IMLebanon

«الرئاسة الشاغرة»: براءة ذمة مارونية.. وعون يراهن على «مثلث الأقوياء»!

«الرئاسة الشاغرة»: براءة ذمة مارونية.. وعون يراهن على «مثلث الأقوياء»!

جعجع في بكركي يتخوف من الطريق المسدود .. وتحذير من تعطيل المادة 62 من الدستور

بين الخميس والسبت، يبدو الساسة اللبنانيون يتصرفون كمن يرقص «رقصة الوداع»، ضجيج في كل مكان، واسهاب في الكلام فاق الحدود، والمسار في ابتكار المخارج لازمة تلوح في الافق، تتخطى في الواقع مسألة خلو الرئاسة ليوم أو يومين أو أسابيع أو أكثر، الى مسألة كشف القيادات اللبنانية أمام الرأي العام المحلي والعربي والدولي، بأنها ليست جديرة بادارة عملية سياسية متكاملة تسمح بانتقال السلطة او تداولها ما لم يتحرك «العقل الفعال» من الخارج لوضع المواقف واستيلاد القرار وانتخاب هذا المرشح او ذاك رئيساً للجمهورية اللبنانية.

وفيما بدت الضجة التي اثبتت حضور بكركي كمعترض حقيقي على شغور منصب الرئاسة الاولى، اشبه «ببراءة الذمة» وعلى طريقة «اللهم اني بلغت» وفقاً لقيادي ماروني بارز. اضاف في كلامه لـ«اللواء» ان «الأنا المارونية ذبحت الرئاسة»، كان المرشح عن قوى 14 آذار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يعتبر من بكركي ان «المقاطعة وتعطيل الانتخابات واللعبة الديمقراطية وموقع الرئاسة يضعنا امام حائط مسدود».

وفي الوقت الذي كانت فيه بكركي تحذر النواب، بعد اجتماع للهيئات المارونية الثلاث: «الرابطة المارونية»، و«المجلس العام الماروني» و«المؤسسة اللبنانية للانتشار»، من ان «تعطيل انتخاب الرئيس يهدد الكيان ويشل عمل المؤسسات الدستورية»، كان النائب العماد ميشال عون يتحدث في مقابلة مع «المنار» عن تشكيل مثلث متساوي الاضلاع يضمه الى الرئيس سعد الحريري رئيس تيار «المستقبل» والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، غير عابئ بغياب نواب 8 آذار وقسم من نواب التكتل، باستثناء كتلة التحرير والتنمية، عن جلسة الاستماع ومناقشة رسالة الرئيس ميشال سليمان الى المجلس النيابي، والتي اعتبر فيها (اي الرئيس سليمان) ان «خلو سدة الرئاسة الاولى يشكل مساً بالشراكة الميثاقية الوطنية».

ومع سقوط فكرة التمديد سنة للرئيس سليمان، والتي طرحها البطريرك بشارة الراعي، انتقل البحث في الكواليس الى تجنب المخاطر والافساح في المجال امام الحكومة لتولي صلاحيات الرئيس وكالة ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهذا يعني الابتعاد عن التهويل بالاستقالة من الحكومة او تعطيل التشريع، الامر الذي يؤدي الى ايجاد خلل في عمل المؤسسات قد يجهز على ايجابيات الشهرين الماضيين في الامن والتعيينات والتهدئة السياسية.

وعليه، ستنصرف المعالجات بعد الخامس والعشرين من الشهر الحالي، الى احترام ما نصت عليه المادة 62 لجهة منع الفراغ، وفي الوقت نفسه المضي قدماً في السعي لانتخاب رئيس في اقرب وقت ممكن، لان التضحية بموقع الحكومة قبل انتخاب الرئيس تكون «كمن يقتل الطبيب قبل معالجة المريض» على حد تعبير وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس.

واوضح وزير الاعلام رمزي جريج لـ«اللواء» انه بإمكان الحكومة تسيير الأمور في خلال فترة الشغور، الا ان ذلك لا يغني من وجود انتخاب رئيس جديد للجمهورية في اسرع وقت ممكن، مشيراً الى ان هذه الحكومة مستعدة لتحمل مسؤولياتها انطلاقاً مما حدده لها الدستور، الا ان رئيس الجمهورية يبقى يُشكّل رمز وحدة الوطن، وبالتالي فان انتخابه مسألة ضرورية وأساسية.

وإذ أكّد جريج أن جدول أعمال الجلسة الوداعية التي سيترأسها الرئيس سليمان في قصر بعبدا عصر غد الجمعة لم يوزع بعد، توقع أن تكون جلسة مؤثرة تغلب عليها مشاعر الود والعاطفة، ولا سيما أن علاقة وطيدة تربط الرئيس سليمان بمعظم الوزراء الذين يقدرونه ويقدرون مواقفه الوطنية.

ولفت إلى أن جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد عصر اليوم في السراي ستخلو من التعيينات، وأن معظم بنود جدول أعمالها الفضفاض بمئة بند هي بنود إدارية.

اما البطريرك الماروني الذي يفترض ان يكون غداً الجمعة في عمان ليكون في استقبال البابا فرنسيس الأوّل الذي سيزور الاراضي الفلسطينية المحتلة، فشاء أن يوجه نداء إلى مجلس النواب ليكون على مستوى الاستحقاق الوطني ويحافظ على كرامة لبنان وشعبه بانتخاب رئيس، معتبراً انه إذا اغلق القصر الجمهوري سيكون ذلك عاراً عليناً كلنا وفشلاً ذريعاً للمجلس النيابي، لافتاً الى ان الرئيس سليمان سيغادر قصر بعبدا وضميره مرتاح لأنه خدم لبنان ومؤسساته والحقيقة.

وكشف القيادي الماروني البارز، والذي شارك في اجتماع المؤسسات المارونية صباحاً، في بكركي، والذي تبنى موقف البطريرك من حتمية اجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده صوناً للميثاق الوطني وتجنباً للفراغ في سدة الرئاسة، أن الاجتماع لم يخل من صخب في الكلام ولكن في النتيجة انتهى إلى البيان الهادئ تحسساً للظرف الدقيق الذي نعيشه، بعدما لمس الجميع أن الوقت دهم الجميع، وانه لم يعد هناك من مجال للقيام بمحاولة أخيرة، ذلك لأننا تأخرنا في الوقوف على المحطة بعدما انطلق القطار، لافتاً إلى ان آلية تعديل المادة 62 من الدستور باتت مستحيلة، لأنها تحتاج الى مشروع يفترض ان تتقدم به الحكومة ثم يحال الى مجلس النواب، علماً أن التعديل نفسه يحتاج الى الثلثين، وهو النصاب نفسه الذي يحتاجه المجلس لانتخاب رئيس.

جلسة الرسالة

 ولم تحمل المناقشة النيابية لرسالة الرئيس سليمان إلى المجلس والتي حث فيها النواب على متابعة حضور الجلسات حتى انتخاب رئيس جديد، أي جديد يضاف إلى المشهد الانتخابي المتعثر، حيث بقيت المواقف على حالها من دون بروز أي معطى يخالف التوقعات بأن الفراغ، أو الشغور في منصب الرئاسة، كما يحلو للنواب ان يسموه، زاحف لا محالة إلى قصر بعبدا.

وإذا كان الرئيس نبيه برّي قد ردّ على رسالة سليمان بتأكيده بأن المجلس لم يقصر عن القيام بواجبه، وأن مسألة نصاب الثلثين ليست من اختراعه، بل هي منذ قيام دستور العام 1926، وانه مستعد للدعوة إلى جلسة انتخاب متى تأمن النصاب ولو كان ذلك في منتصف الليل، مع إعلانه إبقاء الجلسات مفتوحة بدءاً من اليوم وحتى انتهاء المهلة الدستورية، فان مناقشات النواب، لم تقارب مضمون الرسالة بالشكل المطلوب، وانحرفت المناقشات عن مسارها، وتحولت الجلسة الى مهاترات واجتهادات حول النصاب الذي يجب توافره في الجولة الثانية من الانتخابات، ولم تخل المداخلات من تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات عما يمكن أن يطرأ جرّاء الفراغ، الذي قد ينسحب، في نظر البعض تعطيلاً في كل مفاصل الدولة على المستوى التنفيذي والتشريعي.

وبحسب مصدر نيابي، فإن جلسة أمس، أثبتت مثلما ستكون عليه جلسة اليوم، أن الاستحقاق الرئاسي قد أفلت من أيدي اللبنانيين، أو ربما هم تخلّوا عنه، وبات استحقاقاً إقليمياً ودولياً تعبث فيه رياح الأزمات التي من غير المؤمل أن تهدأ في وقت قريب، مما يعني أن المسؤولين اللبنانيين، إذا كانوا فعلاً مسؤولين سيكونون أمام لازمة تؤكد ضرورة وضع خارطة طريق لتمرير مرحلة الشغور بأقل الخسائر الممكنة وبأقصر مدة، لأنه في حال العكس سيذهب البلد الى المجهول.

وكان لافتاً أن نواب فريق 14 آذار الذين تناوبوا على الكلام كالوا المديح للرئيس سليمان، وهم صفقوا بعد تلاوة الرئيس بري نص رسالته، والتي تضمنت طلباً من المجلس «العمل على ما يفرضه الدستور، وما توجبه القوانين لاستكمال الاستحقاق الرئاسي تفادياً للمحاذير والمخاطر»، مشيراً الى أن الوطن «يستحق تجرداً وترفعاً وتحمّل المسؤولية، وأن اللبنانيين يستحقون أن يكون لهم رئيس جديد قبل 25 أيار».

والبارز في مداخلات النواب كلام النائب وليد جنبلاط الذي وصف الرئيس سليمان «بالشجاع»، غامزاً من قناة غير عندما قال: «كانت لنا مع غيره تجارب مريرة، والله يستر من يللي جاي على الميلتين»، في إشارة الى كل من عون وجعجع.

وأوضحت مصادر نيابية أن الجلسة التي غاب عنها نواب حزب الله والبعث و«القومي» و«المردة» لم يكن مقدراً لها أن تكون عكس ما انتهت إليه، لا بل أعطت انطباعاً بأن الجلسات الانتخابية المقبلة لن تكون أوفر حظاً، ما لم يحصل توافق داخلي وتسوية إقليمية من شأنها أن تخرج هذا الاستحقاق من عنق الزجاجة.

واستبعدت المصادر أن يتغيّر شيء في الجلسة المقررة اليوم، وهي الخامسة لانتخاب رئيس، في ظل استمرار التلويح بتعطيل النصاب، على غرار الجلسات السابقة، مشيرة الى أن المشاورات التي أجراها الرئيس بري قبيل وبعد الجلسة مع الرئيس تمام سلام والنائب جنبلاط ونواب في تكتل «الاصلاح والتغيير» لم تحدث أية متغيّرات، وبالتالي فإن جلسة الانتخاب اليوم لن يكتمل نصابها، وسيكون لبنان بعد السبت المقبل أمام مشهد سياسي جديد ومن دون رئيس جمهورية.

وداع سليمان

 أما الرئيس سليمان، فقد انصرف، بعدما اطلع من الرئيس سلام صباحاً على نتائج محادثاته في المملكة العربية السعودية، الى وضع عناوين المواقف التي سيطلقها في خلال الحفل الذي سيقام السبت، لمناسبة انتهاء ولايته، ويحضره رئيسا الحكومة والمجلس النيابي والنواب والوزراء، وفاعليات اقتصادية وسياسية واجتماعية وإعلامية يربو عددهم عن الـ 450 شخصية.

وعُلم أن الرسالة الوداعية ستكون موجزة تتناول إنجازات عهده، ما تحقق وما لم يتمكن من تحقيقه على أمل أن يحققه الرئيس الخلف، مبدياً أسفه لكونه لم يسلّم الرئاسة كما يتسلّمها، مكرراً مواقفه وثوابته الوطنية المعروفة، والتمسك باتفاق الطائف وإعلان بعبدا، ومعالجة الثغرات لتطوير الدستور.