ليس متوقعاً أن يختلف المشهد في ساحة النجمة غداً خلال الجلسة التاسعة التي دعا إليها الرئيس نبيه بري لانتخاب رئيس للجمهورية عما كان عليه في الجلسات الثماني الماضية، حيث من المتوقع أن يتوافد إلى القاعة العامة للمجلس النيابي نواب فريق «14 آذار» إلى جانب نواب «اللقاء الديموقراطي» وبعض نواب فريق «8 آذار» الذين سيحضرون بصفة «مراقبين» ولن يدخلوا إلى القاعة العامة، خوفاً من اكتمال النصاب بحضورهم وأن يتفاجأوا بـ «صفقة» تم تمريرها لـ«تجيير» الأصوات لصالح مرشح «وسطي».
ولم يعد خافياً أن الفريق «التعطيلي» نفسه الذي يطيل أمد الشغور باقٍ على موقفه ولم يصدر منه ما يشي باستعداده للتجاوب مع الدعوات المتكررة التي تطالبه بالخضوع لقواعد اللعبة الديموقراطية، فيتوجه نوابه إلى المجلس لتأمين النصاب القانوني المطلوب والشروع في عملية إنهاء الفراغ الذي بات واضحاً أنه كان مقدمة «مدروسة» لشلّ ما تبقى من مؤسسات دستورية في البلد.
وفيما كان من المتوقع أن تحرّك مبادرة الرئيس سعد الحريري «المياه الراكدة» في الأزمة الرئاسية، عبّر عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا عن «أسفه لاستمرار التيار الوطني الحر في تقديم الخدمة إلى المشروع الاستراتيجي الإيراني- السوري بتعطيل الانتخابات الرئاسية لأنها لن تؤدي إلى وصول النائب ميشال عون إلى قصر بعبدا لكي يشكّل هذا الوصول انتصاراً لهذا المشروع»، مشدّداً على أن واجبنا «هو عدم التساهل مع إمكانية وصول عون إلى بعبدا لأن ذلك يعني الاستسلام لهذا المشروع».
وعن استمرار الشغور في الموقع الرئاسي قال زهرا لـ«المستقبل» إنه «بات واضحاً للجميع أن لا صحة للجسد من دون رأس وأن العمل لا ينتظم في كل المؤسسات الدستورية بغياب ناظم العمل الذي هو رئيس الجمهورية، لذلك علينا أن نبذل ما بوسعنا لتأمين انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن إذا كنا حريصين على صحة البلد».
وشدّد زهرا على أنه «لا ينتظر أن يتغيّر المشهد في مجلس النواب غداً» مؤكّداً بالمقابل أنه «من الواضح أن لا خارطة الطريق التي أطلقها الرئيس الحريري، والتي تتناغم بالكامل مع الموقف العلني لقوى 14 آذار، ولا صرخات غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بتحميل النواب المقاطعين للجلسات الانتخابية المسؤولية الضميرية بسوق البلاد نحو الهاوية، ولا حتى مواقف الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط اللذين شدّدا على أن لا أولوية تتقدم على مسألة انتخاب رئيس للجمهورية، ستدفع هذا الفريق إلى الشعور بالإحراج، فيعمل لتأمين النصاب».
غير أنه أمل في أن يتغيّر المشهد قريباً «بعد أن تدفع هذه المواقف باتجاه إنتاج توافق وطني يؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن».
ولا يبدو عضو «اللقاء الديموقراطي» وزير الزراعة أكرم شهيّب بعيداً عن «تشاؤم» زهرا في عدم تغيّر المشهد غداً في مجلس النواب، إذ يعتبر أنه على الرغم من «كلام البطريرك الراعي الموجه إلى أصحاب التعطيل وتحميلهم مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي، وعلى الرغم من دعوة رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط إلى الابتعاد عن اصطفاف 8 و14 آذار لتسهيل انتخاب رئيس لا غالب ولا مغلوب، فالأرجح أن الرئيس بري سيضطر إلى الدعوة إلى جلسة عاشرة أو أكثر لإتمام الاستحقاق الرئاسي».
وشدّد شهيّب لـ«المستقبل» على أن «لا أولوية تتقدّم على انتخاب رئيس الجمهورية ولا يمكن إجراء انتخابات نيابية، وهي الاستحقاق التالي الملح، في ظل غياب رأس النظام، وهذا ما يؤدي إلى تعطّل المؤسسات التشريعية والتنفيذية في البلد»، مشيراً إلى أنه «في ظل عودة نوع من التوتر الأمني على الحدود الشرقية وفي طرابلس، وفي ظل الغليان الإقليمي بدءاً من العراق حيث بدأنا نشهد عمليات تهجير، وصولاً إلى الوضع المأسوي والمذبحة التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ومع استمرار المأساة الأكبر في سوريا حيث يخوض رأس النظام السوري معركة ضد شعبه لا تقل إجراماً ووحشية عما يرتكبه الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، فإن البلد بأكمله معرّض للخطر ولا يمكن حمايته إلا بخطوات تبدأ بعملية انتخاب رئيس للجمهورية».
وإذ أكّد أن المرحلة السابقة «أثبتت أن الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية ليست هي الحل، فإن الرئيس الحريري اقترح البحث عن بدائل أخرى وأكّد أن كل الخيارات متاحة، في حين أن اللقاء الديمقراطي يرى في مرشحه النائب هنري حلو حلاً منطقياً يخرج عن الاصطفافات ويقي البلاد من استمرار الشغور، وأن الرئيس بري يعتبر أن انتخابات الرئاسة أولوية ناهيك عن موقف البطريرك الراعي»، شدّد شهيب على ضرورة «الاحتكام إلى العقل والمنطق والشروع في البحث بانتخاب رئيس للجمهورية، لتفادي انزلاق البلاد إلى ما لا تحمد عقباه».
من جهته، لا يرى عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت أن هناك حلاً على المدى القريب «فبرأيي أن الأزمة ستطول لأن تعطيل النصاب هو دليل على وجود قرار استراتيجي- إقليمي باستمرار الفراغ اياً كانت الكلفة السياسية والاقتصادية والأمنية على البلد، وهذا القرار إيراني سوري وينص على عدم الرغبة في التعاون إلا إذا كانت النتيجة تتوافق مع مصالحه».
وقال فتفت لـ «المستقبل» إن «الحل الوحيد هو المزيد من الضغط على الفريق المسيحي المقاطع لجلسات الانتخابات الرئاسية، وهنا لا بد من التنويه بالدور الذي يلعبه البطريرك الراعي الذي بدأ تدريجياً في تسمية الأشياء بأسمائها من حيث توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى النائب عون وفريقه بتعطيل الانتخابات الرئاسية»، مشيراً إلى أن الخطورة الحقيقية التي نواجهها هي «أننا نسير باتجاه المزيد من الفراغ الدستوري، وانعكست أولى صوره في الصعوبات التي واجهتها الحكومة في الفترة الأخيرة».
مشهد الفراغ لا يزال مهيمناً على قصر بعبدا، والخوف من انتقاله إلى ساحة النجمة في ظل التعنّت المستمر لفريق «8 آذار» الذي لا يزال يتخذ مواقف تؤكّد عدم تسهيل وصول مرشح لا يتوافق مع مصالحه وأجندته.