IMLebanon

 «الذئب» على عتبة أوباما

لم يعد «الذئب عند الباب» كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في نصيحته للعراقيين لكي يوحدوا صفوفهم في مواجهة تنظيم «داعش» (الدولة الإسلامية في العراق والشام) الذي ابتلع ثلث مساحة بلاد الرافدين، ويقضم مساحات في سورية.

«الذئب» بات في البيت الأميركي، بذبح الصحافي جيمس فولي، والتهديد بقتل صحافي أميركي آخر هو ستيفن سوتلوف. أوباما الذي «برع» في سياسة النأي بالولايات المتحدة عن التورط في حرب سورية، حيث الإبادة شاملة، وعن وحول العراق ونكبته الأخيرة بـ «داعش»، بات للمرة الأولى أمام اختبار قاسٍ يتطلب قراراً أول المعنيين به هم الأميركيون، فإما التضحية بسوتلوف ليواجه مصير فولي، إذا ثبتت صحة «شريط الذبح»، وإما وقف الغارات الجوية الأميركية على مواقع «الدولة الإسلامية».

في الحالين، بات الرئيس الأميركي في مأزق لا يقل حصاره عن حصار «داعش» لسكان «الدولة الإسلامية» أو رعاياها في العراق وسورية. فالتضحية بالصحافي سوتلوف مصيبة لأوباما الذي ما زال فاشلاً في تبديد صورة الرئيس المتردد العاجز أمام كل ما يحصل في العراق وسورية وليبيا، فيما التورط المباشر بمواجهة مكشوفة على الأرض مع «داعش» سيكون هدية للتنظيم: حرب استنزاف طويلة بما تعنيه من قتلى أميركيين، والتنكيل بآخرين «صليبيين»، لينزلق أوباما إلى ما نجح سنوات في تفاديه… بكلفة باهظة.

العودة الى العراق هي ما يكرهه الرئيس الأميركي، ويبدو أن لعنة بوش (الغزو) ما زالت تلاحقه بعد 3 سنوات على سحب البنتاغون قواته من بلاد الرافدين التي غرقت بدماء ابنائها، سنّةً وشيعةً ومسيحيين وأكراداً. أمام المأزق الجديد، بعد ذبح فولي، أي قرار سيُقدم عليه أوباما بعدما اكتفى بتوجيه النصائح إلى العراقيين ليتخلّصوا من عقدة المالكي، وليواجهوا «داعش» بدمائهم؟

ما تغيّر بين عامي 2003 و2014 هو ما تبدّل بين غزوٍ بُني قراره على شبهة مخترعة بامتلاك بغداد أسلحة دمار شامل، وبين ترك «خلافة» أبو بكر البغدادي تنهش بقايا دولة بأسلحة الإبادة الشاملة. وأما مقاتلوها الأجانب الذين تدفقوا من بلدان الغرب، فلعلهم السبب الأول لحال الذعر التي دفعت الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى إعداد «مبادرة» لمواجهة «داعش»، تستدعي مؤتمراً دولياً، وأقنعت رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون بقطع إجازته، بعد بث فيديو ذبح الصحافي فولي.

«الذئب» لم يعد إذاً عند أبواب العراقيين وحدهم، وفي بيوتهم، وتهديدات «داعش» لا تحتاج قرائن بعد كل ما ارتُكِب في الموصل وتكريت وجبال سنجار. وإذا كان الغرب مداناً بشبهة التمييز بين دماء السوريين ودماء العراقيين، فالحال أن ما يُعتبر «وباء» تنشره موجات القتل الجماعي في المنطقة، يتطلب تحالفاً دولياً لإنقاذ دول وشعوب، لا مجرد مساومات بالتقسيط مع أطراف إقليمية. بين هذه الأطراف إيران التي رفضت تفويضها حرباً بالنيابة عن الغرب، وتركيا التي لم تفنّد علناً تقارير و «إشاعات» عن عدم إدانتها ارتكابات «الدولة الإسلامية»، وعما هو مريب.

ومن دون تسمية المسمَّى، فذئب القتل الجماعي الذي ينهش العراقيين والسوريين، يفترس من المدنيين في غزة بمقدار ما يتلطى نتانياهو بتوحش التطرف والاستبداد لدى العرب، بل يكاد أن يوهم نفسه بأنه يسدي خدمة للفلسطينيين في قطاع غزة بمحاولته استئصال «حماس»… فيما هو يبيد عائلات مشردة على أطلال الخراب.

قطع رأس صحافي إرهاب وحشي، قصف المدنيين في غزة أبو الإرهاب وأمه، أما أم الفظائع فهي ادعاء كل ما يشوّه الإسلام باسمه، لإثارة براكين أحقاد لا تميّز حِممها بين الجنسيات والأديان والأعراق. ما شجع «الدولة الإسلامية» على محو حدود وتهديد الأميركيين، هو صمت الغرب وواشنطن خصوصاً عن النكبة الكبرى في الحرب السورية المنسية. كانت ذريعة الأوروبيين والأميركيين الخشية من سقوط أسلحة المعارضة السورية في أيدي المتطرفين المتعاطفين مع «فكر القاعدة»… في أيدي «داعش» اليوم ما يكفي لإنهاك ما تبقى من الجيش العراقي، وإرباك المقاتلين الأكراد، لذلك يساوم على رأس الصحافي سوتلوف لوقف الضربات الجوية الأميركية.

ولن تنقذ أوباما سريعاً من المأزق «مبادرة» هولاند، الذي ذكّر الرئيس الأميركي بعواقب «الخيار الرهيب بين ديكتاتور ومجموعة إرهابية» في إشارة الى ورطة العجز في سورية والتي وُلِدت من رحمها «الدولة الإسلامية».

العِبرة تبقى في الخيارات المتاحة لأي تحالف دولي، يسعى الى استئصال «داعش» من دون تفريخ إرهاب آخر، فيما الاستقطاب الإقليمي على حاله… الغياب العربي لا يكترث به أحد، و «العجز» الدولي مفخخ بعضّ الأصابع بين موسكو والغرب.

وبين الغياب والعجز، مساحات شاسعة للذئب، وإرهاب القتل الجماعي.