفرض سلطتها بالقوّة.

حياة طبيعيّة

يُخيّم الهدوء على شوارع الأشرفية، ولدى سؤال المواطنين عن الوضع، يجيبون باستغراب: «ليش شو في»، منتقدين كلّ الحملات التي تُشنّ من أجل جرّ المسيحيين إلى الخروج عن طور الدولة وحَمل السلاح مجدّداً.

وتقول ريتا: «دفعنا ثمَن الحرب غالياً، فقد قاتل الشباب 100 يوم بقيادة الشيخ بشير، حينها كان السوري يحتلّ بلدنا ويقصف منطقتنا، أمّا الآن فأين العدّو؟ خطر «داعش» وغيرها موجود، لكنّه يدخل في نطاق العنف الطائفي السنّي- الشيعي، وإذا كانت المناطق المسيحيّة محيّدة، فلماذا نستدعي الخطر إلينا؟».

يعيش أهالي الأشرفيّة حياة طبيعيّة ويتأثرون بما يحصل في المنطقة وعلى الحدود. هم لا يسكنون في جزيرة معزولة، لكنّ كلّ ما يُحكى عن إستنفار شباب الأحزاب أو تثبيت نقاط مراقبة، أمر مضخّم، علماً أنَّ بعض الشبان يسيّرون دوريات ليلية مثل كل المناطق والبلدات، لكن لا عودة الى زمن الحرب.

ويوضح سامي، وهو مقاتل سابق في الأحزاب المسيحية، أنّ قانون الحرب صعب، والأشرفية لا تقاتل عن عبث، وعندما تعجز الدولة وتحتاج مساعدتنا سنكون أوّل من يلبّي النداء، مؤكداً أنه «ليس مستعداً لخسارة ظفر واحد من أظافر أولادي، فقد ربّيتهم في ظروف صعبة وعلّمتهم في مدرسة الحكمة وجامعة اليسوعيّة، ودفعت الغالي ليكملوا دراستهم، ولن أسمح بأن يكونوا حطباً ووقوداً في فتنة حرقتنا سابقاً، فخيار أهل الأشرفية هو العِلم والعَلَم».

لا لجان شعبية

يزدحم السير من ساحة ساسين الى كنيسة السيدة وكرم الزيتون، وتشكّل الأشرفية التي تتكوّن بغالبيتها من الطبقة الوسطى، صلة الوصل بين الأغنياء والفقراء، وهي تحاول الحفاظ على هذا الدور دائماً. وينفي شبان كرم الزيتون وجود حراسة ليلية، حيث يقتصر الأمر على دوريات لبلدية بيروت.

ويجزم غسان بأن لا عودة الى زمن الميليشيات المسلّحة، فقد عانينا من الحرب، والمسؤولية تقع على الدولة التي تقوم بواجبها كاملاً راهناً.

في وقت يطرح البعض إنشاء لجان شعبية، تستجدي الدولة المسيحيين للتقدّم الى وظائفها، وبدلاً من أن يلجأ بعض الأحزاب الى حركات استعراضية لاستقطاب الشارع وتجييشه، عليه أن يدعو محازبيه الى الالتحاق بالدولة.

ويلفت مخاتير الأشرفية، إلى أنّ حركة الإقبال خجولة، فالشبان الذين قصدوا مكاتب المخاتير للاستحصال على افادات للتقدّم الى الوظائف العسكرية يُعدّون على أصابع اليد، في منطقة تُعتبر من أكبر المناطق المسيحيّة، ولا يخفي بعض الأهالي غضبه من سوء معاملة المسيحيين في الدولة التي خرجوا منها عام 1990، حيث تقول منى إنّ «إبنها خضع 3 مرّات الى امتحان كفاءة للإنتساب الى الدولة ونجح، لكن لم يقبلوه».

المرجعيات السياسية

كلام أهل الأشرفية يؤكّده النائب نديم الجميّل، الذي يقول لـ«الجمهوريّة» إنّ «إتكالنا هو على الجيش وحده، وكلّ الأشرفية جيش لبنان ومع الجيش، لكنك لا تستطيع منع أيّ مواطن من مراقبة بيته أو حيّه»، نافياً «كلّ ما يُحكى عن تسلّح في منطقته». ويدعو الى «ضبط الوضع في عرسال وعدم تعميم النموذج على كلّ لبنان»، مشيراً الى أنّ «الأشرفية من اكثر المناطق التي ضبطت النزوح السوري».

في المقابل، يعزو الجميّل عدم إقبال أهل الأشرفية على وظائف الدولة على رغم دعمهم المطلَق لها، إلى «فقدان الثقة بينها وبين المسيحيين، ثقة نعمل على إعادتها، وتحتاج الى وقت وخطة عمل على الأمد الطويل».

يُعتبر حزب «القوّات اللبنانية» من أكبر الأحزاب المسيحية المنظّمة في الأشرفية، لكنه قرّر أن تكون العين يقظة لمساعدة الدولة بلا أمن ذاتي او تسلّح، ويُعبّر منسق بيروت في «القوات» المهندس عماد واكيم لـ«الجمهورية» عن «رفضه المطلق تسلّح المسيحيين والعودة الى الأمن الذاتي، لأنّنا نقف بحزم وراء الدولة والأجهزة الامنية»، معتبراً أنّ «كلّ مَن يتكلم في هذا الموضوع هدفه إضعاف الدولة لغايات وسياسات صغيرة، وسنمنع هذا الأمر، لكن في النهاية وعندما نواجه خطراً جدّياً، نحن مَن يقف ويدعم الدولة وليس الآخرون الذين يحاولون التجييش وكسب النقاط».

تُجمع معظم القوى المسيحية على تحييد مناطقها عن البركان والنزاع على رغم بعض التصرّفات المتهوّرة لبعض الشبان، وفي هذا الإطار «ينفي» القيادي في «التيار الوطني الحر» زياد عبس لـ«الجمهورية» تسلّح العونيين، مؤكداً «أننا نتّكل على الجيش، علماً أنّ بلدية بيروت تراقب المنطقة، فيما تُنسّق القاعدتان العونية والقواتية في ما بينهما داخل الأحياء إذا ما شعرتا بخطر يهدّد المنازل والشوارع».

يطلب الأهالي من الأحزاب المسيحية الوعي السياسي وعدم جرّ مناطقهم الى نزاعات هُم بغنى عنها، لكي لا يدفعوا فاتورة الدّم مجدّداً، لأنّ أيّ هفوة في الوقت الراهن ستحمل نتائج كارثية.